الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          وأكثر النفاس أربعون يوما ، ولا حد لأقله ، أي وقت رأت الطهر ، فهي طاهر ، تغتسل وتصلي . ويستحب أن لا يقربها في الفرج حتى تتم الأربعين ، وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ، ثم عاد فيها فهو نفاس ، وعنه : أنه مشكوك فيه ، تصوم وتصلي ، وتقضي الصوم المفروض ، وإن ولدت توأمين ، فأول النفاس من الأول ، وآخره منه ، وعنه : أنه من الأخير ، والأول أصح .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وأكثر النفاس ) وهو دم يرخيه الرحم للولادة ، وبعدها إلى مدة معلومة ، وهو بقية الدم الذي احتبس في مدة الحمل لأجله ، وأصله لغة من التنفيس ، وهو الخروج من الجوف ، أو نفس الله كربته أي : فرجها ( أربعون يوما ) هذا هو المذهب ، والمختار للأصحاب ، لما روت مسة الأزدية عن أم سلمة قالت : كانت النفساء تجلس على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أربعين يوما ، وكنا نطلي وجوهنا بالورس من الكلف رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وقال : لا نعرفه إلا من حديث مسة ، وإسناده إليها حسن ، وقال الخطابي : أثنى البخاري على هذا [ ص: 294 ] الحديث ، ومعناه كانت تؤمر أن تجلس ، وإلا كان الخبر كذبا مع أنه إجماع سابق أو كالإجماع ، وقد حكاه إمامنا عن عمر ، وعلي ، وابن عباس ، وأنس ، وعثمان بن أبي العاص ، وعائذ بن عمرو ، وأم سلمة ، ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم ، ومن ثم قال الطحاوي : لم يقل بالستين أحد من الصحابة ، وإنما قاله من بعدهم ، وقال أبو عبيد : وعلى هذا جماعة الناس ، وقال إسحاق : هو السنة المجمع عليها ، وعنه : أكثره ستون اتباعا للوجود .

                                                                                                                          وأول مدته من الوضع ، لا أن تراه قبل ذلك بيومين أو ثلاثة فإنه نفاس ، ولا يحسب من المدة ، وإن خرج بعضه ، فالدم قبل انفصاله نفاس ، ولا يحسب من المدة على الأصح ، ويثبت حكمه بوضع شيء فيه خلق الإنسان على الأشهر ، فعلى المذهب إن جاوز الدم الأكثر ، وصادف عادة حيضها ، ولم يجاوز أكثره ، فحيض ، وإلا فاستحاضة إن لم يتكرر ، ولا يدخل حيض ، واستحاضة في مدة نفاس .

                                                                                                                          ( ولا حد لأقله ) لأنه لم يرد في الشرع تحديده ، فيرجع فيه إلى الوجود ، وقد وجد قليلا عقب سببه ، فكان نفاسا كالكثير ، وعنه : أقله يوم ، وقال أبو الخطاب : قطرة ، وقدم في " التلخيص " لحظة ( أي : وقت رأت الطهر ، فهي طاهر ) لانقطاع دم النفاس ، كما لو انقطع دم الحائض في عادتها ، يؤيده ما روت أم سلمة أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - : كم تجلس المرأة إذا ولدت ، قال : أربعين يوما ، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك .

                                                                                                                          قال الترمذي : أجمع أهل العلم من الصحابة ، ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما ، إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ، وحكى البخاري في تاريخه : أن امرأة ولدت بمكة ، فلم تر دما ، فلقيت عائشة فقالت : أنت امرأة طهرك الله . انتهى . فعلى هذا لو ولدت ، ولم [ ص: 295 ] تر دما فهي طاهرة لا نفاس لها ، صرح به في " المغني " وغيره ، لأن النفاس هو الدم ، ولم يوجد . ( تغتسل ، وتصلي ) لقول علي : لا يحل للنفساء إذا رأت الطهر إلا أن تصلي ، ولأنه حكم بانقضاء نفاسها ، وذلك معلق على مطلق الطهر ، لكن قال في " الشرح " : إذا كان أقل من ساعة ينبغي أن لا تلتفت إليه ، وإن كان أكثر من ذلك ، فظاهره أنها تغتسل ، وتصلي .

                                                                                                                          ( ويستحب أن لا يقربها في الفرج ) بعد طهرها ، وتطهرها ( حتى تتم الأربعين ) قال أحمد : ما ينبغي أن يأتيها زوجها على حديث عثمان بن أبي العاص ، ولأنه لا يأمن عود الدم في زمن الوطء ، فيكون واطئا في نفاس ، وفي كراهته روايتان ، أصحهما الكراهة ، لما روى ابن شاهين من حديث معاذ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في النفساء : لا يأتيها زوجها إلا بعد الأربعين قال ابن شهاب العكبري : واحتج أحمد بأنه إجماع الصحابة ، وعنه : لا ، لأنه حكم بطهارتها ، وظاهر أنه لا يحرم ، وهو الصحيح ، لأن المانع منه الدم ، ولا دم ، وعنه : يحرم ذكرها في " المجرد " لظاهر قول الصحابة ، وقيل : مع عدم العنت ، وفرق القاضي بينه وبين دم المبتدأة إذا انقطع بأن تحريم النفاس آكد ، لأن أكثره أكثر من أكثر الحيض ، فجاز أن يلحقه التغليظ في الامتناع من الوطء ، وفيه نظر ، وظاهره أنه يقربها في غير الفرج ، وهو كذلك كالحائض .

                                                                                                                          ( وإذا انقطع دمها في مدة الأربعين ) فالنقاء طهر على الأصح ( ثم عاد فيها فهو ) أي : العائد ( نفاس ) قدمه في " الكافي " و " المحرر " وابن تميم ، وجزم به في " الوجيز " لأنه في مدته أشبه الأول : ( وعنه : أنه مشكوك فيه ) قال في " المغني " : [ ص: 296 ] هي المشهورة نقلها عنه الأثرم ، وقدمها في " الفروع " وذكر أنه نقلها ، واختارها الأكثر ، كما لو لم تره ، ثم رأته في المدة في الأصح ( تصوم ، وتصلي ) أي : تتعبد ، لأنها واجبة في ذمتها بيقين ، وسقوطها بهذا الدم مشكوك فيه ، وفي غسلها لكل صلاة روايتان .

                                                                                                                          ( وتقضي الصوم المفروض ) ونحوه احتياطا ولوجوبه يقينا ، لا يقال : إنها لا تقضي الصوم قياسا على الناسية إذا صامت في الدم الزائد على الست والسبع ، لأن غالب حيض النساء كذلك ، وما زاد عليه نادر ، والغالب من النفاس ، وما نقص نادر ، والحيض يتكرر ، فيشق القضاء بخلاف النفاس ، وعنه : تقضي الصوم مع عوده بخلاف الطواف ، اختاره الخلال ، وظاهره أنه لا يأتيها زوجها فيه ، وصرح به في " المغني " وغيره ، وقال ابن تميم وغيره : وعلى الأولى في وجوب قضاء ما صامته فيه ، أو طافته أو سعته ، أو اعتكفت الطهر بينهما من واجب ، روايتان .

                                                                                                                          فرع : حكم النفاس كالحيض ، وفي وطئها ما في وطء حائض ، نقله حرب ، وقاله جمع ، وقيل : تقرأ ، ونقل ابن ثواب : تقرأ إذا انقطع الدم ، اختاره الخلال .

                                                                                                                          ( وإن ولدت توأمين ) أي : ولدين في بطن واحد ( فأول النفاس من الأول ، وآخره منه ) أي : من الأول في ظاهر المذهب ، لأنه دم خرج عقيب الولادة فكان نفاسا ، كحمل واحد ، ووضعه . فعلى هذا متى انقضت الأربعون من حين وضع الأول فلا نفاس للثاني ، نص عليه ، وقيل : تبدؤه بنفاس ، اختاره أبو [ ص: 297 ] المعالي ، والأزجي ، وقال : لا يختلف المذهب فيه ، وعنه : أوله ، وآخره من الثاني حسب ، ذكرها أبو الخطاب ، وأبو الحسين ، لأن مدة النفاس متعلق بالولادة ، فكان ابتداؤها وانتهاؤها من الثاني كمدة العدة ، فعلى هذا ما تراه قبل وضع الثاني لا يكون نفاسا ، ذكره في " الشرح " وقال غيره : ما تراه قبله بيومين أو ثلاثة فهو نفاس ، وما زاد ففساد ( وعنه : أنه من الأخير ) يعني أن أوله من الأول ، وآخره من الأخير ، ذكره الشريف ، والقاضي ، وأبو الخطاب في " رءوس المسائل " ، لأن الثاني ولد ، فلا تنقضي مدة النفاس قبل انتهائها منه كالمنفرد ، فعلى هذا متى زادت المدة على الأربعين من الأول فهما نفاسان ، قدمه في " الرعاية " واختاره في " التلخيص " وعنه : واحد ، وذكر القاضي أنه منهما رواية واحدة ، وإنما الروايتان في وقت الابتداء هل هو عقيب انفصال الأول أو الثاني ؛ قال في " المغني " : وهذا ظاهره إنكار لرواية من روى أن آخره من الأول ( والأول : أصح ) قاله الأصحاب ، لأن الولد الثاني تبع للأول ، فلم يعتبر في آخر النفاس كأوله .




                                                                                                                          الخدمات العلمية