nindex.php?page=treesubj&link=29009_18669_31771_34264nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين nindex.php?page=treesubj&link=29009_31766_31771_32405_34264nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين
فإن قلت: ما وجه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خلقت بيدي قلت: قد سبق لنا أن ذا اليدين يباشر أكثر أعماله بيديه، فغلبت العمل باليدين على سائر الأعمال التي تباشر بغيرهما، حتى قيل في عمل القلب: هو مما عملت يداك، وحتى قيل لمن لا يدي له: يداك أوكتا وفوك نفخ، وحتى لم يبق فرق بين قولك: هذا مما عملته، وهذا مما عملته يداك. ومنه قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا أنعاما [يس: 71]، و
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي . فإن قلت: فما معنى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي [ص: 75]؟ قلت: الوجه الذي استنكر له إبليس السجود
لآدم، واستنكف منه أنه سجود لمخلوق، فذهب بنفسه، وتكبر أن يكون سجوده لغير الخالق، وانضم إلى ذلك أن
آدم مخلوق من طين وهو مخلوق من نار. ورأى للنار فضلا على الطين فاستعظم أن يسجد لمخلوق مع فضله عليه في المنصب، وزل عنه أن الله سبحانه حين أمر به أعز عباده عليه وأقربهم منه زلفى وهم الملائكة، وهم أحق
[ ص: 282 ] بأن يذهبوا بأنفسهم عن التواضع للبشر الضئيل، ويستنكفوا من السجود له من غيرهم، ثم لم يفعلوا وتبعوا أمر الله وجعلوه قدام أعينهم، ولم يلتفتوا إلى التفاوت بين الساجد والمسجود له; تعظيما لأمر ربهم وإجلالا لخطابه -كان هو مع انحطاطه عن مراتبهم حري بأن يقتدي بهم ويقتفى أثرهم، ويعلم أنهم في السجود لمن هو دونهم بأمر الله أوغل في عبادته منهم في السجود له; لما فيه من طرح الكبرياء وخفض الجناح، فقيل له: ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟ أي: ما منعك من السجود لشيء هو كما تقول مخلوق خلقته بيدي- لا شك في كونه مخلوقا امتثالا لأمري وإعظاما لخطابي كما فعلت الملائكة؟ فذكر له ما تركه من السجود مع ذكر العلة التي تشبث بها في تركه، وقيل له: لما تركته مع وجود هذه العلة، وقد أمرك الله به؟ يعني: كان عليك أن تعتبر أمر الله ولا تعتبر هذه العلة، ومثاله: أن يأمر الملك وزيره أن يزور بعض سقاط الحشم فيمتنع اعتبارا لسقوطه، فيقول له: ما منعك أن تتواضع لمن لا يخفى علي سقوطه، يريد: هلا اعتبرت أمري
[ ص: 283 ] وخطابي وتركت اعتبار سقوطه، وفيه: أني خلقته بيدي، فأنا أعلم بحاله، ومع ذلك أمرت الملائكة بأن يسجدوا له لداعي حكمة دعاني إليه: من إنعام عليه بالتكرمة السنية وابتلاء للملائكة، فمن أنت حتى يصرفك عن السجود له، ما لم يصرفني عن الأمر بالسجود له؟ وقيل: معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي لما خلقت بغير واسطة. وقرئ: (بيدي) كما قرئ: (بمصرخي)، وقرئ: (بيدي) على التوحيد.
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75من العالين ممن علوت وفقت، فأجاب بأنه من العالين حيث
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قال أنا خير منه وقيل: "أستكبرت" الآن، أم لم تزل مند كنت من المستكبرين. ومعنى الهمزة: التقرير، وقرئ: (استكبرت) بحذف حرف الاستفهام; لأن أم تدل عليه، أو بمعنى الإخبار، هذا على سبيل الأولى، أي: لو كان مخلوقا من نار لما سجدت له; لأنه مخلوق مثلي، فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله؟ وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهي
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76خلقتني من نار مجرى المعطوف عطف البيان من المعطوف عليه في البيان والإيضاح.
