الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما قدره فلا يجوز الشاة والمعز إلا عن واحد وإن كانت عظيمة سمينة تساوي شاتين مما يجوز أن يضحى بهما ; لأن القياس في الإبل والبقر أن لا يجوز فيهما الاشتراك ; لأن القربة في هذا الباب إراقة الدم وأنها لا تحتمل التجزئة ; لأنها ذبح واحد وإنما عرفنا جواز ذلك بالخبر فبقي الأمر في الغنم على أصل القياس .

                                                                                                                                فإن قيل : أليس أنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته فكيف ضحى بشاة واحدة عن أمته ؟ عليه الصلاة والسلام .

                                                                                                                                ( فالجواب ) أنه عليه الصلاة والسلام إنما فعل ذلك لأجل الثواب ; وهو أنه جعل ثواب تضحيته بشاة واحدة لأمته لا للإجزاء وسقوط التعبد عنهم ولا يجوز بعير واحد ولا بقرة واحدة عن أكثر من سبعة ويجوز ذلك عن سبعة أو أقل من ذلك ، وهذا قول عامة العلماء .

                                                                                                                                وقال مالك رحمه الله : يجزي ذلك عن أهل بيت واحد - وإن زادوا على سبعة - ولا يجزي عن أهل بيتين - وإن كانوا أقل من سبعة - والصحيح قول العامة ; لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { البدنة تجزي عن سبعة والبقرة تجزي عن سبعة } وعن جابر رضي الله عنه قال : { نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة من غير فصل بين أهل بيت وبيتين } ولأن القياس يأبى جوازها عن أكثر من واحد لما ذكرنا أن القربة في الذبح وأنه فعل واحد لا يتجزأ ; لكنا تركنا القياس بالخبر المقتضي للجواز عن سبعة مطلقا فيعمل بالقياس فيما وراءه ; لأن البقرة بمنزلة سبع شياه ثم جازت التضحية بسبع شياه عن سبعة سواء كانوا من أهل بيت أو بيتين فكذا البقرة .

                                                                                                                                ومنهم من فصل بين البعير والبقرة فقال البقرة لا تجوز عن أكثر من سبعة فأما البعير فإنه يجوز عن عشرة ، ورووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { البدنة تجزي عن عشرة } ونوع من القياس يؤيده ; وهو أن الإبل أكثر قيمة من البقر ; ولهذا فضلت الإبل على البقر [ ص: 71 ] في باب الزكاة والديات فتفضل في الأضحية أيضا .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الأخبار إذا اختلفت في الظاهر يجب الأخذ بالاحتياط وذلك فيما قلنا ; لأن جوازه عن سبعة ثابت بالاتفاق وفي الزيادة اختلاف فكان الأخذ بالمتفق عليه أخذا بالمتيقن ، وأما ما ذكروا من القياس فقد ذكرنا أن الاشتراك في هذا الباب معدول به عن القياس ، واستعمال القياس فيما هو معدول به عن القياس ليس من الفقه ، ولا شك في جواز بدنة أو بقرة عن أقل من سبعة بأن اشترك اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة في بدنة أو بقرة ; لأنه لما جاز السبع فالزيادة أولى ، وسواء اتفقت الأنصباء في القدر أو اختلفت ; بأن يكون لأحدهم النصف وللآخر الثلث ولآخر السدس بعد أن لا ينقص عن السبع ولو اشترك سبعة في خمس بقرات أو في أكثر فذبحوها أجزأهم ; لأن لكل واحد منهم في كل بقرة سبعها ، ولو ضحوا ببقرة واحدة أجزأهم فالأكثر أولى ولو اشترك ثمانية في سبع بقرات لم يجزهم ; لأن كل بقرة بينهم على ثمانية أسهم فيكون لكل واحد منهم أنقص من السبع ، وكذلك إذا كانوا عشرة أو أكثر فهو على هذا .

                                                                                                                                ولو اشترك ثمانية في ثمانية من البقر فضحوا بها لم تجزهم ; لأن كل بقرة تكون بينهم على ثمانية أسهم ، وكذلك إذا كان البقر أكثر لم تجزهم ، ولا رواية في هذه الفصول وإنما قيل إنه لا يجوز بالقياس .

                                                                                                                                ولو اشترك سبعة في سبع شياه بينهم فضحوا بها - القياس أن لا تجزئهم ; لأن كل شاة تكون بينهم على سبعة أسهم وفي الاستحسان يجزيهم .

                                                                                                                                وكذلك لو اشترى اثنان شاتين للتضحية فضحيا بهما بخلاف عبدين بين اثنين عليهما كفارتان فأعتقاهما عن كفارتيهما أنه لا يجوز ; لأن الأنصباء تجتمع في الشاتين ولا تجتمع في الرقيق بدليل أنه يجبر على القسمة في الشاة ولا يجبر في الرقيق ، ألا ترى أنها لا تقسم قسمة جمع في قول أبي حنيفة ؟ رضي الله عنه وعلى هذا ينبغي أن يكون في الأول قياس واستحسان ، والمذكور جواب القياس وأما صفته فهي أن يكون سليما عن العيوب الفاحشة وسنذكرها في بيان شرائط الجواز بعون الله تعالى ، والله الموفق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية