الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا "الآية "؛ هنا: العلامة التي يعرف بها أن امرأته حملت؛ وأن الولادة آتية لا ريب؛ فإن الولد قرة عينه؛ وإنه آت لا محالة؛ لوعد الله (تعالى) به؛ وإن الله لا يخلف الميعاد؛ قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا وقد قال (تعالى) - في سورة "آل عمران " -: قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار

                                                          وقد ذكر الأيام في سورة "آل عمران "؛ والليالي في سورة "مريم "; للدلالة على أن العلامة هي ألا يكلم الناس ثلاثة أيام بلياليها؛ وكان ذكر الليالي في هذه السورة؛ لأنها مكية؛ وما كان العرب الأميون في مكة يعرفون الأيام إلا بالليالي؛ حيث يرون القمر؛ فهو شهر الأميين؛ والأيام الثلاثة قد حبس الله (تعالى) لسانه عن النطق؛ فما كان يتكلم إلا بالإشارة؛ كما قال (تعالى) - في سورة "آل عمران " -: ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا ؛ أي: بالإشارة؛ وأوضح الإشارات الكتابة؛ وقوله (تعالى): سويا حال من ضمير "تكلم "؛ أي: سوي الخلق؛ سليم [ ص: 4616 ] الحواس؛ أي: وحاستك سليمة؛ ولماذا كانت العلامة الدالة على وفاء الله ببشراه؛ وتنفيذها بالفعل؛ هي حبسه عن الكلام ثلاثة أيام متتابعة؛ وهو سليم الحواس؟ تلك إرادة الله (تعالى)؛ ولا يعلم إرادة الله إلا الله - سبحانه وتعالى -؛ وقد نتلمس معرفة بعض أسرار ذلك الحبس؛ فنقول: إنه - سبحانه وتعالى - قد أراد به العتب؛ لذكر غرابة البشرى؛ وقد يكون إعفاء لزكريا وامرأته من لجاجة القول عند الفضوليين من الناس؛ وقد يكون للانصراف إلى العبادة؛ والعكوف في منزله؛ أو المسجد الأقصى؛ قد يكون لذلك؛ أو لغيره؛ والعلم عند الله العليم الخبير.

                                                          ولما تأكد مجيء الولد؛ وكان على وشك المجيء؛ كان التسبيح والتكبير هو شكر الله (تعالى)؛ وكان ذلك منه؛ ومن قومه; لأنه ليكون لهم ولي لزكريا؛ له حنانه وعطفه ومحبته؛ ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية