الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1299 قال وفي الباب عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب أنه سمع طاوسا يحدث عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قال أبو عيسى حديث ابن عباس رضي الله عنهما حديث حسن صحيح والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قالوا من وهب هبة لذي رحم محرم فليس له أن يرجع فيها ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب منها وهو قول الثوري وقال الشافعي لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده واحتج الشافعي بحديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قال الحافظ في الفتح : قوله ( لا يحل لأحد أن يعطي عطية فيرجع ) بالنصب عطف على يعطي ( فيها ) أي : في عطيته ( إلا الوالد ) بالنصب على الاستثناء ، واحتج به من قال بتحريم الرجوع في الهبة إلا هبة الوالد لولده ، وهم جمهور العلماء . قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) وأخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه . قوله ( قالوا من وهب هبة لذي رحم محرم فليس له أن يرجع في هبته ، ومن وهب هبة لغير ذي رحم محرم فله أن يرجع فيها ما لم يثب ) بصيغة المجهول أي : ما لم يعوض ( منها ) أي : من هبته ( وهو قول الثوري ) وهو قول أصحاب أبي حنيفة رحمه الله ، قال القاضي رحمه الله : حديث ابن عمر وابن عباس نص صريح على أن جواز الرجوع مقصور على ما وهب الوالد من ولده ، وإليه ذهب الشافعي وعكس الثوري وأصحاب أبي حنيفة وقالوا : لا رجوع للواهب فيما وهب لولده ، أو لأحد من محارمه ، ولأحد الزوجين فيما وهب للآخر ، وله الرجوع فيما وهب للأجانب ، وجوز مالك الرجوع مطلقا إلا في هبة أحد الزوجين من الآخر ، وأول بعض الحنفية هذا الحديث بأن قوله ( لا يحل ) معناه التحذير عن الرجوع لا نفي الجواز عنه ، كما في قولك لا يحل للواجد رد السائل ، وقوله إلا الوالد لولده . معناه أن له أن يأخذ ما وهب لولده ويتصرف في نفقته وسائر ما يجب له عليه ـ وقت حاجته ـ كسائر أمواله استيفاء لحقه من ماله لا استرجاعا لما وهب ونقضا للهبة ، وهو مع بعده عدول عن الظاهر بلا دليل . انتهى كلام القاضي ، قال القاري في المرقاة متعقبا عليه : المجتهد أسير الدليل ، وما لم يكن له دليل لم يحتج إلى التأويل . انتهى . قلت : قد أخرج مالك عن عمر أنه قال : من وهب هبة يرجو ثوابها ، وهي رد على صاحبها ما لم يثب منها ، ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا ، وصححه الحاكم ، قال الحافظ : والمحفوظ من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعا ، قيل ، وهو وهم ، قال الحافظ : صححه الحاكم ، وابن حزم ورواه ابن حزم أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : [ ص: 437 ] الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها ، وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ ، إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع ، ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس ، قال الحافظ : وسنده ضعيف ، قال ابن الجوزي : أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة ضعيفة ، وليس منها ما يصح ، وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا : من وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها ، فإن رجع في هبته فهو كالذي يقيء ويأكل منه ، قال الشوكاني بعد ذكر هذه الروايات : فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في الهبة قبل الإثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم . انتهى . ( وقال الشافعي : لا يحل إلخ ) وبه قال جمهور العلماء كما عرفت .




                                                                                                          الخدمات العلمية