الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          102 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحق هو القرشي عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر قال سألت جابر بن عبد الله عن المسح على الخفين فقال السنة يا ابن أخي قال وسألته عن المسح على العمامة فقال أمس الشعر الماء [ ص: 293 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 293 ] قوله : ( عن عبد الرحمن بن إسحاق ) ابن عبد الله بن الحرث بن كنانة القرشي العامري المدني ، روى عن أبيه والزهري وعنه إبراهيم بن طهمان وبشر بن المفضل ، وثقه ابن معين . قال أبو داود ثقة قدري ، قال الفسوي وابن خزيمة ليس به بأس ، قال ابن عدي : أكثر أحاديثه صحاح وله ما ينكر كذا في الخلاصة .

                                                                                                          ( عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ) قال في التقريب : أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أخو سلمة وقيل هو هو مقبول . انتهى . وقال في الخلاصة : وثقه ابن معين وفيه كلام أبي حاتم . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( فقال : السنة يا ابن أخي ) أي هو السنة يا ابن أخي ( فقال : أمس الشعر ) أمر من المس يعني لا يجوز المسح على العمامة فعليك أن تمس الشعر . وقال محمد في موطئه : أخبرنا مالك قال : بلغني عن جابر بن عبد الله أنه سئل عن العمامة فقال : لا حتى يمس الشعر الماء . قال صاحب التعليق الممجد : قوله حتى يمس من الإمساس أو المس أي يصيب الشعر بالنصب على أنه مفعول مقدم . الماء بالرفع أو النصب . انتهى .

                                                                                                          قوله : ( وقال غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه ومع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي ) قال الحافظ في الفتح : اختلف السلف في معنى المسح على العمامة ، فقيل : إنه كمل عليها بعد مسح الناصية ، وقد تقدمت رواية مسلم بما يدل على ذلك ، وإلى عدم الاقتصار على المسح عليها ذهب الجمهور ، وقال الخطابي فرض الله مسح الرأس والحديث في مسح الرأس محتمل للتأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل ، قال : وقياسه على مسح الخف بعيد لأنه يشق نزعه بخلافها .

                                                                                                          وتعقب : بأن الذين أجازوا الاقتصار على مسح العمامة شرطوا فيه المشقة في نزعها كما في الخف . وطريقه أن تكون محكمة كعمائم العرب . وقالوا عضو يسقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين ، وقالوا الآية لا تنفي ذلك ولا سيما عند من يحمل المشترك على حقيقته ومجازه . لأن من قال قبلت رأس فلان يصدق ولو كان على حائل . انتهى . وقال ابن قدامة في [ ص: 294 ] المغني : يجوز المسح على العمامة ، قال ابن المنذر وممن مسح على العمامة أبو بكر الصديق وبه قال عمر وأنس وأبو أمامة ، وروي عن سعيد بن مالك وأبي الدرداء رضي الله عنهم ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول والأوزاعي وأبو ثور وابن المنذر ، وقال عروة والنخعي والشعبي والقاسم ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا يمسح عليها لقول الله تعالى وامسحوا برءوسكم ، ولأنه لا تلحقه المشقة في نزعها فلم يجز المسح عليها كالكمين ، ولنا ما روى المغيرة بن شعبة قال : توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة ، قال الترمذي هذا حديث صحيح ، قال أحمد هو من خمسة وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، روى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه أنه قال : من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ، قال ومن شرط جواز المسح على العمامة أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس والأذنين وشبههما من جوانب الرأس فإنه يعفى عنه ، قال ومن شرط جواز المسح عليها أن تكون على صفة عمائم المسلمين ، إما بأن يكون تحت الحنك منها شيء لأن هذه عمائم العرب وهي أكثر سترا من غيرها ويشق نزعها فيجوز المسح عليها سواء كانت لها ذؤابة أو لم يكن قاله القاضي ، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة . فإن لم يكن تحت الحنك منها شيء ولا لها ذؤابة لم يجز المسح عليها لأنها على صفة عمائم أهل الذمة ولا يشق نزعها ، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط رواه أبو عبيدة والاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء وروي أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا ليس تحت حنكه من عمامته شيء فحنكه بكور منها وقال ما هذه الفاسقية . فامتنع المسح عليها للنهي عنها وسهولة نزعها وإن كانت ذات ذؤابة ولم تكن محنكة ففي المسح عليها وجهان أحدهما جوازه لأنها لا تشبه عمائم أهل الذمة إذ ليس من عادتهم الذؤابة ، والثاني لا يجوز لأنها داخلة في عموم النهي ولا يشق نزعها . قال وإن نزع العمامة بعد المسح عليها بطلت طهارته نص عليه أحمد . قال والتوقيت في مسح العمامة كالتوقيت في مسح الخف ، لما روى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ويوما وليلة للمقيم ، رواه الخلال بإسناده إلا أنه من رواية شهر بن حوشب ولا ممسوح على وجه الرخصة فتوقت بذلك كالخف . انتهى ما في المغني .

                                                                                                          قلت : لا ريب في أنه صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة كما يدل عليه أحاديث الباب . وأما هذه الشرائط التي ذكرها ابن قدامة فلم أر ما يدل على ثبوتها من الأحاديث الصحيحة والله تعالى أعلم . وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط فلم يذكر ابن قدامة سنده ولم يذكر تحسينه ولا تصحيحه عن أحد من أئمة الحديث ، ولم أقف على سنده ولا على من حسنه أو صححه فالله أعلم كيف هو . وأما ما رواه في توقيت المسح على العمامة ففي إسناده شهر بن [ ص: 295 ] حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بن السكن ، صدوق كثير الإرسال والأوهام كذا في التقريب ، وقد أخرجه الطبراني أيضا وفي إسناده مروان أبو سلمة ، وقد عرفت أن البخاري قال : إنه منكر الحديث ، وقال ابن أبي حاتم ليس بالقوي ، وقد عرفت أيضا أنه سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال : ليس بصحيح .

                                                                                                          تنبيه : قال الإمام محمد في موطئه : بلغنا أن المسح على العمامة كان فترك . انتهى . قال صاحب التعليق الممجد : لم نجد إلى الآن ما يدل على كون المسح على العمامة منسوخا ، لكن ذكروا أن بلاغات محمد مسندة فلعل عنده وصل بإسناده . انتهى كلامه . قلت : لا بد لمن يدعي أن المسح على العمامة كان فترك أن يأتي بالحديث الناسخ الصحيح الصريح ، ولا يثبت النسخ بمجرد قول الإمام محمد المذكور ، كما لا يخفى على العالم المنصف .




                                                                                                          الخدمات العلمية