الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ذكر الأهل هنا مقابل لذكر الأزواج في قوله : إلى ما متعنا به أزواجا منهم فإن من أهل الرجل أزواجه ، أي متعتك ومتعة أهلك الصلاة ، فلا تلفتوا إلى زخارف الدنيا . وأهل الرجل يكونون أمثل من ينتمون إليه .

ومن آثار العمل بهذه الآية في السنة ما في صحيح البخاري : أن فاطمة - رضي الله عنها - بلغها أن سبيا جيء به إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فأتت تشتكي إليه ما تلقى من الرحى تسأله خادما من السبي فلم تجده . فأخبرت عائشة بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءها النبيء - صلى الله عليه وسلم - وقد أخذت وعلي مضجعهما ، فجلس في جانب الفراش وقال لها ولعلي : ألا أخبركما بخير لكما مما سألتما : تسبحان وتحمدان وتكبران دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ، فذلك خير لكما من خادم . وأمر الله رسوله بما هو أعظم مما يأمر به أهله وهو أن يصطبر على الصلاة . والاصطبار : الانحباس ، مطاوع صبره : إذا حبسه ، وهو مستعمل مجازا في إكثاره من الصلاة في النوافل . قال تعالى : يا أيها [ ص: 343 ] المزمل قم الليل إلا قليلا الآيات ، وقال : ومن الليل فتهجد به نافلة لك . وجملة " لا نسألك رزقا " معترضة بين التي قبلها وبين جملة " نحن نرزقك " جعلت تمهيدا لهاته الأخيرة .

والسؤال : الطلب التكليفي ، أي ما كلفناك إلا بالعبادة ؛ لأن العبادة شكر الله على ما تفضل به على الخلق ، ولا يطلب الله منهم جزاء آخر . وهذا إبطال لما تعوده الناس من دفع الجبايات والخراج للملوك وقادة القبائل والجيوش . وفي هذا المعنى قوله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ، فجملة " نحن نرزقك " مبينة لجملة ورزق ربك خير وأبقى . والمعنى : أن رزق ربك خير وهو مسوق إليك . والمقصود من هذا الخطاب ابتداء هو النبيء - صلى الله عليه وسلم - ويشمل أهله والمؤمنين ؛ لأن المعلل به هذه الجملة مشترك في حكمه جميع المسلمين . وجملة " والعاقبة للتقوى " عطف على جملة " لا نسألك رزقا " المعلل بها أمره بالاصطبار للصلاة ، أي إنا سألناك التقوى والعاقبة . وحقيقة العاقبة : أنها كل ما يعقب أمرا ويقع في آخره من خير وشر ، إلا أنها غلب استعمالها في أمور الخير . فالمعنى : أن التقوى تجيء في نهايتها عواقب خير . واللام للملك تحقيقا لإرادة الخير من العاقبة ؛ لأن شأن لام الملك أن تدل على نوال الأمر المرغوب ، وإنما يطرد ذلك في عاقبة خير الآخرة . وقد تكون العاقبة في خير الدنيا أيضا للتقوى .

[ ص: 344 ] وهذه الجملة تذييل لما فيها من معنى العموم . أي لا تكون العاقبة إلا للتقوى . فهذه الجملة أرسلت مجرى المثل .

التالي السابق


الخدمات العلمية