الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  معنى الحقد ونتائجه الوخيمة وفضيلة الرفق :

                                                                  اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفي في الحال ، رجع إلى الباطن واحتقن فيه ، فصار حقدا ، ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله والبغضة له والنفار عنه ، وأن يدوم ذلك ويبقى ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " المؤمن ليس بحقود " . والحقد ثمرة الغضب ، والحقد يثمر أمورا منكرة :

                                                                  الأول : الحسد وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه ، فتغتم بنعمة إن أصابها ، وتسر بمصيبة إن نزلت به ، وهذا من فعل المنافقين .

                                                                  الثاني : أن يزيد على إضمار الحسد في الباطن فيشمت بما أصابه من البلاء .

                                                                  الثالث : أن تهجره وتصارمه وتنقطع عنه وإن طلبك وأقبل عليك .

                                                                  الرابع : وهو دونه أن تعرض عنه استصغارا له .

                                                                  الخامس : أن تتكلم فيه بما لا يحل من كذب ، وغيبة ، وإفشاء سر ، وهتك ستر وعورة .

                                                                  السادس : أن تحاكيه استهزاء به وسخرية منه .

                                                                  السابع : إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه .

                                                                  الثامن : أن تمنعه حقه من قضاء دين ، أو صلة رحم ، أو رد مظلمة ، وكل ذلك حرام . وأقل [ ص: 212 ] درجات الحقد لو احترز عن هذه الآفات الثماني أن يترك البشاشة ، أو الرفق ، والعناية ، والقيام بحاجاته ، أو المعاونة على المنفعة له ، وكله مما ينقص الدرجة في الدين ، ويفوت الثواب الجزيل .

                                                                  ولما حلف " أبو بكر " رضي الله عنه أن لا ينفق على " مسطح " - وكان قريبه - لأمر ما ، نزل قوله تعالى : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) [ النور : 22 ] فقال " أبو بكر " : " نعم نحب ذلك " وعاد إلى الإنفاق عليه . . . والأولى أن يبقى على ما كان عليه ، فإن أمكنه أن يزيد في الإحسان مجاهدة للنفس وإرغاما للشيطان ، فذلك مقام الصديقين ، وهو من

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية