الآفة الخامسة : الخصومة :
وهي أيضا مذمومة ، وهي وراء الجدال والمراء ، وحقيقتها لجاج في الكلام ليستوفى به مال أو حق مقصود ، وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004498إن nindex.php?page=treesubj&link=19165_19166_19168_19174أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم " . ولا تكون الخصومة مذمومة إلا إن كانت بالباطل أو بغير علم ، كالذي يدافع قبل أن يعلم الحق في أي جانب ، أو يمزج بخصومته كلمات مؤذية لا حاجة لها في نصرة الحجة وإظهار الحق ، أو يحمله على الخصومة محض العناد ؛ لقهر الخصم وكسره ، مع أنه قد يستحقر ذلك القدر من المال . وفي
[ ص: 190 ] الناس من يصرح به ويقول : " إنما قصدي عناده وكسر غرضه ، وإني إن أخذت منه هذا المال ربما رميت به في بئر ولا أبالي " وهذا مقصوده اللدد والخصومة واللجاج ، وهو مذموم جدا . فأما المظلوم الذي ينصر حجته بطريق الشرع من غير لدد وإسراف وزيادة لجاج على قدر الحاجة ، ومن غير قصد عناد وإيذاء - ففعله ليس بحرام ، ولكن الأولى تركه ما وجد إليه سبيلا ، فإن ضبط اللسان في الخصومة على قدر الاعتدال متعذر ، والخصومة توغر الصدر ، وتهيج الغضب ، وإذا هاج نسي المتنازع فيه وبقي الحقد بين المتخاصمين ، حتى يفرح كل واحد بمساءة صاحبه ويحزن بمسرته ، ويطلق اللسان في عرضه ، فمن بدأ بالخصومة فقد تعرض لهذه المحذورات ، وأقل ما فيه تشويش خاطره ، حتى إنه في صلاته يشتغل بمحاجة خصمه ، فلا يبقى الأمر على حد الواجب ، فالخصومة مبدأ كل شر وكذا المراء والجدال ، فينبغي أن لا يفتح بابه إلا لضرورة ، وعند الضرورة ينبغي أن يحفظ اللسان والقلب عن تبعات الخصومة ، وذلك متعذر جدا . نعم أقل ما يفوته في الخصومة والمراء والجدال طيب الكلام ، وقد قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وقولوا للناس حسنا ) [ البقرة : 83 ] ، وقال "
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " رضي الله عنهما : " من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه السلام وإن كان مجوسيا ؛ إن الله تعالى يقول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) [ النساء : 86 ] وقال "
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس " أيضا : " لو قال لي فرعون خيرا لرددت عليه " ، وفي الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004499الكلمة الطيبة صدقة " ، وقال "
عمر " رضي الله عنه : " البر شيء هين ، وجه طليق ، وكلام لين " . وقال بعض الحكماء : " الكلام اللين يغسل الضغائن المستكنة في الجوارح " ، وقال آخر : " كل كلام لا يسخط ربك إلا أنك ترضي به جليسك ، فلا تكن به عليه بخيلا ، فلعله يعوضك منه ثواب المحسنين " .
الْآفَةُ الْخَامِسَةُ : الْخُصُومَةُ :
وَهِيَ أَيْضًا مَذْمُومَةٌ ، وَهِيَ وَرَاءَ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ ، وَحَقِيقَتُهَا لَجَاجٌ فِي الْكَلَامِ لِيُسْتَوْفَى بِهِ مَالٌ أَوْ حَقٌّ مَقْصُودٌ ، وَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004498إِنَّ nindex.php?page=treesubj&link=19165_19166_19168_19174أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ " . وَلَا تَكُونُ الْخُصُومَةُ مَذْمُومَةً إِلَّا إِنْ كَانَتْ بِالْبَاطِلِ أَوْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، كَالَّذِي يُدَافِعُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ الْحَقَّ فِي أَيِّ جَانِبٍ ، أَوْ يَمْزُجُ بِخُصُومَتِهِ كَلِمَاتٍ مُؤْذِيَةً لَا حَاجَةَ لَهَا فِي نُصْرَةِ الْحُجَّةِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ ، أَوْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْخُصُومَةِ مَحْضُ الْعِنَادِ ؛ لِقَهْرِ الْخَصْمِ وَكَسْرِهِ ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَسْتَحْقِرُ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنَ الْمَالِ . وَفِي
[ ص: 190 ] النَّاسِ مَنْ يُصَرِّحُ بِهِ وَيَقُولُ : " إِنَّمَا قَصْدِي عِنَادُهُ وَكَسْرُ غَرَضِهِ ، وَإِنِّي إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُ هَذَا الْمَالَ رُبَّمَا رِمَيْتُ بِهِ فِي بِئْرٍ وَلَا أُبَالِي " وَهَذَا مَقْصُودُهُ اللَّدَدُ وَالْخُصُومَةُ وَاللَّجَاجُ ، وَهُوَ مَذْمُومٌ جِدًّا . فَأَمَّا الْمَظْلُومُ الَّذِي يَنْصُرُ حُجَّتَهُ بِطَرِيقِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ لَدَدٍ وَإِسْرَافٍ وَزِيَادَةِ لَجَاجٍ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ، وَمِنْ غَيْرِ قَصْدِ عِنَادٍ وَإِيذَاءٍ - فَفِعْلُهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ ، وَلَكِنِ الْأَوْلَى تَرْكُهُ مَا وَجَدَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، فَإِنَّ ضَبْطَ اللِّسَانِ فِي الْخُصُومَةِ عَلَى قَدْرِ الِاعْتِدَالِ مُتَعَذِّرٌ ، وَالْخُصُومَةُ تُوغِرُ الصَّدْرَ ، وَتُهَيِّجُ الْغَضَبَ ، وَإِذَا هَاجَ نُسِيَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ وَبَقِيَ الْحِقْدُ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ ، حَتَّى يَفْرَحَ كُلُّ وَاحِدٍ بِمَسَاءَةِ صَاحِبِهِ وَيَحْزَنَ بِمَسَرَّتِهِ ، وَيُطْلِقَ اللِّسَانَ فِي عِرْضِهِ ، فَمَنْ بَدَأَ بِالْخُصُومَةِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَحْذُورَاتِ ، وَأَقَلُّ مَا فِيهِ تَشْوِيشُ خَاطِرِهِ ، حَتَّى إِنَّهُ فِي صَلَاتِهِ يَشْتَغِلُ بِمُحَاجَّةِ خَصْمِهِ ، فَلَا يَبْقَى الْأَمْرُ عَلَى حَدِّ الْوَاجِبِ ، فَالْخُصُومَةُ مَبْدَأُ كُلِّ شَرٍّ وَكَذَا الْمِرَاءُ وَالْجِدَالُ ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْتَحَ بَابَهُ إِلَّا لِضَرُورَةٍ ، وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْفَظَ اللِّسَانَ وَالْقَلْبَ عَنْ تَبِعَاتِ الْخُصُومَةِ ، وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ جِدًّا . نَعَمْ أَقَلُّ مَا يَفُوتُهُ فِي الْخُصُومَةِ وَالْمِرَاءِ وَالْجِدَالِ طَيِّبُ الْكَلَامِ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) [ الْبَقَرَةِ : 83 ] ، وَقَالَ "
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا ؛ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=86وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ) [ النِّسَاءِ : 86 ] وَقَالَ "
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ " أَيْضًا : " لَوْ قَالَ لِي فِرْعَوْنُ خَيْرًا لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ " ، وَفِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004499الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ " ، وَقَالَ "
عمر " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " الْبِرُّ شَيْءٌ هَيِّنٌ ، وَجْهٌ طَلِيقٌ ، وَكَلَامٌ لَيِّنٌ " . وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : " الْكَلَامُ اللَّيِّنُ يَغْسِلُ الضَّغَائِنَ الْمُسْتَكِنَّةَ فِي الْجَوَارِحِ " ، وَقَالَ آخَرُ : " كُلُّ كَلَامٍ لَا يُسْخِطُ رَبَّكَ إِلَّا أَنَّكَ تُرْضِي بِهِ جَلِيسَكَ ، فَلَا تَكُنْ بِهِ عَلَيْهِ بَخِيلًا ، فَلَعَلَّهُ يُعَوِّضُكَ مِنْهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ " .