الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
قال أبو عمر : الأخبار في إمامة مالك ، وحفظه وإتقانه ، وورعه ، وتثبته أكثر من أن تحصى ، وقد ألف الناس في فضائله كتبا كثيرة ، وإنما ذكرت ها هنا فقرا من أخباره دالة على ما سواها .

[ ص: 76 ] حدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن ، قال : حدثنا علي بن حيون ، قال : حدثنا هارون بن سعيد الأيلي ، قال : سمعت الشافعي قال : ما كتاب أكثر صوابا بعد كتاب الله من كتاب مالك ، يعني الموطأ .

[ ص: 77 ] حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثنا يحيى بن مالك ، قال : حدثنا محمد بن سليمان ابن أبي الشريف ، قال : حدثنا إبراهيم بن إسماعيل ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال الشافعي : ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ مالك بن أنس .

وأنبأنا علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا أحمد بن علي بن الحسن المدني ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : سمعت هارون بن سعيد الأيلي يقول : سمعت الشافعي يقول : ما كتاب بعد كتاب الله عز وجل أنفع من موطأ مالك بن أنس .

وحدثنا علي بن إبراهيم أبو الحسن يعرف بابن حمويه ، قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن سليمان التنيسي أبو محمد ، قال : أنبأنا أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي ، قال : قال لنا عمر بن أبي سلمة : ما قرأت كتاب الجامع من موطأ مالك بن أنس إلا أتاني آت في المنام ، فقال لي : هذا كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقا .

أنبأنا عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن عمرو القاضي المالكي ، قال : أنبأنا إبراهيم بن حماد [ ص: 78 ] قال : حدثنا أبو طاهر ، قال : حدثنا صفوان ، عن عمر بن عبد الواحد صاحب الأوزاعي ، قال : عرضنا على مالك الموطأ في أربعين يوما ، فقال : كتاب ألفته في أربعين سنة أخذتموه في أربعين يوما قلما تفقهون فيه .

حدثنا عبد الله ، حدثنا القاضي ، حدثنا عبد الواحد بن العباس الهاشمي ، حدثنا عباس بن عبد الله الترقفي ، قال : قال عبد الرحمن بن مهدي : ما كتاب بعد كتاب الله أنفع للناس من الموطأ ، أو كلام هذا معناه .

حدثنا عبد الله ، حدثنا القاضي ، حدثنا القاسم بن علي ، حدثنا إبراهيم بن الحسن السرافي ، حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، قال : سمعت أبي يقول : قال ابن وهب : من كتب موطأ مالك ، فلا عليه أن لا يكتب من الحلال والحرام شيئا .

وحدثنا عبد الله ، حدثنا القاضي ، حدثنا القاسم بن علي ، حدثنا إبراهيم بن الحسن ، قال : سمعت يحيى بن عثمان يقول : سمعت سعيد بن أبي مريم يقول وهو يقرأ عليه موطأ مالك ، وكان ابنا أخيه قد رحلا إلى العراق في طلب العلم ، فقال سعيد : لو أن ابني أخي مكثا بالعراق عمرهما يكتبان ليلا ونهارا ما أتيا بعلم يشبه موطأ مالك ، وقال ما أتيا بسنة يجتمع عليها خلاف موطأ مالك بن أنس .

وحدثنا عبد الله ، حدثنا القاضي ، قال : حدثني علي بن الحسين القطان ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد القروي ، قال : سمعت يونس بن عبد الأعلى [ ص: 79 ] يقول : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت كتابا ألف في العلم أكثر صوابا من موطأ مالك .

حدثنا أبو القاسم خلف بن قاسم ، قال : حدثنا أبو الميمون عبد الرحمن بن عمر بن راشد البجلي بدمشق ، قال : حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ، قال : حدثنا أبو مسهر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى ، قال : إذا كان فقه الرجل حجازيا ، وأدبه عراقيا ، فقد كمل .

أنبأنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار ببغداد ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال : حدثنا الأصمعي ، عن سفيان بن عيينة ، قال : من أراد الإسناد والحديث المعروف الذي تسكن إليه القلوب فعليه بحديث أهل المدينة .

أنبأنا أحمد بن عبد الله ، قال : أنبأنا عبد الرحمن بن محمد الغافقي الجوهري ، قال : أخبرني محمد بن أحمد المدني ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : قال محمد بن إدريس الشافعي : إذا وجدت متقدم أهل المدينة على شيء ، فلا يدخل عليك شك أنه الحق ، وكل ما جاءك من غير ذلك فلا تلتفت إليه ، فإنك تقع في اللجج ، وتقع في البحار .

قال : وحدثنا أبو الطاهر القاضي محمد بن أحمد الذهلي ، قال : حدثنا جعفر ، قال : حدثنا أبو قدامة ، قال : قال عبد الرحمن بن مهدي : السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث - يعني حديث أهل العراق - .

[ ص: 80 ] حدثنا أحمد بن عمر ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن فطيس ، قال : حدثنا ملك بن سيف ( التجيبي ) ، قال : حدثنا عبد الله بن عبد الحكم ، قال : سمعت مالك بن أنس يقول : إذا جاوز الحديث الحرتين ضعف نخاعه .

وحدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن الحسين ، قال : حدثنا العتبي ، قال : حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : سمعت الشافعي يقول : إذا جاوز الحديث الحرتين ضعف نخاعه .

وروى شعبة عن عمارة بن أبي حفصة ، عن أبي مجلز ، عن قيس بن عباد ، قال : قدمت المدينة أطلب العلم ، والشرف ، وذكر الحديث .

وأنبأنا عبد الرحمن بن يحيى ، قال : حدثنا علي بن محمد بن مسرور ، قال : حدثنا أحمد بن أبي سليمان ، قال : حدثنا سحنون ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : سمعت مالكا يقول : كان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى [ ص: 81 ] الأمصار يعلمهم السنن ، والفقه ، ويكتب إلى المدينة يسألهم عما مضى وأن يعملوا بما عندهم ، ويكتب إلى أبي بكر ابن حزم أن يجمع السنن ، ويكتب إليه بها ، فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتبا قبل أن يبعث بها إليه .

قال ابن وهب : وحدثني مالك ، قال : كان أبو بكر ابن حزم على قضاء المدينة قال : وولي المدينة أميرا ، وقال له يوما قائل : ما أدري كيف أصنع بالاختلاف ؟ فقال له أبو بكر ابن حزم : يا ابن أخي إذا وجدت أهل المدينة مجتمعين على أمر فلا تشك فيه أنه الحق .

قال ابن وهب : وقال لي مالك : لم يكن بالمدينة قط إمام أخبر بحديثين مختلفين .

حدثنا أحمد بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن أحمد الذهلي ، قال : حدثنا جعفر بن محمد ، قال : حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعد ، قال : سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول : ما أدركت أحدا إلا وهو يخاف هذا الحديث إلا مالك بن أنس ، وحماد بن سلمة ، فإنهما كان يجعلانه من أعمال البر ، قال : وقال عبد الرحمن بن مهدي : السنة المتقدمة من سنة أهل المدينة خير من الحديث ، قال : وقال أبو قدامة : كان مالك بن أنس من أحفظ أهل زمانه ، وقال عبد الرحمن بن مهدي وقد سئل أي الحديث أصح ؟ قال : حديث أهل الحجاز ، قيل له : ثم من ؟ قال : حديث أهل البصرة ، قيل : ثم من ؟ قال : حديث أهل الكوفة ، قالوا : فالشام ؟ قال : فنفض يده .

[ ص: 82 ] وذكر الحسن الحلواني قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، عن يحيى بن سعيد ، قال : ما أعلم الورع اليوم إلا في أهل المدينة وأهل مصر .

قال أبو عمر : لقد أحسن القائل :

[ ص: 83 ]

