الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                ( الدليل الثالث عشر وهو في الحقيقة السادس عشر . مسلك التشبيه والتوجيه فنقول والله الهادي : اعلم أن الفرق بين الحيوان المأكول وغير المأكول إنما فرق بينهما لافتراق حقيقتهما وقد سمى الله هذا طيبا وهذا خبيثا .

                وأسباب التحريم : إما القوة السبعية التي تكون في نفس البهيمة فأكلها يورث نبات أبداننا منها فتصير أخلاق الناس أخلاق السباع أو لما الله أعلم به وإما خبث مطعمها كما يأكل الجيف من الطير أو لأنها في نفسها مستخبثة كالحشرات فقد رأينا طيب المطعم يؤثر في الحل وخبثه يؤثر في الحرمة كما جاءت به السنة في لحوم الجلالة ولبنها وبيضها فإنه حرم الطيب لاغتذائه بالخبيث وكذلك النبات المسقي بالماء النجس والمسمد بالسرقين عند من يقول به وقد رأينا عدم الطعام يؤثر في طهارة البول أو خفة نجاسته مثل الصبي الذي لم يأكل [ ص: 586 ] الطعام . فهذا كله يبين أشياء : منها أن الأبوال قد يخفف شأنها بحسب المطعم كالصبي وقد ثبت أن المباحات لا تكون مطاعمها إلا طيبة فغير مستنكر أن تكون أبوالها طاهرة لذلك .

                ومنها أن المطعم إذا خبث وفسد حرم ما نبت منه من لحم ولبن وبيض ; كالجلالة والزرع المسمد وكالطير الذي يأكل الجيف فإذا كان فساده يؤثر في تنجيس ما توجبه الطهارة والحل فغير مستنكر أن يكون طيبه وحله يؤثر في تطهير ما يكون في محل آخر نجسا محرما فإن الأرواث والأبوال مستحيلة مخلوقة في باطن البهيمة كغيرها من اللبن وغيره .

                يبين هذا ما يوجد في هذه الأرواث من مخالفتها غيرها من الأرواث في الخلق والريح واللون وغير ذلك من الصفات فيكون فرق ما بينها فرق ما بين اللبنين والمنبتين وبهذا يظهر خلافها للإنسان .

                يؤكد ذلك ما قد بيناه من أن المسلمين من الزمن المتقدم وإلى اليوم في كل عصر ومصر ما زالوا يدوسون الزروع المأكولة بالبقر ويصيب الحب من أرواث البقر وأبوالها وما سمعنا أحدا من المسلمين [ ص: 587 ] غسل حبا ولو كان ذلك منجسا أو مستقذرا لأوشك أن ينهوا عنها وأن تنفر عنه نفوسهم نفورها عن بول الإنسان .

                ولو قيل هذا إجماع عملي لكان حقا وكذلك ما زال يسقط في المحالب من أبعار الأنعام ولا يكاد أحد يحترز من ذلك . ولذلك عفا عن ذلك بعض من يقول بالتنجيس على أن ضبط قانون كلي في الطاهر والنجس مطرد منعكس لم [ يتيسر ] وليس ذلك بالواجب علينا بعد علمنا بالأنواع الطاهرة والأنواع النجسة . فهذه إشارة لطيفة إلى مسالك الرأي في هذه المسألة وتمامه ما حضرني كتابه في هذا المجلس ( { والله يقول الحق وهو يهدي السبيل } .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية