الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1854 - مسألة : وعلى الزوج كسوة الزوجة - مذ يعقد النكاح - ونفقتها ، وما تتوطاه وتتغطاه وتفترشه ، وإسكانها كذلك أيضا - صغيرة أو كبيرة - ذات أب أو [ ص: 113 ] يتيمة - غنية أو فقيرة - دعي إلى البناء أو لم يدع نشزت أو لم تنشز - حرة كانت أو أمة - بوئت معه بيتا أو لم تبوأ .

                                                                                                                                                                                          برهان ذلك - : ما رويناه من طريق أبي داود نا موسى بن إسماعيل نا حماد بن سلمة نا أبو قزعة الباهلي " عن حكيم بن معاوية القشيري قال { قلت : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ، ولا تقبح ، ولا تهجر إلا في البيت } .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أبو قزعة هذا - هو سويد بن حجير - ثقة ، روى عنه شعبة ، وابن جريج ، وحماد بن سلمة ، وابنه قزعة ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا الحجاج نا إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - عن حاتم بن إسماعيل عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جابر بن عبد الله { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في عرفة يوم عرفة : فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف } .

                                                                                                                                                                                          فعم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل النساء ولم يخص ناشزا من غيرها ، ولا صغيرة ولا كبيرة ، ولا أمة مبوأة بيتا من غيرها { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } { وما كان ربك نسيا } .

                                                                                                                                                                                          نا يونس بن عبد الله نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن نا أحمد بن خالد نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا يحيى بن سعيد القطان نا عبيد الله بن عمر أخبرني نافع عن ابن عمر قال : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد : أن انظروا إلى [ ص: 114 ] من طالت غيبته أن يبعثوا بنفقة أو يرجعوا - وذكر باقي الخبر ، فلم يستثن عمر امرأة من امرأة - : نا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عون الله نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني نا محمد بن بشار نا محمد بن جعفر غندر نا شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة عن امرأة خرجت من بيت زوجها غاضبة هل لها نفقة ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وروينا عن نحو خمسة من التابعين : لا نفقة لناشز - وهذا قول خطأ ما نعلم لقائله حجة .

                                                                                                                                                                                          فإن قيل : إن النفقة بإزاء الجماع ، والطاعة ؟ قلنا : لا ، بل هذا القول كذب ، وأول من يبطله أنتم ، أما الحنفيون ، والشافعيون فيوجبون النفقة على الزوج الصغير على الكبيرة ، ولا جماع هنالك ولا طاعة .

                                                                                                                                                                                          والحنفيون ، والمالكيون ، والشافعيون : يوجبون النفقة على " المجبوب والعنين " ولا خلاف في وجوب النفقة على المريضة التي لا يمكن جماعها ، وقد بين الله عز وجل ما على الناشز فقال : { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا } .

                                                                                                                                                                                          فأخبر عز وجل أنه ليس على الناشز إلا الهجر والضرب ، ولم يسقط عز وجل نفقتها ولا كسوتها - فعاقبتموهن أنتم بمنعها حقها ، وهذا شرع في الدين لم يأذن به الله ، فهو باطل .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : إنها ظالمة بنشوزها ؟ قلنا : نعم ، وليس كل ظالم يحل منعه من ماله إلا أن يأتي بذلك نص ، وإلا فليس هو حكم الله ; هذا حكم الشيطان ، وظلمة العمال والشرط .

                                                                                                                                                                                          والعجب كله أنهم لا يسقطون قرضا أقرضته إياه من أجل نشوزها ؟ فما ذنب نفقتها تسقط دون سائر حقوقها إن هذا لعجب عجيب ؟

                                                                                                                                                                                          وقال بوجوب النفقة على الصغيرة : سفيان الثوري ، وأبو سليمان ، وأصحابنا .

                                                                                                                                                                                          وما نعلم لمن أسقطها حجة أصلا ، فهو باطل بلا شك ، قال الله عز وجل : { قل [ ص: 115 ] هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فصح أن من لا برهان له على صحة قوله فقوله باطل .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا نفقة على الزوج إلا حتى يدعى إلى البناء .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : هذا الحكم دعوى مجردة لا برهان على صحتها ، لا من قرآن ، ولا من سنة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس ، ولا رأي صحيح .

                                                                                                                                                                                          وقد بينا أن السنة الثابتة جاءت بخلافه فهو ساقط - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية