الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وفي نهاية هذه الجولة، ونهاية هذا الدرس، يعود السياق إلى الترغيب واستجاشة القلوب; والتلويح للأرواح بالمتاع الحبيب.. متاع الصحبة في الآخرة للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يطع الله والرسول، فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليما ..

                                                                                                                                                                                                                                      إنها اللمسة التي تستجيش مشاعر كل قلب، فيه ذرة من خير; وفيه بذرة من صلاح وفيه أثارة من التطلع إلى مقام كريم في صحبة كريمة، في جوار الله الكريم.. وهذه الصحبة لهذا الرهط العلوي.. إنما هي من فضل الله. فما يبلغ إنسان بعمله وحده وطاعته وحدها أن ينالها.. إنما هو الفضل الواسع الغامر الفائض العميم.

                                                                                                                                                                                                                                      ويحسن هنا أن نعيش لحظات مع صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم يتشوقون إلى صحبته في الآخرة; وفيهم من يبلغ به الوجد ألا يمسك نفسه عند تصور فراقه.. وهو - صلى الله عليه وسلم - بين ظهرانيهم. فتنزل هذه الآية: فتندي هذا الوجد; وتبل هذه اللهفة.. الوجد النبيل. واللهفة الشفيفة.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد ، حدثنا يعقوب القمي ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير . قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محزون. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا فلان. ما لي أراك محزونا؟" فقال: يا نبي الله. شيء فكرت فيه. فقال: "ما هو؟" قال: نحن نغدو عليك ونروح. ننظر إلى وجهك، ونجالسك. وغدا ترفع مع النبيين، فلا نصل إليك.. فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا. فأتاه جبريل بهذه الآية: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين .. الآية، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - فبشره .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه أبو بكر بن مردويه مرفوعا - بإسناده - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله. إنك أحب إلي من نفسي، وأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي. وإني لأكون في البيت، فأذكرك، فما أصبر حتى آتيك فأنظر إليك. وإذا ذكرت موتي [ ص: 700 ] وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإن دخلت الجنة خشيت ألا أراك. فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلت: ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ..

                                                                                                                                                                                                                                      وفي صحيح مسلم من حديث عقل بن زياد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن كثير ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن ربيعة بن كعب الأسلمي ، أنه قال: كنت أبيت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: "سل" . فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة. فقال: "أو غير ذلك" . قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود" .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي صحيح البخاري من طرق متواترة عن جماعة من الصحابة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم، فقال: "المرء مع من أحب" .. قال أنس : فما فرح المسلمون فرحهم بهذا الحديث..

                                                                                                                                                                                                                                      لقد كان الأمر يشغل قلوبهم وأرواحهم.. أمر الصحبة في الآخرة.. وقد ذاقوا طعم الصحبة في الدنيا! وإنه لأمر يشغل كل قلب ذاق محبة هذا الرسول الكريم.. وفي الحديث الأخير أمل وطمأنينة ونور ...

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية