[ ص: 4271 ] الوجه الثالث - قوله تعالى بعد ذلك:
nindex.php?page=treesubj&link=29786_30549_32264_32450_34195_34199_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين .
الوجه الرابع: أن هذه السورة مكية، والآيات المكية تتجه نحو التوحيد وإثبات الخالق، وأحكامها قليلة، والتجربة فيها قليلة.
لهذا كله سمحنا لأنفسنا بأن نخالف كثرة المفسرين، وإن كان لهم أجر فيما اجتهدوا، وهو أجر واحد.
وقد رد الله تعالى افتراءهم بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول لهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قل نـزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين
الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمر من ربه، والضمير في
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102نـزله للقرآن المذكور آنفا في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم و
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102نـزله مصدره التنزيل، وهو الإنزال المتدرج على حسب المناسبات، وليتمكن الذين يكتبون من كتابته، وهم أميون، لا يستطيعون الكتابة الطويلة، وليحفظوه فيسجل في الصدور بدل السطور فيصعب، بل لا يمكن تحريفه، وقد تواتر جيلا بعد جيل، و
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102روح القدس وهو الروح الطاهر، وهو
جبريل - صلى الله عليه وسلم -، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، كقولهم: حاتم الجود، وعلي البيان، ونحو ذلك، وهذا مبالغة من الله في وصفه بالطهر والصدق، وأنه رسول من الله صادق أمين وهو الذي نزل بالقرآن على قلب النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نـزل به الروح الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194على قلبك لتكون من المنذرين
وقد ذكر سبحانه أن غاية نزوله أن يزيد الذين آمنوا تثبيتا على الحق، ولذلك قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102ليثبت الذين آمنوا التثبيت زيادة ما يكون ثابتا قوة وثباتا، (الذين آمنوا) الذين يدركون الحق بمداركهم الفطرية، ويتجهون إليه اتجاها مستقيما،، فيدركونه بمواهبهم، والشرائع السماوية تثبت الحق في قلوبهم،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102وهدى وبشرى أي أنه ذاته هدى، وهذا
[ ص: 4272 ] تأكيد لمعنى أنه يهدي، فهو يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وكأنه الهداية ذاتها
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102وبشرى للمسلمين أي: هو بشرى للذين يسلمون وجوههم لله تعالى، ويخلصون للحق من غير مراء ولا جدال.
وهنا إشارات بيانية نشير إليها، فإنها تبين معاني التنزيل:
الإشارة الأولى: قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102من ربك أي: من الخالق البارئ الذي رباك وربى الوجود كله، وهو الحي القيوم.
الإشارة الثانية: في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102بالحق أي: متلبسا بالحق، فهو الحق، وما جاء به هو الحق من عند الله، وكان في ذاته لا يمكن أن تتمادى فيه العقول المستقيمة، فهو في ذاته حق، كما هو في ذاته هداية.
الإشارة الثالثة: الإشارة إلى أنه نازل من عند الله تعالى، ونزل به أمين طهور صادق.
ولقد راعهم ما اشتمل عليه من قصص صادق للنبيين، وعظات مرشدة هادية، وتوجيه إلى الكون، وما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق ونهيه عن ملائم الضلال، وأمره بالوفاء بالعهد، وغير ذلك.
راعهم ذلك، وبدل أن يذعنوا للحق إذ جاءهم ماروا فيه، فإن المبطل المماري لا تزيده الحجة إلا عنتا وإمعانا في الضلال؛ لذلك كذبوا وافتروا، وادعوا أمرا غير معقول، فزادوا بعدا عن الحق، وزادوا ضلالا؛ ولذا قال عنهم، إذ رأوا القرآن واسترعاهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر
تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا، ولكن لم يقولوا إنه من عند الله، بل بالغوا في الكذب، وأوغلوا في الكفر، ولقد أكد الله تعالى قولهم هذا؛ لأن غرابته تسوغ تكذيبه بادئ ذي بدء، ولذا أكد علمه سبحانه بـ (اللام) وبـ (قد) ، وتأكيدا للمعلوم، والتأكيد حيث مظنة عدم التصديق.
[ ص: 4273 ] و (بشر) ، أي: لم يجئ من عند الله، فلم يعلمه الله تعالى إياه، ولكن الذي علمه بشر، وعينوا ذلك البشر إنه رجل رومي كان غلاما لبعض العرب، وقيل رجلان كانا يصنعان السيوف بمكة، ويقرءان الإنجيل والتوراة، وقيل غيرهما من أسماء سماها بعض المفسرين.
وقد رد الله تعالى قولهم بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين و
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103يلحدون أي يشيرون إليه مائلين بكلام مضطرب نحوه، والمعنى: لسان هذا الرجل أعجمي فكيف يأخذ منه النبي - صلى الله عليه وسلم - علما؟! وإذا كان يأخذ منه علما، فكيف يمكن أن يكون هذا الكلام المبين، أي البين في ذاته، والذي أعجزكم ببيانه حتى إنكم تقولونه فيه، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق.
إن دليلكم يلتوي عليكم بمقدار نتائجه، فلا يجديكم شيئا أي شيء.
[ ص: 4271 ] الْوَجْهُ الثَّالِثُ - قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ:
nindex.php?page=treesubj&link=29786_30549_32264_32450_34195_34199_28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، وَالْآيَاتُ الْمَكِّيَّةُ تَتَّجِهُ نَحْوَ التَّوْحِيدِ وَإِثْبَاتِ الْخَالِقِ، وَأَحْكَامُهَا قَلِيلَةٌ، وَالتَّجْرِبَةُ فِيهَا قَلِيلَةٌ.
لِهَذَا كُلِّهِ سَمَحْنَا لِأَنْفُسِنَا بِأَنْ نُخَالِفَ كَثْرَةَ الْمُفَسِّرِينَ، وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَجْرٌ فِيمَا اجْتَهَدُوا، وَهُوَ أَجْرٌ وَاحِدٌ.
وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى افْتِرَاءَهُمْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ لَهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102قُلْ نَـزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَمْرِ مِنْ رَبِّهِ، وَالضَّمِيرُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102نَـزَّلَهُ لِلْقُرْآنِ الْمَذْكُورِ آنِفًا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=98فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102نَـزَّلَهُ مَصْدَرُهُ التَّنْزِيلُ، وَهُوَ الْإِنْزَالُ الْمُتَدَرِّجُ عَلَى حَسَبِ الْمُنَاسَبَاتِ، وَلِيَتَمَكَّنَ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَهُمْ أُمِّيُّونَ، لَا يَسْتَطِيعُونَ الْكِتَابَةَ الطَّوِيلَةَ، وَلِيَحْفَظُوهُ فَيُسَجَّلَ فِي الصُّدُورِ بَدَلَ السُّطُورِ فَيَصْعُبَ، بَلْ لَا يُمْكِنُ تَحْرِيفُهُ، وَقَدْ تَوَاتَرَ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102رُوحُ الْقُدُسِ وَهُوَ الرُّوحُ الطَّاهِرُ، وَهُوَ
جِبْرِيلُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ، كَقَوْلِهِمْ: حَاتِمُ الْجُودِ، وَعَلِيُّ الْبَيَانِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَهَذَا مُبَالَغَةٌ مِنَ اللَّهِ فِي وَصْفِهِ بِالطُّهْرِ وَالصِّدْقِ، وَأَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ صَادِقٌ أَمِينٌ وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ بِالْقُرْآنِ عَلَى قَلْبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=193نَـزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=194عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ غَايَةَ نُزُولِهِ أَنْ يَزِيدَ الَّذِينَ آمَنُوا تَثْبِيتًا عَلَى الْحَقِّ، وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا التَّثْبِيتُ زِيَادَةُ مَا يَكُونُ ثَابِتًا قُوَّةً وَثَبَاتًا، (الَّذِينَ آمَنُوا) الَّذِينَ يُدْرِكُونَ الْحَقَّ بِمَدَارِكِهِمِ الْفِطْرِيَّةِ، وَيَتَّجِهُونَ إِلَيْهِ اتِّجَاهًا مُسْتَقِيمًا،، فَيُدْرِكُونَهُ بِمَوَاهِبِهِمْ، وَالشَّرَائِعُ السَّمَاوِيَّةِ تُثَبِّتُ الْحَقَّ فِي قُلُوبِهِمْ،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102وَهُدًى وَبُشْرَى أَيْ أَنَّهُ ذَاتُهُ هُدًى، وَهَذَا
[ ص: 4272 ] تَأْكِيدٌ لِمَعْنَى أَنَّهُ يَهْدِي، فَهُوَ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ، وَكَأَنَّهُ الْهِدَايَةُ ذَاتُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ أَيْ: هُوَ بُشْرَى لِلَّذِينِ يُسْلِمُونَ وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَخْلِصُونَ لِلْحَقِّ مِنْ غَيْرِ مُرَاءٍ وَلَا جِدَالٍ.
وَهُنَا إِشَارَاتٌ بَيَانِيَّةٌ نُشِيرُ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا تُبَيِّنُ مَعَانِيَ التَّنْزِيلِ:
الْإِشَارَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102مِنْ رَبِّكَ أَيْ: مِنَ الْخَالِقِ الْبَارِئِ الَّذِي رَبَّاكَ وَرَبَّى الْوُجُودَ كُلَّهُ، وَهُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ.
الْإِشَارَةُ الثَّانِيَةُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=102بِالْحَقِّ أَيْ: مُتَلَبِّسًا بِالْحَقِّ، فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَا جَاءَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَكَانَ فِي ذَاتِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَمَادَى فِيهِ الْعُقُولُ الْمُسْتَقِيمَةُ، فَهُوَ فِي ذَاتِهِ حَقٌّ، كَمَا هُوَ فِي ذَاتِهِ هِدَايَةٌ.
الْإِشَارَةُ الثَّالِثَةُ: الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ نَازِلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَزَلَ بِهِ أَمِينٌ طَهُورٌ صَادِقٌ.
وَلَقَدْ رَاعَهُمْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ قَصَصٍ صَادِقٍ لِلنَّبِيِّينَ، وَعِظَاتٍ مُرْشِدَةٍ هَادِيَةٍ، وَتَوْجِيهٍ إِلَى الْكَوْنِ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَنَهْيِهِ عَنْ مَلَائِمِ الضَّلَالِ، وَأَمْرِهِ بِالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
رَاعَهُمْ ذَلِكَ، وَبَدَلَ أَنْ يُذْعِنُوا لِلْحَقِّ إِذْ جَاءَهُمْ مَارَوْا فِيهِ، فَإِنَّ الْمُبْطِلَ الْمُمَارِيَ لَا تَزِيدُهُ الْحُجَّةُ إِلَّا عَنَتًا وَإِمْعَانًا فِي الضَّلَالِ؛ لِذَلِكَ كَذَّبُوا وَافْتَرَوْا، وَادَّعَوْا أَمْرًا غَيْرَ مَعْقُولٍ، فَزَادُوا بُعْدًا عَنِ الْحَقِّ، وَزَادُوا ضَلَالًا؛ وَلِذَا قَالَ عَنْهُمْ، إِذْ رَأَوُا الْقُرْآنَ وَاسْتَرْعَاهُمْ.
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ
تَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ فَعَجَزُوا، وَلَكِنْ لَمْ يَقُولُوا إِنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بَلْ بَالَغُوا فِي الْكَذِبِ، وَأَوْغَلُوا فِي الْكُفْرِ، وَلَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُمْ هَذَا؛ لِأَنَّ غَرَابَتَهُ تُسَوِّغُ تَكْذِيبَهُ بَادِئَ ذِي بِدْءٍ، وَلِذَا أَكَّدَ عِلْمَهُ سُبْحَانَهُ بِـ (اللَّامِ) وَبِـ (قَدْ) ، وَتَأْكِيدًا لِلْمَعْلُومِ، وَالتَّأْكِيدُ حَيْثُ مَظِنَّةُ عَدَمِ التَّصْدِيقِ.
[ ص: 4273 ] وَ (بَشَرٌ) ، أَيْ: لَمْ يَجِئْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَلَمْ يُعَلِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهُ، وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَّمَهُ بَشَرٌ، وَعَيَّنُوا ذَلِكَ الْبَشَرَ إِنَّهُ رَجُلٌ رُومِيٌّ كَانَ غُلَامًا لِبَعْضِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ رَجُلَانِ كَانَا يَصْنَعَانِ السُّيُوفَ بِمَكَّةَ، وَيَقْرَءَانِ الْإِنْجِيلَ وَالتَّوْرَاةَ، وَقِيلَ غَيْرُهُمَا مِنْ أَسْمَاءٍ سَمَّاهَا بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ.
وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103يُلْحِدُونَ أَيْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ مَائِلِينَ بِكَلَامٍ مُضْطَرِبٍ نَحْوَهُ، وَالْمَعْنَى: لِسَانُ هَذَا الرَّجُلِ أَعْجَمِيٌّ فَكَيْفَ يَأْخُذُ مِنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِلْمًا؟! وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ عِلْمًا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكَلَامُ الْمُبِينُ، أَيِ الْبَيِّنُ فِي ذَاتِهِ، وَالَّذِي أَعْجَزَكُمْ بِبَيَانِهِ حَتَّى إِنَّكُمْ تَقُولُونَهُ فِيهِ، إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لِطَلَاوَةً، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لِمُثْمِرٌ وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لِمُغْدِقٌ.
إِنَّ دَلِيلَكُمْ يَلْتَوِي عَلَيْكُمْ بِمِقْدَارِ نَتَائِجِهِ، فَلَا يُجْدِيكُمْ شَيْئًا أَيَّ شَيْءٍ.