الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قل رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون

استئناف ابتدائي بعدما مضى من وصف رسالة محمد - صلى الله عليه وسلم - وإجمال أصلها وأمره بإنذارهم وتسجيل التبليغ . قصد من هذا الاستئناف التلويح إلى عاقبة أمر هذا الدين المرجوة المستقبلة لتكون قصة هذا الدين وصاحبه مستوفاة المبدأ والعاقبة على وزان ما ذكر قبلها من قصص الرسل السابقين من قوله تعالى ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء إلى هنا .

وفي أمر الله تعالى نبيئه - عليه الصلاة والسلام - بالالتجاء إليه والاستعانة به بعد ما قال له فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء رمز إلى أنهم متولون لا محالة وأن الله سيحكم فيهم بجزاء جرمهم ؛ لأن الحكم بالحق لا يغادرهم ، وإن الله في إعانته لأن الله إذ لقن عباده دعاء فقد ضمن لهم إجابته كقوله تعالى ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ونحو ذلك ، وقد صدق الله وعده واستجاب لعبده فحكم في هؤلاء المعاندين بالحق يوم بدر . والمعنى : قل ذلك بمسمع منهم إظهارا لتحديه إياهم بأنه فوض أمره إلى ربه ليحكم فيهم بالحق الذي هو خضد شوكتهم وإبطال دينهم ، لأن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق . [ ص: 176 ] والباء في قوله تعالى ( بالحق ) للملابسة . وحذف المتعلق الثاني لفعل ( احكم ) لتنبيههم إلى أن النبيء على الحق فإنه ما سأل الحكم بالحق إلا لأنه يريده ، أي احكم لنا أو فيهم أو بيننا .

وقرأ الجمهور ( قل ) بصيغة الأمر . وقرأ حفص ( قال ) بصيغة الماضي مثل قوله تعالى قال ربي يعلم القول في أول هذه السورة . ولم يكتب في المصحف الكوفي بإثبات الألف . على أنه حكاية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - . و ( رب ) منادى مضاف حذفت منه ياء المتكلم المضاف هو إليها وبقيت الكسرة دليلا على الياء .

وقرأ الجمهور بكسر الباء من ( رب ) . وقرأه أبو جعفر بضم الباء وهو وجه عربي في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم كأنهم جعلوه بمنزلة الترخيم وهو جائز إذا أمن اللبس . وتعريف المسند إليه بالإضافة في قوله تعالى ( وربنا ) لتضمنها تعظيما لشأن المسلمين بالاعتزاز بأن الله ربهم . وضمير المتكلم المشارك للنبيء ومن معه من المسلمين . وفيه تعريض بالمشركين بأنهم ليسوا من مربوبية الله في شيء حسب إعراضهم عن عبادته إلى عبادة الأصنام كقوله تعالى ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم . والرحمن عطف بيان من ( ربنا ) لأن المراد به هنا الاسم لا الوصف توركا على المشركين ، لأنهم أنكروا اسم الرحمن وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا . وتعريف ( المستعان ) لإفادة القصر ، أي لا أستعين بغيره على ما تصفون ، إذ لا ينصرنا غير ربنا وهو ناظر إلى قوله تعالى وإياك نستعين . [ ص: 177 ] وفي قوله تعالى على ما تصفون مضاف محذوف هو مجرور ( على ) ، أي على إبطال ما تصفون بإظهار بطلانكم للناس حتى يؤمنوا ولا يتبعوكم . أو على إبطال ما يترتب عليه من أذاهم له وللمؤمنين وتأليب العرب عليه . ومعنى ( ما تصفون ) ما تصدر به أقوالكم من الأذى لنا . فالوصف هنا هو الأقوال الدالة عن الأوصاف ، وقد تقدم في سورة يوسف . وهم وصفوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - بصفات ذم كقولهم : مجنون وساحر ، ووصفوا القرآن بأنه شعر وأساطير الأولين ، وشهروا ذلك في دهمائهم لتأليب الناس عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية