الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      15 - واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم، فاستشهدوا عليهن أربعة منكم. فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت، حتى يتوفاهن الموت، أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فآذوهما. فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما. إن الله كان توابا رحيما ..

                                                                                                                                                                                                                                      إن الإسلام يمضي هنا على طريقه، في تطهير المجتمع وتنظيفه وقد اختار - في أول الأمر - عزل الفاحشات من النسوة، وإبعادهن عن المجتمع، متى ثبت عليهن ارتكاب الفاحشة. وإيذاء الرجال، الذين يأتون الفاحشة الشاذة، ويعملون عمل قوم لوط . ولم يحدد نوع الإيذاء ومداه. ثم اختار - فيما بعد - عقاب هؤلاء النسوة [ ص: 599 ] وعقاب الرجال أيضا عقوبة واحدة هي حد الزنا كما ورد في آية سورة النور، وهي الجلد وكما جاءت بها السنة أيضا، وهي الرجم. والهدف الأخير من هذه أو تلك هو صيانة المجتمع من التلوث، والمحافظة عليه نظيفا عفيفا شريفا.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي كل حالة وفي كل عقوبة يوفر التشريع الإسلامي الضمانات، التي يتعذر معها الظلم والخطأ والأخذ بالظن والشبهة في عقوبات خطيرة، تؤثر في حياة الناس تأثيرا خطيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم. فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وفي النص دقة واحتياط بالغان. فهو يحدد النساء اللواتي ينطبق عليهن الحد: من نسائكم – أي: المسلمات - ويحدد نوع الرجال الذين يستشهدون على وقوع الفعل: " من رجالكم " – أي: المسلمين - فحسب هذا النص يتعين من توقع عليهن العقوبة إذا ثبت الفعل. ويتعين من تطلب إليهم الشهادة على وقوعه.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الإسلام لا يستشهد على المسلمات - حين يقعن في الخطيئة - رجالا غير مسلمين. بل لا بد من أربعة رجال مسلمين . منكم. من هذا المجتمع المسلم. يعيشون فيه، ويخضعون لشريعته، ويتبعون قيادته، ويهمهم أمره، ويعرفون ما فيه ومن فيه. ولا تجوز في هذا الأمر شهادة غير المسلم، لأنه غير مأمون على عرض المسلمة، وغير موثوق بأمانته وتقواه، ولا مصلحة له ولا غيرة كذلك على نظافة هذا المجتمع وعفته، ولا على إجراء العدالة فيه. وقد بقيت هذه الضمانات في الشهادة حين تغير الحكم، وأصبح هو الجلد أو الرجم ..

                                                                                                                                                                                                                                      فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت ..

                                                                                                                                                                                                                                      لا يختلطن بالمجتمع، ولا يلوثنه، ولا يتزوجن، ولا يزاولن نشاطا..

                                                                                                                                                                                                                                      حتى يتوفاهن الموت ..

                                                                                                                                                                                                                                      فينتهي أجلهن، وهن على هذه الحال من الإمساك في البيوت.

                                                                                                                                                                                                                                      16 - أو يجعل الله لهن سبيلا ..

                                                                                                                                                                                                                                      فيغير ما بهن، أو يغير عقوبتهن، أو يتصرف في أمرهن بما يشاء.. مما يشعر أن هذا ليس الحكم النهائي الدائم، وإنما هو حكم فترة معينة، وملابسات في المجتمع خاصة. وأنه يتوقع صدور حكم آخر ثابت دائم.

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا هو الذي وقع بعد ذلك، فتغير الحكم كما ورد في سورة النور، وفي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم تتغير الضمانات المشددة في تحقيق الجريمة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان بن عبد الله الرقاشي ، عن عبادة بن الصامت . قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي أثر عليه، وكرب لذلك، وتغير وجهه. فأنزل الله عليه عز وجل ذات يوم، فلما سري عنه قال: " خذوا عني.. قد جعل الله لهن سبيلا.. الثيب بالثيب، والبكر بالبكر. الثيب جلد مائة ورجم بالحجارة. والبكر جلد مائة ثم نفي سنة .. وقد رواه مسلم وأصحاب السنن من طرق عن قتادة ، عن الحسن ، عن حطان ، عن عبادة بن الصامت . عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولفظه: خذوا عني. خذوا عني. قد جعل الله لهن سبيلا: البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام. والثيب بالثيب جلد مائة ورجم بالحجارة .. وقد ورد عن السنة العملية في حادث ماعز والغامدية كما ورد في صحيح مسلم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجمهما ولم يجلدهما . وكذلك في حادث اليهودي واليهودية اللذين حكم في قضيتهما، فقضى برجمهما ولم يجلدهما .. [ ص: 600 ] 16 - فدلت سنته العملية على أن هذا هو الحكم الأخير:

                                                                                                                                                                                                                                      واللذان يأتيانها منكم فآذوهما. فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما .

                                                                                                                                                                                                                                      والأوضح أن المقصود بقوله تعالى: واللذان يأتيانها منكم ... هما الرجلان يأتيان الفاحشة الشاذة . وهو قول مجاهد - رضي الله عنه - وقال ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما: فآذوهما : هو الشتم والتعيير والضرب بالنعال ! فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما ..

                                                                                                                                                                                                                                      فالتوبة والإصلاح - كما سيأتي - تعديل أساسي في الشخصية والكينونة والوجهة والطريق والعمل والسلوك.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن ثم تقف العقوبة، وتكف الجماعة عن إيذاء هذين المنحرفين الشاذين. وهذا هو الإعراض عنهما في هذا الموضع: أي: الكف عن الإيذاء.

                                                                                                                                                                                                                                      والإيماءة اللطيفة العميقة:

                                                                                                                                                                                                                                      إن الله كان توابا رحيما ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهو الذي شرع العقوبة، وهو الذي يأمر بالكف عنها عند التوبة والإصلاح. ليس للناس من الأمر شيء في الأولى، وليس لهم من الأمر شيء في الآخرة. إنما هم ينفذون شريعة الله وتوجيهه. وهو تواب رحيم.

                                                                                                                                                                                                                                      يقبل التوبة ويرحم التائبين.

                                                                                                                                                                                                                                      واللمسة الثانية في هذه الإيماءة، هي توجيه قلوب العباد للاقتباس من خلق الله والتعامل فيما بينهم بهذا الخلق. وإذا كان الله توابا رحيما ، فينبغي لهم أن يكونوا هم فيما بينهم متسامحين رحماء أمام الذنب الذي سلف، وأعقبه التوبة والإصلاح. إنه ليس تسامحا في الجريمة، وليس رحمة بالفاحشين. فهنا لا تسامح ولا رحمة. ولكن سماحة ورحمة بالتائبين المتطهرين المصلحين، وقبولهم في المجتمع، وعدم تذكيرهم وتعييرهم بما كان منهم من ذنب تابوا عنه، وتطهروا منه، وأصلحوا حالهم بعده، فينبغي - حينئذ - مساعدتهم على استئناف حياة طيبة نظيفة كريمة، ونسيان جريمتهم حتى لا تثير في نفوسهم التأذي كلما واجهوا المجتمع بها مما قد يحمل بعضهم على الانتكاس والارتكاس، واللجاج في الخطيئة، وخسارة أنفسهم في الدنيا والآخرة.

                                                                                                                                                                                                                                      والإفساد في الأرض، وتلويث المجتمع، والنقمة عليه في ذات الأوان.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد عدلت هذه العقوبة كذلك - فيما بعد - فروى أهل السنن حديثا مرفوعا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به .

                                                                                                                                                                                                                                      وتبدو في هذه الأحكام عناية المنهج الإسلامي بتطهير المجتمع المسلم من الفاحشة ولقد جاءت هذه العناية مبكرة: فالإسلام لم ينتظر حتى تكون له دولة في المدينة ، وسلطة تقوم على شريعة الله، وتتولاها بالتنفيذ.

                                                                                                                                                                                                                                      فقد ورد النهي عن الزنا في سورة الإسراء المكية: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا كما ورد في سورة المؤمنون: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ... والذين هم لفروجهم حافظون. إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين .. وكرر هذا القول في سورة المعارج.

                                                                                                                                                                                                                                      ولكن الإسلام لم تكن له في مكة دولة، ولم تكن له فيها سلطة فلم يسن العقوبات لهذه الجريمة التي نهى عنها في مكة ، إلا حين استقامت له الدولة والسلطة في المدينة ، ولم يعتبر النواهي والتوجيهات وحدها كافية [ ص: 601 ] لمكافحة الجريمة، وصيانة المجتمع من التلوث. لأن الإسلام دين واقعي، يدرك أن النواهي والتوجيهات وحدها لا تكفي، ويدرك أن الدين لا يقوم بدون دولة وبدون سلطة. وإن الدين هو المنهج أو النظام الذي تقوم عليه حياة الناس العملية، وليس مجرد مشاعر وجدانية تعيش في الضمير. بلا سلطة وبلا تشريع، وبلا منهج محدد، ودستور معلوم! ومنذ أن استقرت العقيدة الإسلامية في بعض القلوب في مكة ، أخذت هذه العقيدة تكافح الجاهلية في هذه القلوب، وتطهرها وتزكيها. فلما أن أصبحت للإسلام دولة في المدينة ، وسلطة تقوم على شريعة معلومة.

                                                                                                                                                                                                                                      وتحقق في الأرض منهج الله في صورة محددة، أخذ يزاول سلطته في صون المجتمع من الفاحشة عن طريق العقوبة والتأديب - إلى جانب التوجيه والموعظة - فالإسلام كما قلنا ليس مجرد اعتقاد وجداني في الضمير، إنما هو - إلى جانب ذلك - سلطان ينفذ في واقع الحياة ذلك الاعتقاد الوجداني، ولا يقوم أبدا على ساق واحدة.

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك كان كل دين جاء من عند الله. على عكس ما رسخ خطأ في بعض الأذهان من أن هناك أديانا سماوية جاءت بغير شريعة، وبغير نظام، وبغير سلطان.. كلا! فالدين منهج للحياة. منهج واقعي عملي .

                                                                                                                                                                                                                                      يدين الناس فيه لله وحده، ويتلقون فيه من الله وحده. يتلقون التصور الاعتقادي والقيم الأخلاقية، كما يتلقون الشرائع التي تنظم حياتهم العملية. وتقوم على هذه الشرائع سلطة تنفذها بقوة السلطان في حياة الناس، وتؤدب الخارجين عليها وتعاقبهم، وتحمي المجتمع من رجس الجاهلية. لتكون الدينونة لله وحده، ويكون الدين كله لله. أي لا تكون هناك آلهة غيره - في صورة من الصور - آلهة تشرع للناس، وتضع لهم القيم والموازين، والشرائع والأنظمة. فالإله هو الذي يصنع هذا كله. وأيما مخلوق ادعى لنفسه الحق في شيء من هذا فقد ادعى لنفسه الألوهية على الناس.. وما من دين من عند الله يسمح لبشر أن يكون إلها، وأن يدعي لنفسه هذه الدعوى، ويباشرها.. ومن ثم فإنه ما من دين من عند الله يجيء اعتقادا وجدانيا صرفا، بلا شريعة عملية، وبلا سلطان ينفذ به هذه الشريعة! وهكذا أخذ الإسلام في المدينة يزاول وجوده الحقيقي بتطهير المجتمع عن طريق التشريع والتنفيذ، والعقوبة والتأديب. على نحو ما رأينا في هذه الأحكام التي تضمنتها هذه السورة، والتي عدلت فيما بعد، ثم استقرت على ذلك التعديل. كما أرادها الله.

                                                                                                                                                                                                                                      ولا عجب في هذه العناية الظاهرة بتطهير المجتمع من هذه الفاحشة والتشدد الظاهر في مكافحتها بكل وسيلة. فالسمة الأولى للجاهلية - في كل زمان - كما نرى في جاهليتنا الحاضرة التي تعم وجه الأرض - هي الفوضى الجنسية، والانطلاق البهيمي، بلا ضابط من خلق أو قانون. واعتبار هذه الاتصالات الجنسية الفوضوية مظهرا من مظاهر " الحرية الشخصية " لا يقف في وجهها إلا متعنت! ولا يخرج عليها إلا متزمت! ولقد يتسامح الجاهليون في حرياتهم " الإنسانية " كلها، ولا يتسامحون في حريتهم " البهيمية " هذه! وقد يتنازلون عن حرياتهم تلك كلها، ولكنهم يهبون في وجه من يريد أن ينظم لهم حريتهم البهيمية ويطهرها! وفي المجتمعات الجاهلية تتعاون جميع الأجهزة على تحطيم الحواجز الأخلاقية، وعلى إفساد الضوابط الفطرية في النفس الإنسانية، وعلى تزيين الشهوات البهيمية ووضع العناوين البريئة لها، وعلى إهاجة السعار الجنسي بشتى الوسائل، ودفعه إلى الإفضاء العملي بلا ضابط، وعلى توهين ضوابط الأسرة ورقابتها، وضوابط المجتمع ورقابته، وعلى ترذيل المشاعر الفطرية السليمة التي تشمئز من الشهوات العارية، وعلى تمجيد هذه [ ص: 602 ] الشهوات وتمجيد العري العاطفي والجسدي والتعبيري! كل هذا من سمات الجاهلية الهابطة التي جاء الإسلام ليطهر المشاعر البشرية والمجتمعات البشرية منها.

                                                                                                                                                                                                                                      وهي هي بعينها سمة كل جاهلية.. والذي يراجع أشعار امرئ القيس في جاهلية العرب يجد لها نظائر في أشعار الجاهلية الإغريقية والجاهلية الرومانية.. كما يجد لها نظائر في الآداب والفنون المعاصرة في جاهلية العرب والجاهليات الأخرى المعاصرة أيضا! كما أن الذي يراجع تقاليد المجتمع، وتبذل المرأة، ومجون العشاق، وفوضى الاختلاط في جميع الجاهليات قديمها وحديثها يجد بينها كلها شبها ورابطة، ويجدها تنبع من تصورات واحدة، وتتخذ لها شعارات متقاربة! ومع أن هذا الانطلاق البهيمي ينتهي دائما بتدمير الحضارة وتدمير الأمة التي يشيع فيها - كما وقع في الحضارة الإغريقية، والحضارة الرومانية، والحضارة الفارسية قديما - وكما يقع اليوم في الحضارة الأوربية وفي الحضارة الأمريكية كذلك، وقد أخذت تتهاوى على الرغم من جميع مظاهر التقدم الساحق في الحضارة الصناعية. الأمر الذي يفزع العقلاء هناك. وإن كانوا يشعرون - كما يبدو من أقوالهم - بأنهم أعجز من الوقوف في وجه التيار المدمر ! مع أن هذه هي العاقبة، فإن الجاهليين - في كل زمان وفي كل مكان - يندفعون إلى الهاوية، ويقبلون أن يفقدوا حرياتهم " الإنسانية " كلها أحيانا، ولا يقبلون أن يقف حاجز واحد في طريق حريتهم " البهيمية " .

                                                                                                                                                                                                                                      ويرضون أن يستعبدوا استعباد العبيد، ولا يفقدوا حق الانطلاق الحيواني! وهو ليس انطلاقا، وليس حرية. إنما هي العبودية للميل الحيواني والانتكاس إلى عالم البهيمة! بل هم أضل! فالحيوان محكوم - في هذا - بقانون الفطرة، التي تجعل للوظيفة الجنسية مواسم لا تتعداها في الحيوان، وتجعلها مقيدة دائما بحكمة الإخصاب والإنسال. فلا تقبل الأنثى الذكر إلا في موسم الإخصاب، ولا يهاجم الذكر الأنثى إلا وهي على استعداد! أما الإنسان فقد تركه الله لعقله وضبط عقله بعقيدته. فمتى انطلق من العقيدة، ضعف عقله أمام الضغط، ولم يصبح قادرا على كبح جماح النزوة المنطلقة في كيانه. ومن ثم يستحيل ضبط هذا الاندفاع وتطهير وجه المجتمع من هذا الرجس إلا بعقيدة تمسك بالزمام، وسلطان يستمد من هذه العقيدة، وسلطة تأخذ الخارجين المتبجحين بالتأديب والعقوبة. وترد الكائن البشري بل ترفعه من درك البهيمة إلى مقام " الإنسان " الكريم على الله.

                                                                                                                                                                                                                                      والجاهلية التي تعيش فيها البشرية، تعيش بلا عقيدة، كما تعيش بلا سلطة تقوم على هذه العقيدة، ومن ثم يصرخ العقلاء في الجاهليات الغربية ولا يستجيب لهم أحد لأن أحدا لا يستجيب لكلمات طائرة في الهواء ليس وراءها سلطة تنفيذية وعقوبات تأديبية. وتصرخ الكنيسة ويصرخ رجال الدين ولا يستجيب لهم أحد لأن أحدا لا يستجيب لعقيدة ضائعة ليس وراءها سلطة تحميها، وتنفذ توجيهاتها وشرائعها! وتندفع البشرية إلى الهاوية بغير ضابط من الفطرة التي أودعها الله الحيوان! وبغير ضابط من العقيدة والشريعة التي أعطاها الله الإنسان! وتدمير هذه الحضارة هو العاقبة المؤكدة، التي توحي بها كل تجارب البشرية السابقة. مهما بدا من متانة هذه الحضارة، وضخامة الأسس التي تقوم عليها. " فالإنسان " - بلا شك - هو أضخم هذه الأسس. ومتى [ ص: 603 ] دمر الإنسان، فلن تقوم الحضارة على المصانع وحدها، ولا على الإنتاج! وحين ندرك عمق هذه الحقيقة، ندرك جانبا من عظمة الإسلام، في تشديد عقوباته على الفاحشة لحماية " الإنسان " من التدمير كي تقوم الحياة الإنسانية على أساسها الإنساني الأصيل. كما ندرك جانبا من جريمة الأجهزة التي تدمر أسس الحياة الإنسانية بتمجيد الفاحشة وتزيينها، وإطلاق الشهوات البهيمية من عقالها، وتسمية ذلك أحيانا بالفن " وأحيانا بالحرية " وأحيانا بالتقدمية " .. وكل وسيلة من وسائل تدمير " الإنسان " ينبغي تسميتها باسمها.. جريمة.. كما ينبغي الوقوف بالنصح والعقوبة في وجه هذه الجريمة! ..

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا ما يصنعه الإسلام. والإسلام وحده بمنهجه الكامل المتكامل القويم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية