الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير

جملة وقعت بدل اشتمال من جملة ( إن الله يدافع ) لأن دفاع الله عن الناس يكون تارة بالإذن لهم بمقاتلة من أراد الله مدافعتهم عنهم فإنه إذا أذن لهم بمقاتلتهم كان متكفلا لهم بالنصر .

وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ( أذن ) بالبناء للنائب . وقراه الباقون بالبناء إلى الفاعل .

[ ص: 273 ] وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص ، وأبو جعفر ( يقاتلون ) بفتح التاء الفوقية مبنيا إلى المجهول . وقرأه البقية بكسر التاء مبنيا للفاعل . والذين يقاتلون مراد بهم المؤمنون على كلتا القراءتين لأنهم إذا قوتلوا فقد قاتلوا . والقتال مستعمل في المعنى المجازي إما بمادته . وإما بصيغة المضي . فعلى قراءة فتح التاء فالمراد بالقتال فيه القتل المجازي . وهو الأذى . وأما على قراءة ( يقاتلون ) بكسر التاء فصيغة المضي مستعملة مجازا في التهيؤ والاستعداد . أي أذن للذين تهيئوا للقتال وانتظروا إذن الله . وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديدا فكان المسلمون يأتون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه . فيقول لهم : اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال . فلما هاجر نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة إذنا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم ولم يكن قتال قبل ذلك كما يؤذن به قوله تعالى عقب هذا الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق .

والباء في ( بأنهم ظلموا ) أراها متعلقة بـ ( أذن ) لتضمينه معنى الإخبار . أي أخبرناهم بأنهم مظلومون . وهذا الإخبار كناية عن الإذن للدفاع لأنك إذا قلت لأحد : إنك مظلوم ، فكأنك استعديته على ظالمه وذكرته بوجوب الدفاع ، وقرينة ذلك تعقيبه بقوله وإن الله على نصرهم لقدير ، ويكون قوله ( بأنهم ظلموا ) نائب فاعل ( أذن ) على قراءة ضم الهمزة أو مفعولا على قراءة فتح الهمزة . وذهب المفسرون إلى أن الباء سببية وأن المأذون به محذوف دل عليه قوله ( يقاتلون ) ، أي أذن لهم في القتال ، [ ص: 274 ] وهذا يجري على كلتا القراءتين في قوله ( يقاتلون ) ، والتفسير الذي رأيته أنسب وأرشق . وجملة وإن الله على نصرهم لقدير عطف على جملة أذن للذين يقاتلون ، أي أذن لهم بذلك وذكروا بقدرة الله على أن ينصرهم . وهذا وعد من الله بالنصر وارد على سنن كلام العظيم المقتدر بإيراد الوعد في صورة الإخبار بأن ذلك بمحل العلم منه ونحوه ، كقولهم : عسى أن يكون كذا ، أو أن عندنا خيرا ، أو نحو ذلك ، بحيث لا يبقى للمترقب شك في الفوز بمطلوبه .

وتوكيد هذا الخبر بحرف التوكيد لتحقيقه ، أو تعريض بتنزيلهم منزلة المتردد في ذلك لأنهم استبطأوا النصر .

التالي السابق


الخدمات العلمية