الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 301 ) مسألة : قال : ( ولا يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة إذا خلت بالماء ) اختلفت الرواية عن أحمد ، رحمه الله ، في وضوء الرجل بفضل وضوء المرأة إذا خلت به ، والمشهور عنه : أنه لا يجوز ذلك . وهو قول عبد الله بن سرجس والحسن وغنيم بن قيس وهو قول ابن عمر في الحائض والجنب . قال أحمد : قد كرهه غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأما إذا كان جميعا فلا بأس .

                                                                                                                                            والثانية ، يجوز الوضوء به للرجال والنساء . اختارها ابن عقيل وهو قول أكثر أهل العلم ; لما روى مسلم في صحيحه قال { : كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بفضل وضوء ميمونة وقالت ميمونة : اغتسلت من جفنة ، ففضلت فيها فضلة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل ، فقلت : إني قد اغتسلت منه ، فقال : الماء ليس على جنابة } ولأنه ماء طهور ، جاز للمرأة الوضوء به ، فجاز للرجل كفضل الرجل .

                                                                                                                                            ووجه الرواية الأولى ما روى الحكم بن عمرو { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة } . قال الترمذي : هذا حديث حسن ورواه ، أبو داود ، وابن ماجه : قال الخطابي : قال محمد بن إسماعيل : خبر الأقرع لا يصح . والصحيح في هذا خبر عبد الله بن سرجس ، وهو موقوف ، ومن رفعه فقد أخطأ . قلنا : قد رواه أحمد ، واحتج به ، وهذا يقدم على التضعيف ; لاحتمال أن يكون قد روي من وجه صحيح خفي على من ضعفه

                                                                                                                                            ، وأيضا [ ص: 137 ] فإنه قول جماعة من الصحابة ، قال أحمد : أكثر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إذا خلت بالماء فلا يتوضأ منه . فأما حديث ميمونة فقد قال أحمد : أنفيه ; لحال سماك ، ليس أحد يرويه غيره . وقال : هذا فيه اختلاف شديد ، بعضهم يرفعه ، وبعضهم لا يرفعه .

                                                                                                                                            ولأنه يحتمل أنها لم تخل به ، فيجعل عليه ، جمعا بين الخبرين .

                                                                                                                                            ( 302 ) فصل : واختلف أصحابنا في تفسير الخلوة به ، فقال الشريف أبو جعفر قولا يدل على أن الخلوة هي أن لا يحضرها من لا تحصل الخلوة في النكاح بحضوره ، سواء كان رجلا ، أو امرأة ، أو صبيا عاقلا ; لأنها إحدى الخلوتين ، فنافاها حضور أحد هؤلاء كالأخرى . وقال القاضي : هي أن لا يشاهدها رجل مسلم ، فإن شاهدها صبي أو امرأة أو رجل كافر ، لم تخرج بحضورهم عن الخلوة . وذهب بعض الأصحاب إلى أن الخلوة استعمالها للماء من غير مشاركة الرجل في استعماله ; لأن أحمد قال : إذا خلت به فلا يعجبني أن يغتسل هو به .

                                                                                                                                            وإذا شرعا فيه جميعا فلا بأس به ; لقول عبد الله بن سرجس : اغتسلا جميعا ; هو هكذا ، وأنت هكذا - قال عبد الواحد في إشارته : كان الإناء بينهما - وإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم . وقد { كانت عائشة تغتسل هي ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، يغترفان منه جميعا } . متفق عليه ، فيخص بهذا عموم النهي وبقينا فيما عداه على العموم .

                                                                                                                                            ( 303 ) فصل : فإن خلت به في بعض أعضائها ، أو في تجديد طهارة ، أو استنجاء ، أو غسل نجاسة ، ففيه وجهان : أحدهما المنع ; لأنه طهارة شرعية . والثاني لا يمنع ; لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة .

                                                                                                                                            وإن خلت به ذمية في اغتسالها ، ففيه وجهان : أحدهما . هو كخلوة المسلمة ; لأنها أدنى حالا من المسلمة وأبعد من الطهارة ، وقد تعلق بغسلها حكم ، شرعي ، وهو حل وطئها إذا اغتسلت من الحيض وأمرها به إذا كان من جنابة ; والثاني لا يؤثر ; لأن طهارتها لا تصح ، فهي كتبردها . وإن خلت المرأة بالماء في تبردها ، أو تنظيفها ، أو غسل ثوبها من الوسخ ، لم يؤثر ; لأنه ليس بطهارة .

                                                                                                                                            ( 304 ) فصل : وإنما تؤثر خلوتها في الماء القليل ، وما بلغ القلتين لا تؤثر خلوتها فيه ; لأن حقيقة النجاسة والحدث لا تؤثر فيه ، فوهم ذلك أولى .

                                                                                                                                            ( 305 ) فصل : ومنع الرجل من استعمال فضلة طهور المرأة تعبدي غير معقول المعنى ، نص عليه أحمد ولذلك يباح لامرأة سواها التطهر به في طهارة الحدث ، وغسل النجاسة ، وغيرهما ; لأن النهي اختص الرجل ولم يعقل معناه ، فيجب قصره على محل النهي ، وهل يجوز للرجل غسل النجاسة به ؟ فيه وجهان : أحدهما لا يجوز . وهو قول القاضي ; لأنه مانع لا يرفع حدثه ، فلم يزل النجس ، كسائر المائعات . والثاني يجوز . وهو الصحيح ; لأنه ماء يطهر المرأة من الحدث والنجاسة ، ويزيلها من المحال كلها إذا فعلته ، فيزيلها إذا فعله الرجل كسائر المياه ; ولأنه ماء يزيل النجاسة بمباشرة المرأة ، فيزيلها إذا فعله الرجل ، كسائر المياه ، والحديث لا نعقل علته ، فيقتصر على ما ورد به لفظه ، ونحو هذا يحكى عن ابن أبي موسى والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية