الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وصح خيار الشرط لها لا له ) لما قدمنا أنه معاوضة من جهتها ، ويمين من جهته ، ولذا صح رجوعها قبل القبول ، ولا تصح إضافتها ، وتعليقها بالشرط ، ولا يتوقف على ما وراء المجلس ، وانعكست الأحكام من جانبه ، وهما منعاه من جانبها أيضا نظرا إلى جانب اليمين ، والحق ما قاله الإمام رضي الله تعالى عنه أطلقه فشمل الخلع والطلاق على مال ، ويتفرع على هذا الأصل مسائل منها ما لو قال أنت طالق على ألف على أني بالخيار ثلاثة أيام فقبلت بطل الخيار ، ووقع الطلاق ، ومنها ما لو قال أنت طالق على ألف على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت إن ردت الطلاق في الأيام الثلاثة بطل الطلاق ، وإن اختارت الطلاق في الأيام الثلاثة وقع ، ووجب الألف له ، وعندهما الطلاق واقع في الوجهين ، والمال لازم عليها ، والخيار باطل في الوجهين كذا في الكافي ، وغيره ، وفي فتاوى قاضي خان من باب الإكراه لو قال لامرأته أنت طالق على ألف على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت يقع الطلاق ، ولها الخيار في قول أبي حنيفة . ا هـ .

                                                                                        وهو مشكل ، والظاهر أنه سبق قلم فإن الطلاق لا يقع قبل إسقاط الخيار إما بالرضا أو بمضي المدة لا أنه وقع ثم يرتفع بالفسخ بالخيار ، ولذا قال في البدائع إن أبا يوسف ومحمدا يقولان في مسألة الخيار إن الخيار إنما شرع للفسخ ، والخلع لا يحتمل الفسخ ، وجواب أبي حنيفة عن هذا أن محل الخيار في منع انعقاد العقد في حق الحكم على أصل أصحابنا فلم يكن العقد منعقدا في حق الحكم للحال بل موقوف إلى وقت سقوط الخيار فحينئذ يعمل على ما عرف في البيوع ا هـ .

                                                                                        فإن قلت هل يصح اشتراط الخيار لها بعد الخلع قلت لم أره صريحا ، ومقتضى جعله كالبيع أن يصح لأن شرط الخيار اللاحق بعد البيع كالمقارن مع أن فيه إشكالا لأن الطلاق وقع حيث كان بلا شرط فكيف يرتفع بعد وقوعه ، وأطلق في المدة فشمل اشتراطه لها أكثر من ثلاثة عنده ، والفرق للإمام بينه وبين البيع أن اشتراطه في البيع على خلاف القياس لأنه من التمليكات فيقتصر على مورد النص ، وفي الخلع على وفقه لأنه من الإسقاطات ، والمال وإن كان مقصودا فيه بالنظر إلى العاقد لكنه تابع في الثبوت في الطلاق الذي هو مقصود العقد كما أن الثمن تابع في البيع ، وبالنظر إلى المقصود يلزم أن لا يتقدر بالثلاث كذا في الكشف من آخر بحث الهزل فعلى هذا إذا قدرا وقتا ، ومضى بطل الخيار سواء كان ثلاثة أو أكثر ، ووقع الطلاق ، ولزم المال ، وإذا أطلقا ينبغي أن يكون لها الخيار في مجلسها [ ص: 93 ] فقط فإن قامت منه بطل استنباطا مما إذا أطلقا في البيع لما أن له شبه البيع ، وذكر الشارح أن جانب العبد في العتاق مثل جانب المرأة في الطلاق حتى صح اشتراط الخيار له دون المولى ثم اعلم أنهم نقلوا هنا أنه لا يصح تعليقها للخلع لكونه معاوضة من جهتها ، وقد ذكر الحاكم في الكافي أنها لو قالت إن طلقتني ثلاثا فلك علي ألف درهم فإن قبل في المجلس فله الألف .

                                                                                        وإن قبل بعده فلا شيء له ، وعزاه إليه في فتح القدير ، ولم يتعقبه مع أنه تعليق منها له بصريح الشرط ، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين أن يعلق القبول أو الإيجاب ، وفي البزازية خالعها ، وقالت إن لم أؤد البدل إلى أربعة أيام فالخلع باطل فمضت المدة ، ولم تؤد فهذه بمنزلة شرط الخيار في الخلع ، وأنه على الخلاف إذا كان من جانبها ا هـ .

                                                                                        يعني : إذا مضت المدة قبل الأداء بطل الخلع ، وإن أدت في المدة وقع كمسألة خيار العقد في البيع ، واستفيد منه أن الخيار لا يتقيد بالثلاث كما قدمناه صريحا ، وقيد بخيار الشرط لأن خيار الرؤية لا يثبت في الخلع ، ولا في كل عقد لا يحتمل الفسخ كما ذكره العمادي في فصوله ، وأما خيار العيب في بدل الخلع فثابت في العيب الفاحش دون اليسير ، والفاحش ما يخرجه من الجودة إلى الوساطة ، ومن الوساطة إلى الرداءة . ا هـ .

                                                                                        وفي جامع الفصولين الأصل أن من له الرجوع عن خطابه قولا يبطل خطابه بقيامه ، ومن لا رجوع له لا يبطل بقيامه ثم قال : والحاصل أن الخلع من جانبه يبطل بقيامها لا بقيامه ، ومن جانبها يبطل بقيام كل منهما . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 92 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 92 ] ( قوله وإذا أطلقا ينبغي أن يكون لها الخيار إلخ ) قال في النهر وعندي فيه نظر لاقتضائه أن يقبل النقض بعد التمام ، والظاهر أنه لا يقبله بدليل أنه لا يجري التقايل فيه بخلاف البيع ، وهذا كما سيأتي في البيع من أن ثبوته عند الإطلاق مقيد بما إذا قال له البائع ذلك بعد البيع أما عند العقد فيفسد البيع عند الإمام ، والفرق بينهما سيأتي في البيع إن شاء الله تعالى




                                                                                        الخدمات العلمية