الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1084 - وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمنعن رجل أهله أن يأتوا المساجد " . فقال ابن لعبد الله بن عمر : فإنا نمنعهن . فقال عبد الله : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول هذا ؟ ! قال : فما كلمه عبد الله حتى مات . رواه أحمد .

التالي السابق


1084 - ( وعن مجاهد ، عن عبد الله بن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يمنعن رجل أهله ) أي : نساءه ( أن يأتوا المساجد ) : قال الطيبي : ذكر ضمير النساء تعظيما لهن حيث قصدن السلوك مسلك الرجال الركع والسجود ، كقوله تعالى : ( وكانت من القانتين ) .

وقول الشاعر :


وإن شئت حرمت النساء سواكم



( فقال ابن عبد الله بن عمر ) : وهو بلال ( فإنا نمنعهن . فقال عبد الله : أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول هذا ؟ قال ) أي : مجاهد ( فما كلمه عبد الله حتى مات ) أي : عبد الله ، قال الطيبي : عجبت ممن يتسمى بالسني إذا سمع من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وله رأي رجح رأيه عليها ، وأي فرق بينه وبين المبتدع ، أما سمع : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " ، وها هو ابن عمر ، وهو من أكابر الصحابة وفقهائها كيف غضب لله ورسوله وهجر فلذة كبده لتلك الهنة عبرة لأولي الألباب .

قلت : يشم من كلام الطيبي رائحة الكناية الاعتراضية على العلماء الحنفية ، ظنا منه أنهم يقدمون الرأي على الحديث ، ولذا يسمون أصحاب الرأي ، ولم يدر أنهم إنما سموا بذلك لدقة رأيهم وحذاقة عقلهم ، ولذا قال الشافعي : كل الناس عيال أبي حنيفة في الفقه ، وقد قال ابن حزم : إن جميع الحنفية على أن مذهب إمامهم أن ضعيف الحديث أولى عنده من الرأي والقياس [ ص: 847 ] ذكره السخاوي ، وقال ابن حجر في المناقب الحسان : اعلم أنه يتعين عليك أن لا تفهم من قول بعض العلماء عن أبي حنيفة وأصحابه ، أنهم أصحاب الرأي أن مرادهم بذلك تنقيصهم ولا نسبتهم إلى أنهم يقدمون رأيهم على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا على قول أصحابه ; لأنهم برآء من ذلك ، فقد جاء عن أبي حنيفة من طرق كثيرة أنه أولا يأخذ بما في القرآن ، فإن لم يجد فبالسنة ، فإن لم يجد فبقول الصحابة ، فإن اختلفوا أخذ بما كان أقرب إلى القرآن أو السنة من أقوالهم ، فإن لم يجد لأحد منهم قولا لم يأخذ بقول أحد من التابعين ، بل يجتهد كما اجتهدوا .

وقال ابن المبارك عنه : إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين ، وإذا جاء عن الصحابة اخترنا ، وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم ، وعنه أيضا : واعجبا للناس ، يقولون : أفتي بالرأي ، ما أفتي إلا بالأثر ، وعنه أيضا : ليس لأحد أن يقول برأيه مع كتاب الله ، ولا مع سنة رسوله ، ولا مع ما اجتمع عليه أصحابه ، وأما ما اختلفوا فيه فنتخير من أقاويلهم أقربه إلى كتاب الله تعالى وإلى السنة ونجتهد ، وما جاوز ذلك فالاجتهاد بالرأي لمن عرف الاختلاف ، ولدقة قياسات مذهبه كان المزني يكثر النظر في كلامهم ، حتى حمل ابن أخته الإمام الطحاوي على أن انتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة ، كما صرح به الطحاوي نفسه اهـ .

قال ابن الهمام : اعلم أنه صح عنه عليه السلام أنه قال : " لا تمنعوا إماء الله مساجد الله " ، وقوله : " إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعنها " . والعلماء خصوه بأمور منصوص عليها ومقيسة ، فمن الأول ما صح أنه عليه السلام قال : " ، أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء " وكونه ليلا في بعض الطرق في مسلم " لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد إلا بالليل " ومن الثاني ، حسن الملابس ، ومزاحمة الرجال ; لأن إخراج الطيب لتحريك الداعية ، فلما فقد الآن منهن هذا ; لأنهن يتكلفن للخروج ما لم يكن عليه في المنزل منعن مطلقا ، لا يقال هذا حينئذ نسخ بالتعليل ; لأنا نقول المنع حينئذ ثبت بالعمومات المانعة من الفتن ، أو هو من باب الإطلاق بشرط ، فيزول بزواله كانتهاء الحاكم بانتهاء علته .

وقد قالت عائشة في الصحيح : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدثت النساء بعده ، لمنعهن كما منعت نساء بني إسرائيل ، على أن فيه ما رواه ابن عبد البر بسنده في التمهيد ، عن عائشة ترفعه : " أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المساجد ، فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبخترن في المساجد " ، وبالنظر إلى التعليل المذكور منعت غير المتزينة ، أيضا لغلبة الفساق ليلا ، وإن كان النص يبيحه ; لأن الفساق في زماننا كثر انتشارهم وتعرضهم بالليل ، بخلاف الصبح فإن الغالب نومهم في وقته ، بل عمم المتأخرون المنع للعجائز والشواب في الصلوات كلها لغلبة الفساد في سائر الأوقات اهـ . كلام المحقق رحمه الله تعالى . ( رواه أحمد ) .




الخدمات العلمية