الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قيد بالموت ; لأن سقوط النفقة المقضي بها بالطلاق مختلف فيه فجزم في النقاية بسقوطها به كالموت مسويا بينهما ، وكذا في الجوهرة وذكر في الخانية [ ص: 206 ] والظهيرية وكما تسقط المفروضة بموت أحد الزوجين هل تسقط بالطلاق اختلفوا فيه فقال بعضهم لا تسقط ، وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي وجدت رواية في السقوط وذكر البقالي أن على قول محمد تسقط ولا رواية عن أبي يوسف وذكر شمس الأئمة الحلواني زاد في الخصاف لسقوط النفقة المفروضة سببا آخر فقال تسقط بموته وموتها وتسقط إذا طلقها أو أبانها ا هـ .

                                                                                        هذه عبارتها باللفظ وفي الخلاصة والبزازية وهل تسقط النفقة المفروضة بالطلاق حكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي أنها تسقط وفي فتاوى البقالي ذكر الاختلاف بين أبي يوسف ومحمد ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة لو طلقها الزوج في هذا الوجه يسقط ما اجتمع عليه من النفقات بعد فرض القاضي كذا حكي عن القاضي الإمام أبي علي النسفي وكان يقول وجدنا رواية هذه المسألة في كتاب القاضي وبه كان يفتي الصدر الشهيد والشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني وشبهه بالذمي إذا اجتمع عليه خراج رأسه ، ثم أسلم يسقط عنه ما كان اجتمع عليه ووجه التشبيه به أن الذمي إنما كان يؤخذ منه خراج النفس لإصراره على الدين الباطل ، وقد زال ذلك المعنى بالإسلام فتسقط الجزية كذا ها هنا المرأة إنما تستحق النفقة بالوصلة التي كانت بينهما وتلك الوصلة قد انقطعت بالطلاق فأما إذا كانت النفقة مستدانة بأمر القاضي فإنها لا تسقط بالطلاق وهو الصحيح لما ذكرنا أنه كاستدانة الزوج بنفسه ا هـ .

                                                                                        ما في الذخيرة وفي المجتبى ، ولو طلقها الزوج في هذه الوجوه فإنه يسقط ما اجتمع عليه من النفقات بعد فرض القاضي ا هـ .

                                                                                        فقد ظهر من هذا أن الراجح عندهم سقوطها بالطلاق كالموت خصوصا قد أفتى به الشيخان كما في الذخيرة وظاهر كلامهم أنه لا فرق فيه بين الطلاق الرجعي والبائن ; لأنه في عبارة الخانية والظهيرية قد عطف البائن على الطلاق فعلم أن الطلاق رجعي قال العبد الضعيف ينبغي ضعف القول بسقوطها بالطلاق ، ولو بائنا لأمور ، الأول أنهم اتفقوا على أنه يحبس في النفقة المفروضة إذا امتنع من دفعها ، ولو كانت تسقط بالطلاق لأمكنه أن يطلقها فتسقط ثم يراجعها ، الثاني أنهم صرحوا بجواز أخذ الكفيل بالنفقة المفروضة بقدر المدة التي فرضها القاضي مع أن الكفالة لا تصح إلا بدين صحيح قالوا وهو الذي لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء فلو كان دين النفقة يسقط بالطلاق لم يكن صحيحا فلم تصح الكفالة به ولا يضرنا سقوطه بموت أحدهما ; لأنه لعارض أن أصله صلة والصلات تسقط بالموت قبل القبض ، الثالث وهو أقواها ما ذكروه في باب الخلع فإن الكل قد ذكروا أن الطلاق على مال لا يسقط شيئا من حقوق النكاح بخلاف الخلع على مال ولا بأس بذكر عباراتهم قال في البدائع ولا خلاف بينهم في الطلاق على مال أنه لا يبرأ به من سائر الحقوق التي وجبت لها بسبب النكاح ا هـ .

                                                                                        فقد أفاد عدم سقوط النفقة والكسوة المفروضتين بالطلاق على مال ; لأنه صرح بسائر الحقوق وهي ثلاثة المهر والنفقة والكسوة ولا يمكن حمله على المهر فقط ; لأنه يبطل به قوله سائر الحقوق ، وقال قبله ، وأما حكم الخلع فإن كان بغير بدل بأن قال خالعتك ونوى به الطلاق فحكمه أن يقع الطلاق ولا يسقط شيء من المهر والنفقة الماضية وإن كان ببدل إلى آخره فهذا صريح في المسألة أيضا وفي غاية البيان أما إذا كان العقد بلفظ الطلاق على مال فهل تقع البراءة عن الحقوق المتعلقة بالنكاح ففي ظاهر الرواية تقع ; لأن لفظ الطلاق لا يدل على إسقاط الحق الواجب بالنكاح وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة تقع البراءة عنها لإتمام المقصود ا هـ .

                                                                                        وظاهره أن الطلاق إذا لم يكن على مال لا يسقط شيئا من الحقوق الواجبة اتفاقا فهذا كله يدل على ضعف الرواية السابقة خصوصا أن مفهوم الكتب حجة ، وقد قيدوا سقوطها بموت أحدهما ، وظاهر ما في الخانية والظهيرية أن الخصاف [ ص: 207 ] زاد الطلاق من عنده وليس له أصل في المذهب فالذي يتعين المصير إليه على كل مفت وقاض اعتماد عدم السقوط خصوصا ما تضمنه القول بالسقوط من الإضرار بالنساء حتى استفتيت وقت تأليف هذا المحل عن امرأة لها كسوة مفروضة تجمد لها عشر سنين ولم يدفع لها الزوج ، ثم إنها رفعته إلى قاض وحكم عليه بالدفع فاستمهلها يوما ، ثم ذهب إلى قاض رومي وخلعها عنده بغير علمها فحكم له القاضي الحنفي بسقوط الكسوة الماضية ولا يخفى ما في ذلك من الضرر فإن قلت لم لم تعتمد على تصحيح الزيلعي بقوله : وكذا لا تسقط بالطلاق في الصحيح لما ذكرنا قلت : لأن كلامه في النفقة المستدانة بأمر القاضي وكلامنا في المفروضة فقط

                                                                                        [ ص: 205 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 205 ] ( قوله : قيد بالموت إلخ ) قال الرملي قيد السقوط بالطلاق شيخنا الشيخ محمد بن سراج الدين الحانوتي بما إذا مضى شهر يعني فأزيد وهو قيد لا بد منه تأمل [ ص: 206 ] ( قوله : هذه عبارتهما باللفظ ) أي عبارة الخانية والظهيرية بلفظها من غير تغيير . ( قوله : قد أفتى به الشيخان ) أي الصدر الشهيد وظهير الدين المرغيناني [ ص: 207 ]

                                                                                        ( قوله : فالذي يتعين المصير إليه إلخ ) سيرجح خلاف هذا عند قول المتن ولمعتدة الطلاق وأيضا نازعه العلامة المقدسي في شرحه فبحث فيما ذكره من الأمر الأول بأن ما كل أحد يعلم هذا فيتوقف على أن يعلمه مفت ماجن وأيضا يتوقف على أن يحكم به حنفي عالم بالشروط فقد يدعي عند الشافعي ونحوه فيحكم لها باللزوم فيضيع طلاقه وفي الأمر الثاني بأن ما ذكره من أنه يسقط بالموت اتفاقا يكفينا مؤنة رده فيقال له لو كان يسقط بالموت لما صح التكفيل به فنقول كان القياس ذلك لكن استحسن صحة التكفيل شفقة عليهن وامتثالا لوصية الشارع بهن فذا مما خرج عن الأصل ضرورة ، وجعله الموت من العوارض دون الطلاق تحكم بلا ريب وفي الثالث بأن قوله إنه صرح في البدائع بأنه يبطل سائر الحقوق مردود ; لأن سائر يجيء بمعنى جميع فتكون القضية جزئية قصد بها سلب العموم لا عموم السلب ويكفي فيه تعلقه بالمهر فقط وأيضا يمكن حمل الحقوق التي لا تسقط بالطلاق على المهر ونفقة ما دون الشهر ونفقة استدين عليها بأمر فلا يبعد إطلاق جميع الحقوق عليها ثم قال : ثم إن نسبته الخصاف إلى أنه زاد الطلاق من عنده إن أراد أنه لم يستنبطه من كلام المشايخ المتقدمين وأصولهم المعتمدة فهو جراءة عظيمة على هذا الإمام الذي قال عنه الإمام الحلواني إنه كبير في العلم يليق الاقتداء به والذي يتعين المصير إليه أن يقال يتأمل عند الفتوى كما يقع .

                                                                                        وجرت به عادة المشايخ رحمهم الله تعالى في هذا المقام فإن هذه الرواية لم يظهر ضعفها كيف وقد أفتى الشيخان الصدر الشهيد والمرغيناني وذكرت في المتون كالوقاية والنقاية والإصلاح والغرر وغيرها وظهر ضعف الوجوه التي قوى بها خلاف تلك الرواية ولهذا توقفت كثيرا في الفتوى بالسقوط مع ما ظهر لي من الأبحاث المذكورة وظفرت بنقل صريح في تصحيح عدم السقوط في خزانة المفتين فليتأمل عند الفتوى وفي الجواهر أنه لا ينبغي أن يفتى بسقوطها بالطلاق الرجعي لئلا يتخذها الناس وسيلة لقطع حق النساء ا هـ .

                                                                                        كلام المقدسي رحمه الله تعالى ، فقد رجع إلى ما قاله المؤلف رحمه الله وإن قال أخوه في النهر فيه نظر وبين وجهه الرملي ببعض ما مر ، وقال إن المؤلف قد أفتى في فتاويه بالسقوط ا هـ .

                                                                                        والذي اعتمده في منح الغفار ما في جواهر الفتاوى من أن الفتوى على عدم السقوط بالرجعي واقتصر عليه القهستاني ، وقال الشيخ علاء الدين واستحسنه محشي الأشباه وبالسقوط مطلقا أفتى شيخنا الرملي لكن صحح الشرنبلالي في شرحه للوهبانية ما بحثه في البحر قال وهو الأصح ورد ما ذكره ابن الشحنة فتأمل عند الفتوى ا هـ .

                                                                                        وهو يشعر بميله إلى ما بحثه المؤلف ، وقد علمت تصحيحه وعبارة الزيلعي محتملة لأن يكون المراد بما صححه هو هذا كما فهمه الشرنبلالي فاستدل بها وليست صريحة فيما حمله عليها المؤلف ، بل المتبادر منها الأول لما يعلم من مراجعتها .

                                                                                        والحاصل أنه قد اختلف الإفتاء والتصحيح في هذه المسألة فينبغي كما قال بعض الفضلاء أن يتأمل المفتي عند الفتوى بأن ينظر في حال الرجل هل فعل ذلك تخلصا من النفقة أو لسوء أخلاقها مثلا




                                                                                        الخدمات العلمية