الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( وهو الحكيم الخبير ) والمراد من كونه حكيما أن يكون مصيبا في أفعاله ، ومن كونه خبيرا ، كونه عالما بحقائقها من غير اشتباه ومن غير التباس . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قد ذكرنا في كثير من هذا الكتاب أنه ليس المراد بقوله : ( كن فيكون ) خطابا وأمرا ؛ لأن ذلك الأمر إن كان للمعدوم فهو محال ، وإن كان للموجود فهو أمر بأن يصير الموجود موجودا وهو محال ، بل المراد منه التنبيه على نفاذ قدرته ومشيئته في تكوين الكائنات وإيجاد الموجودات .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : قوله : ( يوم ينفخ في الصور ) ولا شبهة أن المراد منه يوم الحشر ، ولا شبهة عند أهل الإسلام أن الله سبحانه خلق قرنا ينفخ فيه ملك من الملائكة ، وذلك القرن يسمى بالصور على ما ذكر الله تعالى هذا المعنى في مواضع من الكتاب الكريم ، ولكنهم اختلفوا في المراد بالصور في هذه الآية على قولين :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : أن المراد منه ذلك القرن الذي ينفخ فيه وصفته مذكورة في سائر السور .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : إن الصور جمع صورة والنفخ في الصور عبارة عن النفخ في صور الموتى ، وقال أبو عبيدة : الصور جمع صورة مثل صوف وصوفة . قال الواحدي - رحمه الله - : أخبرني أبو الفضل العروضي عن الأزهري عن المنذري عن أبي الهيثم : أنه قال : ادعى قوم أن الصور جمع الصورة كما أن الصوف جمع الصوفة والثوم جمع الثومة ، وروي ذلك عن أبي عبيدة قال أبو الهيثم : وهذا خطأ فاحش لأن الله تعالى قال : ( وصوركم فأحسن صوركم ) [ غافر : 64 ] وقال : ( ونفخ في الصور ) [ الكهف : 99 ] فمن قرأ (ونفخ في الصور) ، وقرأ (فأحسن صوركم) فقد افترى الكذب ، وبدل كتاب الله ، وكان أبو عبيدة صاحب أخبار وغرائب ، ولم يكن له معرفة بالنحو ، قال الفراء : كل جمع على لفظ الواحد المذكر سبق جمعه واحده ، فواحده بزيادة هاء فيه ، وذلك مثل الصوف والوبر والشعر والقطن والعشب فكل واحد من هذه الأسماء اسم لجميع جنسه ، وإذا أفردت واحدته زيدت فيها هاء ؛ لأن جمع هذا الباب سبق واحده ، ولو أن الصوفة كانت سابقة للصوف لقالوا صوفة وصوف وبسرة وبسر كما قالوا غرفة وغرف ، وزلفة وزلف ، وأما الصور القرن فهو واحد لا يجوز أن يقال واحدته صورة وإنما تجمع صورة الإنسان صورا ؛ لأن واحدته سبقت جمعه ، قال الأزهري : قد أحسن أبو الهيثم في هذا الكلام ، ولا يجوز عندي غير ما ذهب إليه ، وأقول : ومما يقوي هذا الوجه أنه لو كان المراد نفخ الروح في تلك الصور لأضاف تعالى ذلك النفخ إلى نفسه ؛ لأن نفخ الأرواح في الصور يضيفه الله إلى نفسه ، كما قال : ( فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ) [ الحجر : 29 ] وقال : ( فنفخنا فيها من روحنا ) [الأنبياء : 91] وقال : ( ثم أنشأناه خلقا آخر ) [المؤمنون : 14] وأما نفح الصور بمعنى النفخ في القرن ، فإنه تعالى يضيفه لا إلى نفسه كما قال : ( فإذا نقر في الناقور ) [ المدثر : 8 ] وقال : ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) [ الزمر : 68 ] فهذا تمام القول في هذا البحث ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية