الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1836 - مسألة : ولا يحل للعبد ولا للأمة أن ينكحا إلا بإذن سيدهما ، فأيهما نكح بغير إذن سيده عالما بالنهي الوارد في ذلك فعليه حد الزنا ، وهو زان ، وهي زانية ، ولا يلحق الولد في ذلك .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : ما روينا من طريق أبي داود نا أحمد بن حنبل ، وعثمان بن أبي شيبة - واللفظ له - كلاهما عن وكيع نا الحسن بن صالح عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 52 ] ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريح عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول " قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أيما عبد نكح بغير إذن سيده فهو عاهر } .

                                                                                                                                                                                          واسم " العبد " واقع على الجنس ، فالذكور والإناث من الرقيق داخلون تحت هذا الاسم .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام } والأمة مال لسيدها فهي حرام عليه إلا بإنكاحها إياه بنص كلامه عليه الصلاة والسلام - وهو قول طائفة من السلف - : روينا عن عمر بن الخطاب : إذا نكح العبد بغير إذن مواليه فنكاحه حرام .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق نا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة عن نافع : أن ابن عمر كان يرى إنكاح العبد بغير إذن سيده زنى ، ويرى عليه الحد ، وعلى التي نكح إذا أصابها إذا علمت أنه عبد ، ويعاقب الذين أنكحوها .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 53 ] ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع : أن ابن عمر أخذ عبدا له نكح بغير إذنه ففرق بينهما ، وأبطل صداقه ، وضربه حدا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن نافع عن ابن عمر قال : إذا تزوج العبد بغير إذن سيده جلد الحد ، وفرق بينهما ، ورد المهر إلى مولاه وعزر الشهود الذين زوجوه وهذا مسند في غاية الصحة عن ابن عمر رضي الله عنهما .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم نا مغيرة ، وعبيدة عن إبراهيم النخعي ، قال المغيرة في روايته عنه : إذا فرق المولى بينهما فما وجد عندها من عين مال غلامه فهو له ، وما استهلكه فلا شيء عليها ، وقال عبيدة في روايته عنه ; وما استهلكت فهو دين عليها ، قال هشيم : وهو القول .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق شعبة عن الحكم بن عتيبة ، وحماد بن أبي سليمان : أنهما قالا في العبد يتزوج بغير إذن سيده : أنه يفرق بينهما ، وينتزع الصداق منها ، وما استهلكته كان دينا عليها .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن فراس عن عامر الشعبي في التي يتزوجها العبد بغير إذن سيده قال : يؤخذ منها ما لم تستهلكه وما استهلكت فلا شيء .

                                                                                                                                                                                          وممن قال : لا يجوز ، ولا إجازة فيه للسيد لو أجازه - الأوزاعي ، والشافعي .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة ، ومالك : إن نكاح العبد بغير إذن سيده ليس زنى ، بل إن أجازه السيد جاز بغير تجديد عقد .

                                                                                                                                                                                          وموهوا في ذلك بأن قالوا : إن الخبر الذي احتججتم به أنه عاهر ليس فيه : إذا وطئها ، وأنتم تقولون : إذا لم يطأها فليس عاهرا ؟ قلنا : قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الخبر بلفظ " إذا نكح " كما أوردناه آنفا ونكح في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها وخاطبنا بها عليه الصلاة والسلام " يقع على العقد ويقع على الوطء " فلا يجوز تخصيص أحد المعنيين دون الآخر - فصح أنه عليه الصلاة والسلام إنما جعله زانيا إذا تزوج ونكح - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          والعجب أنهم جعلوا تفريق السيد - إن فرق - طلاقا ، وهذا خطأ فاحش من [ ص: 54 ] وجوه - : أحدها أنه لا يخلو عقد العبد على نفسه بغير إذن سيده ضرورة من أحد وجهين لا ثالث لهما - : إما أن يكون صحيحا ، وإما أن يكون باطلا .

                                                                                                                                                                                          فإن كان صحيحا فلا خيار للسيد في إبطال عقد صحيح .

                                                                                                                                                                                          وإن كان باطلا فلا يجوز للسيد تصحيح الباطل .

                                                                                                                                                                                          وما عدا هذا فتخليط ، إلا أن يأتي به نص فيوقف عنده .

                                                                                                                                                                                          ويكفي من هذا - أنه قول لم يوجب صحته قرآن ، ولا سنة ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه يعقل ، ولا تصح في هذا رواية عن أحد من الصحابة غير التي روينا عن ابن عمر ، وجاءت رواية لا تصح عن عمر ، وعثمان قد خالفوها أيضا وتعلقوا برواية واهية ننبه عليها - إن شاء الله تعالى - لئلا يموه بها مموه ، وهي - : ما روينا من طريق وكيع عن العمري عن نافع عن ابن عمر ، قال : إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فالطلاق بيد السيد ، وإذا نكح بإذن سيده فالطلاق بيد العبد .

                                                                                                                                                                                          وروينا من طريق سعيد بن منصور نا هشيم قال : نا ابن أبي ليلى ، والحجاج - هو ابن أرطاة - والمغيرة - هو ابن مقسم - ويونس - هو ابن عبيد - والحصين - هو ابن عبد الرحمن - وإسماعيل بن أبي خالد ، قال ابن أبي ليلى ، والحجاج عن نافع عن ابن عمر ، وقال الحجاج أيضا : عن إبراهيم النخعي عن شريح ، وقال المغيرة : عن إبراهيم النخعي ، وقال يونس : عن الحسن البصري ، وقال الحصين ، وإسماعيل : عن الشعبي ، ثم اتفق ابن عمر ، وشريح ، وإبراهيم ، والحسن ، والشعبي ، قالوا كلهم : إذا تزوج بأمر مولاه فالطلاق بيده ، وإذا تزوج بغير أمره فالأمر إلى السيد إن شاء جمع وإن شاء فرق .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد - : العمري - هو عبد الله بن عمر بن حفص - وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                          وابن أبي ليلى سيئ الحفظ ضعيف - والحجاج هالك .

                                                                                                                                                                                          ومن السقوط والباطل أن تعارض برواية هؤلاء عن نافع رواية مثل أيوب السختياني ، وموسى بن عقبة ، ويونس بن عبيد عن نافع .

                                                                                                                                                                                          والرواية عن شريح ساقطة ، لأنها عن الحجاج بن أرطاة .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 55 ] وأما إبراهيم ، والشعبي ، فالرواية عنهما صحيحة ، إلا أن أبا حنيفة ومالكا خالفاهما في قولهما في المهر ، فما نعلمهم تعلقوا إلا بالحسن وحده .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية