الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو حرر عبدين عن ظهارين ولم يعين صح عنهما ومثله الصيام والإطعام ) حتى لو صام عنهما أربعة أشهر أو أطعم عنهما مائة وعشرين مسكينا صح عنهما من غير تعيين ; لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى نية التعيين قيد بقوله عن ظهارين ; لأنه لو كان عليه كفارة يمين وكفارة ظهار وكفارة قتل فأعتق عبيدا عن الكفارات لا يجزئه عن الكفارة ولو أعتق كل رقبة ناويا عن واحد منها لا بعينها جاز بالإجماع ولا يضر جهالة المكفر عنه كذا في المحيط

                                                                                        . ( قوله وإن حرر عنهما رقبة أو صام شهرين صح عن واحد وعن ظهار وقتل لا ) ; لأن نية التعيين في الجنس الواحد لغو ، وفي المختلف مفيد فإذا لغا له أن يعين أيهما شاء ويجامع مع تلك المرأة التي عينها وأراد بالرقبة المؤمنة ، أما لو أعتق كافرة عن ظهار وقتل كان عن الظهار وإن اختلف الجنس ; لأن الكافرة لا تصلح لكفارة القتل وجعل له في البدائع نظيرا حسنا هو ما إذا جمع بين المرأة وبنتها أو أختها ونكحهما معا فإن كانتا فارغتين لم يصح العقد على كل منهما وإن كانت إحداهما متزوجة صح في الفارغة ، والأصل أن ما اختلف سببه فهو المختلف وما اتحد سببه فهو المتحد فالصلوات كلها من قبيل المختلف حتى الظهرين من يومين وصوم أيام رمضان من قبيل المتحد إن كان في سنة واحدة وإن كان من سنتين فهو من قبيل المختلف .

                                                                                        ولو نوى ظهرا أو عصرا أو صلاة جنازة لم يكن شارعا في واحدة منهما للتنافي وعدم الرجحان ، ولو نوى ظهرا ونفلا لم يكن شارعا أصلا عند محمد للتنافي وعند أبي يوسف يقع عن الفرض ; لأنه أقوى ، ولو نوى صوم القضاء والنفل أو الزكاة والتطوع أو الحج المنذور ، والتطوع يكون تطوعا عند محمد لبطلانهما بالتعارض فانصرف إلى النفل وعن أبي يوسف يقع عن الأقوى ترجيحا له عند التعارض ، ولو نوى حجة الإسلام والتطوع فهو عن الحجة اتفاقا للقوة عند الثاني ولبطلان الجهة بالتعارض وهي تتأدى بالمطلق ثم اعلم أن من عليه كفارات أيمان أعتق عن إحداهن وأطعم عن أخرى وكسا عن أخرى أو أعتق عنها عبدا ولا ينوي كل واحدة بعينها جاز استحسانا خلافا لزفر نظرا إلى أنهما مختلفان ونحن نقول الجنس متحد فهو كالصوم بخلاف صلاة الظهر ; لأنه نية التعيين ثمة لم تشترط باعتبار أن الواجب مختلف متعدد بل باعتبار أن مراعاة الترتيب واجبة عليه ولا يمكنه مراعاة الترتيب إلا بنية التعيين حتى لو سقط الترتيب بكثرة الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير ، كذا في المحيط وهو تفصيل حسن في الصلوات ينبغي حفظه .

                                                                                        والحاصل أنه إذا نوى [ ص: 121 ] شيئين فإن كانا فرضين لم يصح اتفاقا وإن كان أحدهما فرضا والآخر نفلا فعند أبي يوسف يقع عن الأقوى سواء كان الأقوى يتأدى بمطلق النية كالصوم والحج أو لا كالصلاة وعند محمد في الأول يقع عن الفرض ; لأنه لما بطلت النيتان للتعارض بقي مطلق النية وفي الثاني لم يصح ، وفي فتح القدير ومما يعكر على الأصل الممهد ما عن أبي يوسف في المنتقى لو تصدق عن يمين وظهار فله أن يجعله عن أحدهما استحسانا ، وقدمنا في باب شروط الصلاة مسائل من هذا النوع فارجع إليه .

                                                                                        وقولهم هنا لو نوى ظهرا أو عصرا أو صلاة جنازة بواو العطف في صلاة الجنازة ; لأنها لو كانت بأو لم يصح ; لأنهم قالوا لو نوى ظهرا أو صلاة جنازة كان عن الظهر كما قدمناه ، ثم اعلم أن قولهم أن نية التعيين في الجنس الواحد لغو يرد عليه ما لو كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين فأعتق عبدا عن إحداهما صح التعيين وله أن يطأ التي كفر عنها دون الأخرى ولم يجب عنه في فتح القدير وهو بناء على ما فهمه من ظاهر العبارة أن المراد أن نية تعيين بعض الأفراد في الجنس المتحد لغو وقد قرر المراد في النهاية بما يدفع الإيراد فقال أراد به تعميم الجنس بالنية ألا ترى أنه إذا عين ظهار إحداهما للتكفير صح وحل له قربانها كذا في الفوائد الظهيرية والله أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ; لأن نية التعيين في الجنس الواحد لغو ) قال في العناية قيل معناه نوى التوزيع في الجنس الواحد فكانت لغوا وإذا لغت صار كأنه أعتق رقبة عن الظهارين ولم ينو عنهما وذلك جائز وله أن يصرفها إلى أيهما شاء فكذلك هاهنا بخلاف ما إذا كانت الكفارتان من جنسين مختلفين ; لأنه نوى التوزيع في الجنس المختلف فكانت معتبرة فلا يكون عن واحد منهما ( قوله وهو تفصيل حسن إلخ ) قال الزيلعي في مسائل شتى آخر الكتاب بعد نقله كلام المحيط ، وهذا مشكل وما ذكره أصحابنا قاضي خان وغيره خلاف ذلك وهو المعتمد لما ذكرنا من المعنى أي : من أن التعيين في الجنس الواحد لغو إلخ . قال : ولأن الأمر لو كان كما قاله في المحيط لجاز مع وجوب الترتيب أيضا لإمكان صرفه إلى الأول ; إذ لا يجب التعيين عند الترتيب ولا يفيد ا هـ .

                                                                                        [ ص: 121 ] ( قوله وقد قرر المراد في النهاية إلخ ) ومثله في الكفاية وحاصله أن المراد بالتعيين اللغو تعيين جميع أفراد الجنس لا فرد خاص ، وهذا معنى ما قدمناه عن العناية من تفسيره بالتوزيع وبهذا التقرير يندفع ما رجح به في الفتح قول محمد - رحمه الله - في المسألة المارة




                                                                                        الخدمات العلمية