nindex.php?page=treesubj&link=29009_18669_31771_34264nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ nindex.php?page=treesubj&link=29009_31766_31771_32405_34264nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
فَإِنْ قُلْتَ: مَا وَجْهُ قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خَلَقْتُ بِيَدَيَّ قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ لَنَا أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ يُبَاشِرُ أَكْثَرَ أَعْمَالِهِ بِيَدَيْهِ، فَغَلَبَتِ الْعَمَلَ بِالْيَدَيْنِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تُبَاشِرُ بِغَيْرِهِمَا، حَتَّى قِيلَ في عَمَلِ الْقَلْبِ: هُوَ مِمَّا عَمِلَتْ يَدَاكَ، وَحَتَّى قِيلَ لِمَنْ لَا يَدِي لَهُ: يَدَاكَ أَوْكَتَا وَفُوكَ نَفْخٌ، وَحَتَّى لَمْ يَبْقَ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِكَ: هَذَا مِمَّا عَمِلَتْهُ، وَهَذَا مِمَّا عَمِلَتْهُ يَدَاكَ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [يس: 71]، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ . فَإِنْ قُلْتَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75]؟ قُلْتُ: الْوَجْهُ الَّذِي اسْتَنْكَرَ لَهُ إِبْلِيسُ السُّجُودَ
لِآدَمَ، وَاسْتَنْكَفَ مِنْهُ أَنَّهُ سُجُودٌ لِمَخْلُوقٍ، فَذَهَبَ بِنَفْسِهِ، وَتَكَبَّرَ أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ لِغَيْرِ الْخَالِقِ، وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ
آدَمَ مَخْلُوقٌ مِنْ طِينٍ وَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ نَارٍ. وَرَأَى لِلنَّارِ فَضْلًا عَلَى الطِّينِ فَاسْتَعْظَمَ أَنْ يَسْجُدَ لِمَخْلُوقٍ مَعَ فَضْلِهِ عَلَيْهِ في الْمَنْصِبِ، وَزَلَّ عَنْهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ حِينَ أَمَرَ بِهِ أَعَزَّ عِبَادَهُ عَلَيْهِ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ زُلْفى وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَهُمْ أَحَقُّ
[ ص: 282 ] بِأَنْ يَذْهَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنِ التَّوَاضُعِ لِلْبَشَرِ الضَّئِيلِ، وَيَسْتَنْكِفُوا مِنَ السُّجُودِ لَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ لَمَّ يَفْعَلُوا وَتَبِعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَجَعَلُوهُ قُدَّامَ أَعْيُنِهِمْ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَ السَّاجِدِ وَالْمَسْجُودِ لَهُ; تَعْظِيمًا لِأَمْرِ رَبِّهِمْ وَإِجْلَالًا لِخِطَابِهِ -كَانَ هُوَ مَعَ انْحِطَاطِهِ عَنْ مَرَاتِبِهِمْ حَرِيٌّ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمْ وَيَقْتَفى أَثَرَهُمْ، وَيَعْلَمَ أَنَّهُمْ في السُّجُودِ لِمَنْ هُوَ دُونَهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ أَوْغَلَ في عِبَادَتِهِ مِنْهُمْ في السُّجُودِ لَهُ; لِمَا فيهِ مِنْ طَرْحِ الْكِبْرِيَاءِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَّا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ؟ أَيْ: مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ لِشَيْءٍ هُوَ كَمَا تَقُولُ مَخْلُوقٌ خَلَقْتُهُ بِيَدِي- لَا شَكَّ في كَوْنِهِ مَخْلُوقًا امْتِثَالًا لِأَمْرِي وَإِعْظَامًا لِخِطَابِي كَمَا فَعَلَتِ الْمَلَائِكَةُ؟ فَذَكَرَ لَهُ مَا تَرَكَهُ مِنَ السُّجُودِ مَعَ ذِكْرِ الْعِلَّةِ الَّتِي تَشَبَّثَ بِهَا في تَرْكِهِ، وَقِيلَ لَهُ: لَمَّا تَرَكَتْهُ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَقَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ؟ يَعْنِي: كَانَ عَلَيْكَ أَنْ تَعْتَبِرَ أَمْرَ اللَّهِ وَلَا تَعْتَبِرَ هَذِهِ الْعِلَّةَ، وَمِثَالُهُ: أَنْ يَأْمُرَ الْمَلِكُ وَزِيرَهُ أَنْ يَزُورَ بَعْضُ سِقَاطِ الْحَشَمِ فيمْتَنِعُ اعْتِبَارًا لِسُقُوطِهِ، فيقُولُ لَهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَتَوَاضَعَ لِمَنْ لَا يَخْفى عَلَيَّ سُقُوطُهُ، يُرِيدُ: هَلَّا اعْتَبَرْتَ أَمْرِي
[ ص: 283 ] وَخِطَابِي وَتَرَكْتَ اعْتِبَارَ سُقُوطِهِ، وَفيهِ: أَنِّي خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ، فَأَنَا أَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَمَرْتُ الْمَلَائِكَةَ بِأَنْ يَسْجُدُوا لَهُ لِدَاعِي حِكْمَةٍ دَعَانِي إِلَيْهِ: مَنْ إِنْعَامٍ عَلَيْهِ بِالتَّكْرِمَةِ السُّنِّيَّةِ وَابْتِلَاءٌ لِلْمَلَائِكَةِ، فَمَنْ أَنْتَ حَتَّى يَصْرِفَكَ عَنِ السُّجُودِ لَهُ، مَا لَمْ يَصْرِفْنِي عَنِ الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ لَهُ؟ وَقِيلَ: مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ لَمَّا خُلِقَتْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. وَقُرِئَ: (بِيَدِي) كَمَا قُرِئَ: (بِمُصْرِخِيَّ)، وَقُرِئَ: (بِيَدِي) عَلَى التَّوْحِيدِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مِنَ الْعَالِينَ مِمَّنْ عَلَوْتَ وُفِّقْتَ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مِنَ الْعَالِينَ حَيْثُ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ وَقِيلَ: "أَسْتَكْبَرْتَ" الْآنَ، أَمْ لَمْ تَزَلْ مُنْدُ كُنْتَ مِنَ الْمُسْتَكْبِرِينَ. وَمَعْنَى الْهَمْزَةِ: التَّقْرِيرُ، وَقُرِئَ: (اسْتَكْبَرْتَ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ; لِأَنَّ أَمْ تَدُلُّ عَلَيْهِ، أَوْ بِمَعْنَى الْإِخْبَارِ، هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَى، أَيْ: لَوْ كَانَ مَخْلُوقًا مِنْ نَارٍ لَمَا سَجَدْتَ لَهُ; لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِثْلِي، فَكَيْفَ أَسْجُدُ لِمَنْ هُوَ دُونِي لِأَنَّهُ مَنْ طِينٍ وَالنَّارُ تَغْلِبُ الطِّينَ وَتَأْكُلُهُ؟ وَقَدْ جَرَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ مِنَ الْأُولَى وَهِيَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ مَجْرَى الْمَعْطُوفِ عَطْفُ الْبَيَانِ مِنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ في الْبَيَانِ وَالْإِيضَاحِ.