أقول لمن يروي الحديث ويكتب ويسلك سبل العلم فيه ويطلب     إن أحببت أن تدعى لدى الحق عالما
فلا تعد ما يحوي من العلم يثرب     أتترك دارا كان بين
بيوتها يروح ويغدو جبرئيل المقرب     ومات رسول الله فيها وبعده
بسنته أصحابه قد تأدبوا     وفرق سبل العلم في تابعيهم
وكل امرئ منهم له فيه مذهب     وخلصه بالسبك للناس مالك
ومنه صحيح في المقال وأجرب     فأبرا لتصحيح الرواية داءه
وتصحيحها فيه دواء مجرب     ولو لم يلح نور الموطا لمن سرى
بليل عماه ما درى أين يذهب     أيا طالبا للعلم إن كنت تطلب
حقيقة علم الدين محضا وترغب     فبادر موطا مالك قبل فوته
فما بعده إن فات للحق مطلب     ودع للموطا كل علم تريده
فإن الموطا الشمس والعلم كوكب     هو الأصل طاب الفرع منه لطيبه
ولم لا يطيب الفرع والأصل طيب     هو العلم عند الله بعد كتابه
وفيه لسان الصدق بالحق معرب     لقد أعربت آثاره ببيانها
فليس لها في العالمين مكذب     ومما به أهل الحجاز تفاخروا
بأن الموطا بالعراق محبب     وكل كتاب بالعراق مؤلف
نراه بآثار الموطا يعصب     ومن لم تكن كتب الموطا ببيته
فذاك من التوفيق بيت مخيب     أيعجب منه إذ علا في حياته
تعاليه من بعد المنية أعجب     جزى الله عنا في موطاه مالكا
بأفضل ما يجزي اللبيب المهذب     لقد أحسن التحصيل في كل ما روى
كذا فعل من يخشى الإله ويرهب     لقد رفع الرحمن بالعلم قدره
غلاما وكهلا ثم إذ هو أشيب     فمن قاسه بالشمس يبخسه حقه
كلمع نجوم الليل ساعة تغرب     يرى علمهم أهل العراق مصدعا
إذا لم يروه بالموطأ يعصب     وما لاح نور لامرئ بعد مالك
فذمته من ذمة الشمس أوجب     لقد فاق أهل العلم حيا وميتا
فأضحت به الأمثال في الناس تضرب     وما فاقهم إلا بتقوى وخشية
وإذ كان يرضى في الإله ويغضب      . فلا زال يسقي قبره كل عارض
بمنبعق ظلت غرابيه تسكب     ويسقي قبورا حوله دون سقيه
فيصبح فيها بينها وهو معشب     وما بي بخل أن تسقى كسقيه
ولكن حق العلم أولى وأوجب     فلله قبر دمعنا فوق ظهره
وفي بطنه ودق السحائب تسكب

[ ص: 84 ] وقال غيره :


ألا إن فقد العلم في فقد مالك     فلا زال فينا صالح الحال مالك
فلولاه ما قامت حقوق كثيرة     ولولاه لانسدت علينا المسالك
يقيم سبيل الحق والحق واضح     ويهدي كما تهدي النجوم الشوابك

وقال آخر في مالك رحمه الله :


يأبى الجواب فما يراجع هيبة     والسائلون نواكس الأذقان
أدب الوقار وعز سلطان التقى     فهو المطاع وليس ذا سلطان

حدثني أحمد بن محمد بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن الفضل بن العباس ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن منير ، قال : حدثنا محمد بن إبراهيم بن جناد ، قال : حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري ، قال : قال سفيان بن عيينة : نرى أن هذا الحديث الذي يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تضرب الأكباد ، فلا يجدون أعلم من عالم المدينة إنه مالك بن أنس .

وقال مصعب : وكنت إذا لقيت سفيان بن عيينة سألني عن أخبار مالك .

[ ص: 85 ] قال أبو عمر : وهذا الحديث حدثناه عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن ابن جريج ، عن أبي الزبير ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل ، فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة .

وقال سعيد بن عبد الجبار : كنا عند سفيان بن عيينة ، فأتاه نعي مالك بن أنس ، فقال : مات والله سيد المسلمين .

وروى الحارث بن مسكين ، قال : أخبرنا أشهب بن عبد العزيز ، قال : سألت المغيرة المخزومي مع تباعد ما كان بينه ، وبين مالك ، عن مالك ، وعبد العزيز ، فقال : ما اعتدلا ، في العلم قط ، ورفع مالكا على عبد العزيز ، وبلغني عن مطرف بن عبد الله النيسابوري الأصم صاحب مالك أنه قال : قال لي مالك : ما يقول الناس ، في موطئي ؟ فقلت له : الناس رجلان محب مطر ، وحاسد مفتر ، فقال لي مالك : إن مد بك العمر فسترى ما يراد الله به .

[ ص: 86 ] حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو القاضي المالكي ، قال : حدثني المفضل بن محمد بن حرب المدني ، قال : أول من عمل كتابا بالمدينة على معنى الموطأ من ذكر ما اجتمع عليه أهل المدينة : عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون ، وعمل ذلك كلاما بغير حديث .

قال القاضي : ورأيت أنا بعض ذلك الكتاب ، وسمعته ممن حدثني به ، وفي موطأ ابن وهب منه ، عن عبد العزيز شيء .

قال : فأتى به مالكا ، فنظر فيه ، فقال : ما أحسن ما عمل ، ولو كنت أنا الذي عملت لبدأت بالآثار ثم شددت ذلك بالكلام ، قال : ثم إن مالكا عزم على تصنيف الموطأ ، فصنفه فعمل من كان في المدينة يومئذ من العلماء الموطآت ، فقيل لمالك : شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب ، وقد شركك فيه الناس ، وعملوا أمثاله ، فقال : ائتوني بما عملوا ، فأتي بذلك ، فنظر فيه ثم نبذه ، وقال : لتعلمن أنه لا يرتفع من هذا إلا ما أريد به وجه الله .

قال : فكأنما ألقيت تلك الكتب في الآبار ، وما سمع لشيء منها بعد ذلك بذكر .

حدثني أبو القاسم أحمد بن فتح بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن الرازي بمصر ، قال : حدثنا روح بن الفرج ، قال : حدثنا أبو عدي محمد بن عدي بن أبي بكر الزهري ، قال : رأيت مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي لم يكن يخضب ، ومات أبيض الرأس واللحية ، وشهدت جنازته .

[ ص: 87 ] قال أبو عمر : أبو عدي هذا هو محمد بن عدي بن أبي بكر بن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص الزهري ، لا أعلم له رواية عن مالك ، وهو يروي عن عبد الله بن نافع وغيره من أصحاب مالك .

وولد مالك بن أنس رضي الله عنه سنة ثلاث وتسعين ، فيما ذكره ابن بكير ، وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكيم : ولد مالك بن أنس سنة أربع وتسعين ، قال محمد : وفيها ولد الليث بن سعد .

ولا خلاف أنه مات سنة سبع وسبعين ومائة ، وفيها مات حماد بن زيد .

وقال أبو رفاعة عمارة بن وثيمة بن موسى : ولد مالك في ربيع الآخر سنة أربع وتسعين ، وتوفي بالمدينة لعشر خلون في ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة ، مرض يوم الأحد ومات يوم الأحد لتمام اثنين وعشرين يوما ، وغسله ابن كنانة وسعيد بن داود بن زنبر ، قال حبيب : وكنت أنا ، وابنه يحيى بن مالك نصب الماء ، ونزل في قبره جماعة .

قال أبو عمر : كان لمالك رحمه الله أربعة من البنين : يحيى ، ومحمد ، وحمادة ، وأم ابنها .

[ ص: 88 ] فأما يحيى وأم ابنها ، فلم يوص بهما إلى أحد فكانا مالكين لأنفسهما ، وأما حمادة ، ومحمد فأوصى بهما إلى إبراهيم بن حبيب ، رجل من أهل المدينة كان مشاركا لمحمد بن بشير .

وأوصى مالك رحمة الله عليه أن يكفن في ثياب بيض ، ويصلى عليه في موضع الجنائز ، فصلى عليه عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس كان واليا على المدينة من قبل أبيه محمد بن إبراهيم بن علي ، وحضر جنازته ماشيا ، وكان أحد من حمل نعشه ، وبلغ كفنه خمسة دنانير ، وترك رحمه الله من الناض ألفي دينار وستمائة دينار وتسعا وعشرين دينارا ، وألف درهم ، فكان الذي اجتمع لورثته ثلاثة آلاف دينار وثلاثمائة دينار ونيف ، فقبض إبراهيم بن حبيب مال محمد وحمادة وقبض يحيى ماله وكذلك أم ابنها قبضت مالها .

وكان الذي خلف مالكا في حلقته عثمان بن عيسى بن كنانة ، وحج هارون الرشيد رحمه الله عام مات مالك ، فوصل يحيى بن مالك بخمسمائة دينار ، ووصل جميع الفقهاء يومئذ بصلات سنية .

ذكر ذلك كله إسماعيل بن أبي أويس ، وعبد العزيز بن أبي أويس ، وحبيب ، وعمارة بن وثيمة ، وغيرهم دخل كلام بعضهم في بعض ، والله المستعان .

[ ص: 89 ] وقال البخاري : مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي كنيته أبو عبد الله حليف عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي القرشي ابن أخي طلحة بن عبيد الله ، كان إماما ، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري .

وأخبرني أحمد بن فتح ، قال : حدثنا أحمد بن الحسن الرازي ، قال : حدثنا روح بن الفرج أبو الزنباع ، قال : سمعت أبا مصعب يقول : مالك بن أنس من العرب صلبه ، وخلفه في قريش في بني تيم بن مرة .

وقال خليفة بن خياط : مالك بن أنس بن أبي عامر من ذي أصبح من حمير ، مات سنة تسع وسبعين يكنى أبا عبد الله .

وقال الواقدي : عاش مالك تسعين سنة ، وقال سحنون عن عبد الله بن نافع : إن مالكا توفي وهو ابن سبع وثمانين سنة ، سنة تسع وسبعين ومائة ، وأقام مفتيا بالمدينة بين أظهرهم ستين سنة .

قال أبو عمر : لا أعلم في نسبه اختلافا بين أهل العلم بالأنساب أنه مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن عثمان بن حنبل بن عمرو [ ص: 90 ] بن الحارث ، وهو ذو أصبح ، إلا أن بعضهم قال في عثمان غيمان بالغين المنقوطة والياء المنقوطة من أسفل باثنين ، وفي حنبل : حتيل ، وقد قيل : حسل ، والصواب : حتيل كذلك ذكره أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني ، وأنا أستغرب نسب مالك إلى ذي أصبح ، وأعتقد أن فيه نقصانا كثيرا ; لأن ذا أصبح قديم جدا ، وذو أصبح هو الحارث بن مالك بن زيد بن قيس بن صيفي بن زرعة - حمير الأصغر - ابن سبأ الأصغر بن كعب - كهف الظلم - ابن بديل بن زيد الجمهور بن عمر بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن حيدان بن معن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يغوث بن قحطان .

[ ص: 91 ] وقيل في اسم أمه : العالية بنت شريك بن عبد الرحمن بن شريك من الأزد ، وحمل به سنتين ، وقيل : ثلاث سنين في بطن أمه ، وكان أشقر شديد البياض ربعة إلى الطول ، كبير الرأس أصلع ، ولم يكن بالطويل رحمة الله ورضوانه عليه .

روى عنه جماعة من الأئمة ، وحدثوا عنه ، وكلهم مات قبله بسنين ، ولو ذكرناهم لطال الكتاب بذكرهم ، وذكر وفاة كل واحد منهم .

واختلف أهل العلم بعد ذي أصبح في رفعه إلى آدم عليه السلام بما لم أر لذكره ها هنا معنى ، وقد ذكرنا أن ذا أصبح من حمير ، في كتابنا كتاب القبائل التي روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأغنى عن إعادته ها هنا .

حدثنا خلف بن القاسم ، قال : حدثني عبد الله بن جعفر ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد السلام الخفاف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثنا أبو بكر الأويسي ، قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن نافع بن مالك [ ص: 92 ] بن أبي عامر ، عن أبيه ، قال : قال لي عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله التيمي : يا مالك هل لك إلى ما دعانا إليه غيرك فأبينا عليه أن يكون دمنا دمك ، وهدمنا هدمك ما بل بحر صوفة ، فأجبته إلى ذلك .

أخبرنا علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا علي بن يعقوب بن سويد الوراق ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج المهري ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، قال : حدثنا معن بن عيسى بن عمر ، قال : كان نقش خاتم مالك بن أنس : حسبي الله ونعم الوكيل ، فسئل عن ذلك ، فقال : سمعت الله تبارك وتعالى قال لقوم قالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء .

وأخبرنا علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن بكير ، قال : مات مالك بن أنس في ربيع الأول سنة سبع وتسعين ومائة ، وولد سنة ثلاث وتسعين .

قال أبو عمر : كذا يقول ابن بكير ، وغيره يخالفه في مولده على ما ذكرنا في كتابنا هذا .

وبالله توفيقنا ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ، والحمد لله رب العالمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية