الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 208 ] باب ميراث الحمل إذا مات عن حمل يرثه ، وطالب بقية الورثة بالقسمة ، وقفت نصيب ذكرين ، إن كان نصيبهما أكثر ، وإلا وقفت نصيب ابنتين ، ودفعت إلى من لا يحجبه الحمل أقل ميراثه ، ولا يدفع إلى من يسقطه شيئا ، فإذا وضع الحمل ، دفعت إليه نصيبه ، ورددت الباقي إلى مستحقه ، وإذا استهل المولود صارخا ، ورث وورث ، وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع ، وما يدل على الحياة ، وأما الحركة والاختلاج ، فلا تدل على الحياة ، وإن ظهر بعضه ، فاستهل ثم انفصل ميتا لم يرث ، وعنه : يرث ، وإن ولدت توأمين ، فاستهل أحدهما وأشكل ، أقرع بينهما ، فخرجت قرعته ، فهو المستهل .

                                                                                                                          [ ص: 211 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب ميراث الحمل

                                                                                                                          الحمل ، بفتح الحاء : ما في بطن الحبلى ، وبكسرها : ما يحمل على ظهر أو رأس ، وفي حمل الشجرة قولان ، حكاهما ابن دريد ، ويقال : امرأة حامل وحاملة ، إذا كانت حبلى ، فإذا حملت شيئا على ظهرها أو رأسها ، فهي حاملة .

                                                                                                                          ( إذا مات عن حمل يرثه ) وقف الأمر حتى يتبين ، فإن امتنعوا ( وطالب بقية الورثة بالقسمة ) أجيبوا إليها ، ولم يعطوا كل المال بغير خلاف ، فيدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه ، وإلى من ينقصه أقل ميراثه ، ولا يدفع إلى من يسقط شيء ، فأما من يشاركه ، فأكثر أهل العلم قالوا : يوقف للحمل شيء ، ويدفع إلى شركائه الباقي .

                                                                                                                          نادرة : حكى الماوردي ، قال : أخبرني رجل من أهل اليمن ورد طالبا للعلم ، وكان من أهل الدين والفضل ، أن امرأة باليمن وضعت شيئا كالكرش ، فظن أن لا ولد فيه ، فألقي على قارعة الطريق ، فلما طلعت الشمس ، وحمي ، تحرك ، فأخذ ، فشق ، فخرج منه سبعة أولاد ذكور ، وعاشوا جميعا ، وكانوا خلقا سويا ، إلا أنه كان في أعضادهم قصر ، قال : وصارعني أحدهم ، فصرعني ، فكنت أعير به ، ويقال : صرعك سبع رجل .

                                                                                                                          قال المؤلف : وأخبرني من أثق به سنة ثمان أو تسع وستمائة ، عن رجل ضرير بدمشق ، أنه قال : ولدت امرأتي سبعة في بطن واحد ، ذكورا وإناثا ، وأجيب : [ ص: 209 ] بأن هذا نادر ، فلا يعول عليه ، ولا يجوز منع الميراث من أجله ، كما لو لم يكن بالمرأة حمل ( وقفت نصيب ذكرين ) لأن ولادة التوأمين كثير معتاد ، فلم يجز النقصان عنه ; لأنه معتاد ، ولا الزيادة عليه ; لأنه نادر ( إن كان نصيبهما أكثر ) كرجل مات عن امرأة وابن وحمل ، فمسألته من ثمانية ، وتصح من أربعة وعشرين للذكرين أربعة عشر ، وهو أكثر من نصيب ابنتين ( وإلا وقفت نصيب ابنتين ) أي : إن كان نصيبهما أكثر ، كرجل مات عن امرأة وأبوين وحمل ، فمسألته من أربعة وعشرين ، وتصح من سبعة وعشرين ، للابنتين منها ستة عشر ، وهو أكثر من نصيب ذكرين ، وضابطه : أن الفروض متى زادت على ثلث المال ، فميراث الإناث أكثر ، وهذا هو المروي عن أحمد ، وقاله محمد بن الحسن ، واللؤلئي ، وقال شريك ، ووافقه جماعة : إنه يوقف نصيب أربعة ، وقال الليث ، وأبو يوسف : ويوقف نصيب غلام ، ويؤخذ ضمين من الورثة ، وعلى المذهب يشترط لوقف النصيب المذكور كونه وارثا ، وأن يطلب بقية الورثة القسمة ، وقد ذكره المؤلف ، فإن لم يطلبوها بقي الأمر على حاله إلى الوضع ، وهذا ظاهر ( ودفعت إلى من لا يحجبه الحمل أقل ميراثه ) لأنه اليقين ، وما زاد مشكوك فيه ، كرجل مات عن امرأة وحمل ، فبتقدير خروجه حيا ، لها الثمن ، وبتقدير خروجه ميتا ، لها الربع ، فيدفع إليها الثمن ; لأنه أقل ( ولا يدفع إلى من يسقطه شيئا ) لأن الظاهر خروج الحمل حيا ، وهو يسقط الموجود ، فلم يدفع إليه مع الشك في استحقاقه ، كرجل خلف امرأة وحملا ، وثلاث أخوات مفترقات ، فالولد الذكر يسقط الأخوات من كل جانب ، [ ص: 210 ] وهو يحتمل أن يكون ذكرا .

                                                                                                                          ( فإذا وضع الحمل دفعت إليه نصيبه ) لأنه حقه ( ورددت الباقي إلى مستحقه ) لأن ذلك حقهم ، لكن إن كان يرث الموقوف كله ، كما في المسألتين أخذه كله ، وإن أعوز شيئا ، رجع على من في يده ، وهل يجري في حول الزكاة ، كما قاله ابن حمدان من موته ، لحكمنا له بالملك ظاهرا حتى منعنا باقي الورثة ، أو الآن كما هو ظاهر كلام الأكثر ، وجزم به المجد في زكاة مال الصبي ؛ فيه وجهان ، ذكرهما أبو المعالي قال : ولو وصى لحمل ومات ، فوضعت لدون ستة أشهر وقبل وليه ، ملك المال ، وهل ينعقد حوله من الموت أو القبول ؛ فيه خلاف في حصول الملك ، وإن لم تكن توطأ ، فوضعت لمضي أربع سنين ، وقلنا : تصح الوصية له ، ففي وجوب زكاة ما مضى من المدة قبل الوضع وجهان .

                                                                                                                          تنبيه : اعلم أنه ربما يكون الحمل لا يرث إلا إذا كان ذكرا ، مثل أن يكون من جد الميت ، أو عمه ، أو أخيه ، كبنت وعم وامرأة أخ ، للبنت النصف ، والباقي موقوف في قولهم جميعا ، وربما كان الحمل لا يرث ، إلا إذا كان أنثى ، كزوج وأخت لأبوين وامرأة أب حامل ، يوقف سهمه من سبعة ، فإن ولدته أنثى أخذته ، وإن ولدته ذكرا ، أو ذكرين ، أو ذكرا وأنثى ، اقتسمه الزوج والأخت ، وكذلك إن تركت أختا لأب ، لم يدفع إليها شيء لجواز أن تلد ذكرا فيسقطها .



                                                                                                                          [ ص: 211 ] فصل

                                                                                                                          ( وإذا استهل المولود صارخا ) سمي الصراخ استهلالا تجوزا ، وأصله أن الناس إذا رأوا الهلال ، صاحوا عند رؤيته ، واجتمعوا ، فأراه بعضهم بعضا ، فسمي الصوت عند استهلال الهلال استهلالا ، ثم سمي الصوت من المولود استهلالا ; لأنه صوت عند وجود شيء يجتمع له ، ويفرح به ، وفسر الجوهري الاستهلال بالصراخ ، وكذا المؤلف ، لينبه بذلك على حياته ، وفيه شيء ; لأنه إن جعل حالا كان فيه إشعار بانفكاك الاستهلال عنه ، وكذا إن جعل تمييزا ; لأنه لا يأتي إلا بعد ما يحتمل الأمرين ، والتفسير يأباه ، والأظهر أنه حال مؤكدة كقوله تعالى ولا تعثوا في الأرض مفسدين ( ورث ، وورث ) نقله أبو طالب ، وفي " الروضة " ، وهو الصحيح عندنا ، وهو قول ابن عباس ، والحسن ، وابن سيرين ، لما روى أبو هريرة مرفوعا ، قال : إذا استهل المولود ورث رواه أبو داود ، وعن جابر نحوه ، رواه ابن ماجه ، فدل أنه لا يرث بغير الاستهلال ، وفي لفظ ذكره ابن سراقة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال في الصبي إذا وقع صارخا ، فاستهل : ورث وتمت ديته وسمي وصلي عليه ، وإن وقع حيا ولم يستهل لم تتم ديته وفيه غرة على العاقلة .

                                                                                                                          ( وفي معناه العطاس والتنفس والارتضاع ) وكذا في المحرر والوجيز ، وزاد البكاء ، روى يوسف بن موسى عن أحمد ، أنه قال : يرث السقط ويورث إذا استهل ، فقيل له : ما الاستهلال ؛ قال : إذا صاح أو عطس أو بكى ، فعلى [ ص: 212 ] هذا : كل صوت يوجد منه تعلم به حياته ، فهو استهلال ، وقاله الزهري والقاسم ، لأنه صوت علمت به حياته ، أشبه الصراخ ، وعنه : إذا علمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره ورث ، وثبت له أحكام المستهل ، وقاله الثوري وغيره ، ولأن ما ذكر في معنى الاستهلال ، فثبت له حكمه ( وما يدل على الحياة ) كالبكاء والحركة الطويلة ، ولو قال : وإذا استهل المولود كالكافي لكان أولى ، لكن خصه طائفة بأنه لا يرث إلا إذا استهل صارخا ، وذلك مقيد بأمرين : أحدهما : أن يعلم أنه كان موجودا حال الموت ، وهو أن تأتي به لأقل من ستة أشهر ، فإن أتت به لأكثر ، وكان لها زوج أو سيد يطؤها ، لم يرث إلا أن يقر الورثة به ، الثاني : أن تضعه حيا ، فإن وضعته ميتا لم يرث إجماعا ( وأما الحركة ) اليسيرة ( والاختلاج فلا تدل على الحياة ) فإن اللحم يختلج لا سيما إذا خرج من مكان ضيق ، فتضامت أجزاؤه ، ثم خرج إلى مكان فسيح ، فإنه يتحرك وإن لم تكن فيه حياة ، ثم إن كانت فيه حياة ، فلا يعلم كونها مستقرة ; لاحتمال أن تكون كحركة المذبوح ، فإن غالب الحيوانات تتحرك بعد الذبح حركة شديدة ، وهو في حكم الميت ، قاله في " المغني " و " الشرح " ، ونقل ابن الحكم : إذا تحرك ففيه الدية كاملة ، ولا يرث ولا يورث حتى يستهل .

                                                                                                                          ( وإن ظهر بعضه ، فاستهل ، ثم انفصل ميتا لم يرث ) في ظاهر المذهب ; لأنه لم يثبت له أحكام الدنيا ، وهو حي أشبه ما لو مات في بطن أمه ( وعنه : يرث ) لما تقدم ، ولأنه علمت حياته ( وإن ولدت توأمين ، فاستهل أحدهما وأشكل ، أقرع [ ص: 213 ] بينهما فمن خرجت قرعته ، فهو المستهل ، قاله القاضي ، وهو المذهب ; لأنه لا مزية لأحدهما ، فتعينت القرعة ، كطلاق إحدى نسائه ، والسفر بها ، والبداءة بالقسم لها ، وفي الخبري : ليس في هذا عن السلف نص ، وقال الفرضيون : تعمل المسألة على الحالين ، ويعطى كل وارث اليقين ، ويوقف الباقي حتى يصطلحوا عليه ، وقيل : يقسم بينهم على حسب الاحتمال ، وعلى الأول محله ما اختلف إذا ميراثهما بأن كان ذكرا وأنثى ، فإن كانا ذكرين أو عكسه ، فلا فرق . تمام : رجل خلف أمه وأخاه وأم ولد حاملا منه ، فولدت توأمين ذكرا وأنثى ، فاستهل أحدهما ، ولم يعلم ، فالجواب : إن كان الابن المستهل ، فللأم السدس ، والباقي له ، ترث أمه الثلث ، والباقي للعم ، فعلى هذا تضرب ثلاثة في ستة تكن ثمانية عشرة ، ثلاثة لأم الميت ، ولأم الولد خمسة ، وللعم عشرة ، وإن كانت البنت فهي من ستة ، وتموت عن ثلاثة : لأمها سهم ، ولعمها سهمان ، والستة تدخل في الثمانية عشر ، فمن له شيء من ثمانية عشر مضروب في ثلاثة فسدس الأم لا يتغير ، وللعم من الستة أربعة في ثلاثة باثني عشر ، وله من الثمانية عشر ، عشرة في واحد ، فهذا اليقين فيأخذه ، ولأم الولد خمسة في سهم ، وسهم في ثلاثة ، فتأخذها ، وتقف سهمين بين الأخ وأم الولد حتى يصطلحا عليهما .

                                                                                                                          فرع : إذا مات كافر عن حمل منه ، لم يرثه ، نص عليه لحكمه بإسلامه قبل وضعه ، وقيل : يرثه ، وهو أظهر لعدم تقدم الإسلام ، واختلاف الدين ليس من جهته ، كالطلاق في المرض ، ولأنه يرث إجماعا ، فلا يسقط بمختلف فيه ، وهو الإسلام ، وكذا إن كان من كافر غيره ، فأسلمت أمه قبل وضعه مثل أن يخلف [ ص: 214 ] أمه حاملا من غير أبيه ، وفي الرعاية احتمال بأنه يرث حيث ثبت النسب .

                                                                                                                          فائدة : إذا زوج أمته بحر فأحبلها ، فقال السيد : إن كان حملك ذكرا ، فأنت وهو قنان ، وإلا حران ، فهي القائلة : إن ألد ذكرا لم أرث ولم ترث وإلا ورثنا ، ومن خلفت زوجا وأما وإخوة لأم وامرأة أب حاملا ، فهي القائلة : إن ألد أنثى ورثت لا ذكرا .




                                                                                                                          الخدمات العلمية