الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو قال لشريكه هي أم ولدك وأنكر تخدمه يوما وتتوقف يوما ) أي تخدم المنكر يوما ولا تخدم أحدا يوما ، وهذا عند أبي حنيفة فلا سعاية عليها للمنكر ولا سبيل عليها للمقر ، وقالا إن شاء المنكر استسعى الجارية في نصف قيمتها ، ثم تكون حرة ولا سبيل عليها ; لأنه لما لم يصدقه صاحبه انقلب إقرار المقر عليه كأنه استولدها فصار كما إذا أقر المشتري على البائع أنه أعتق المبيع قبل البيع يجعل كأنه أعتق كذا هذا فتمتنع الخدمة ونصيب المنكر على ملكه في الحكم فتخرج إلى العتاق بالسعاية كأم ولد النصراني إذا أسلمت ولأبي حنيفة أن المقر لو صدق كانت الخدمة كلها للمنكر ، ولو كذب كان له نصف الخدمة فيثبت ما هو المتيقن به وهو النصف ولا خدمة للشريك الشاهد ولا استسعاء ; لأنه يبرأ عن جميع ذلك بدعوى الاستيلاد والضمان ، والإقرار بأمومية الولد يتضمن الإقرار بالنسب وهو أمر لازم لا يرتد بالرد فلا يمكن أن يجعل المقر كالمستولد ونص الحاكم في الكافي على أن أبا يوسف رجع إلى قول أبي حنيفة فالمخالف فيها محمد فقط وعلى قوله ليس لأحد أن يستخدمها .

                                                                                        أما المقر فلأنه تبرأ منها بالدعوى على شريكه ، أما المنكر فلأنه لما أنكر نفذ الإقرار على المقر فصار كإقراره أنه استولدها ، ثم إذا أدت نصف قيمتها إلى المنكر عتقت كلها ; لأن العتق لا يتجزأ عندهما ، ولم يذكر المصنف حكم كسبها ونفقتها وجنايتها والجناية عليها وحكمها بعد موت أحدهما ، أما الأول ففي غاية البيان نصف كسبها للمنكر ونصفه موقوف اعتبارا بمنافعها ، أما نفقتها فمن كسبها فإن لم يكن لها كسب ففي المختلف في باب محمد أن نفقتها على المنكر ولم يذكر خلافا ، وقال غيره إن النصف على المنكر ; لأن نصف الجارية له قال في فتح القدير وهو اللائق بقول أبي حنيفة وينبغي على قول محمد أن لا نفقة لها عليه أصلا ; لأنه لا خدمة له عليها ولا احتباس ، أما جنايتها والجناية عليها فموقوفة عند الإمام إلى تصديق أحدهما صاحبه وعلى قول أبي يوسف أولا وهو قول محمد تسعى في جنايتها بمنزلة المكاتب وتأخذ أرش الجناية عليها فتستعين به كما في الكافي للحاكم وتبعه في غاية البيان وفتح القدير ، وقد نقل الزيلعي أن النصف موقوف والنصف على الجاحد عند الإمام وفي صحته عن الإمام نظر لما علمت أن مذهبه التوقف في الكل وفي المحيط وذكر محمد التوقف على الإطلاق وهو الصحيح ; لأنه تعذر إيجاب يوجب الجناية في نصيب المنكر على المنكر ; لأنه عجز عن دفعها بالجناية من غير صنع منه فلا تلزمه الفدية كما لو أبق أو مات بعد الجناية بخلاف الجناية عليها ; لأنه أمكن دفع نصيب الأرش إلى المنكر سواء كان نصيبه قنا أو أم ولد فلا معنى للتوقف . ا هـ .

                                                                                        أما إذا مات المنكر فإنها تعتق لإقرار المقر أنها كانت كأم ولد له ، ثم تسعى في نصف قيمتها لورثة المنكر ولا تسعى للمقر ; لأنه يدعي الضمان دون السعاية ولم أر حكمها [ ص: 263 ] إذا مات المقر لظهور أن الأمر كما كان قبل موته فتخدم المنكر يوما وتتوقف يوما .

                                                                                        وقيد بقوله وأنكر ; لأنه لو صدقه كانت أم ولد له ولزمه نصف قيمتها ونصف عقرها كالأمة المشتركة إذا أتت بولد فادعاه أحدهما كما سيأتي .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية