الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب اختصاص المسح بظهر الخف

                                                                                                                                            235 - ( عن { علي رضي الله عنه قال : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه } رواه أبو داود والدارقطني ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث قال الحافظ في بلوغ المرام : إسناده حسن ، وقال في التلخيص : إسناده صحيح ، قلت : وفي إسناده عبد خير بن يزيد الهمداني وثقه يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله العجلي ، وأما قول البيهقي : لم يحتج به صاحبا الصحيح ، فليس بقادح بالاتفاق . والحديث يدل على أن المسح المشروع وهو مسح ظاهر الخف دون باطنه ، وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد بن حنبل .

                                                                                                                                            وذهب مالك والشافعي وأصحابهما والزهري وابن المبارك وروي عن سعد بن أبي وقاص وعمر بن عبد العزيز إلى أنه يمسح ظهورهما وبطونهما ، قال مالك والشافعي : إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه . قال مالك : من مسح باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه ، وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده ، وروي عنه غير ذلك . والمشهور عن الشافعي أن من مسح ظهورهما ، واقتصر على ذلك أجزأه ، ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يجزه ، وليس بماسح . وقالابن شهاب وهو قول الشافعي : إن من مسح بطونهما ، ولم يمسح ظهورهما أجزأه ، والواجب عند أبي حنيفة مسح قدر ثلاث أصابع من أصابع اليد ، وعند أحمد مسح أكثر الخف .

                                                                                                                                            وروي عن الشافعي أن الواجب ما يسمى مسحا . قال الحافظ في التلخيص لما ذكر حديث [ ص: 234 ] علي عليه السلام : والمحفوظ عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله ، كذا رواه الشافعي والبيهقي ، وروي عنه في صفة ذلك أنه كان يضع كفه اليسرى تحت العقب ، واليمنى على ظاهر الأصابع ، ويمر اليسرى على أطراف الأصابع من أسفل ، واليمنى إلى الساق .

                                                                                                                                            واستدل من قال بمسح ظاهر الخف وباطنه بحديث المغيرة المذكور في آخر هذا الباب ، وفيه مقال سنذكره عند ذكره . وليس بين الحديثين تعارض ، غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف وظاهره ، وتارة اقتصر على ظاهره ، ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين ، فكان جميع ذلك جائز وسنة .

                                                                                                                                            236 - ( وعن المغيرة بن شعبة قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهور الخفين } رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولفظه : على الخفين على ظاهرهما ، وقال : حديث حسن ) . الحديث قال البخاري في التاريخ : هو بهذا اللفظ أصح من حديث رجاء بن حيوة الآتي . وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند ابن أبي شيبة والبيهقي . واستدل بالحديث من قال بمسح ظاهر الخف .

                                                                                                                                            وقد تقدم الكلام عليه في الذي قبله

                                                                                                                                            237 - ( وعن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله } . رواه الخمسة إلا النسائي ، وقال الترمذي : هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم ، وسألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا : ليس بصحيح ) . الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن الجارود . قال الأثرم عن أحمد : إنه كان يضعفه ويقول : ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة .

                                                                                                                                            قال أحمد : وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور ، فقلت له : إنما يقول هذا الوليد ، وأما ابن المبارك فيقول : حدثت عن رجاء ، ولم يذكر المغيرة ، فقال لي نعيم : هذا حديثي الذي أسأل عنه ، فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق ، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة ، فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها ، [ ص: 235 ] فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع : اضربوا على هذا الحديث .

                                                                                                                                            وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة حديث الوليد ليس بمحفوظ . وقال موسى بن هارون لم يسمعه ثور من رجاء ، ورواه أبو داود الطيالسي عن عروة بن المغيرة عن أبيه . وكذا أخرجه البيهقي . قال الحافظ بعد أن ذكر قول الترمذي : إنه لم يسنده عن ثور غير الوليد . قلت : رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور مثل الوليد ، قال أبو داود : لم يسمعه ثور من رجاء ، وقد وقع في سنن الدارقطني من طريق داود بن رشيد تصريح ثور بأنه حدثه رجاء ، قال الحافظ : وهذا ظاهره أن ثورا سمعه من رجاء ، فتزول العلة ، ولكن رواه أحمد بن عبد الصفار في مسنده من طريقه . فقال عن ثور عن رجاء ، فهذا اختلاف على داود يمنع من القول بصحة وصله مع ما تقدمه من كلام الأئمة .

                                                                                                                                            والحديث استدل به من قال بمسح أعلى الخف وأسفله ، وتقدم الكلام على ذلك .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية