nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=53nindex.php?page=treesubj&link=28997_31925_31913فأرسل فرعون في المدائن حاشرين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إن هؤلاء لشرذمة قليلون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=55وإنهم لنا لغائظون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وإنا لجميع حذرون .
ظاهر ترتيب الجمل يقتضي أن الفاء للتعقيب على جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=52وأوحينا إلى موسى ) وأن بين الجملتين محذوفا تقديره : فأسرى
موسى وخرج بهم فأرسل
فرعون حاشرين ، أي لما خرج
بنو إسرائيل خشي
فرعون أن ينتشروا في مدائن
مصر فأرسل
فرعون في المدائن شرطا يحشرون الناس ليلحقوا
بني إسرائيل فيردوهم إلى المدينة قاعدة الملك .
والمدائن : جمع مدينة ، أي : البلد العظيم . ومدائن القطر المصري يومئذ كثيرة . منها (
مانوفرى أو
منفيس ) هي اليوم
ميت رهينة بالجيزة و (
تيبة أو
طيبة ) هي
[ ص: 130 ] بالأقصر و (
أبودو ) وتسمى اليوم
العرابة المدفونة ، و ( أبو ) وهي ( بو ) وهي
إدنو ، و (
أون رميسي ) ، و (
أرمنت ) و (
سنى ) وهي
أسناء و (
ساورت ) وهي
السيوط ، و (
خمونو ) وهي
الأشمونيين ، و (
بامازيت ) وهي
البهنسا ، و (
خسوو ) وهي
سخا ، و (
كاريينا ) وهي
سد أبي قيرة ، و (
سودو ) وهي
الفيوم ، و (
كويتي ) وهي
قفط .
والتعريف في ( المدائن ) للاستغراق ، أي : في مدائن القطر المصري ، وهو استغراق عرفي ، أي : المدائن التي لحكم
فرعون أو المظنون وقوعها قرب طريقهم . وكان
فرعون وقومه لا يعلمون أين اتجه
بنو إسرائيل فأراد أن يتعرض لهم في كل طريق يظن مرورهم به . وكان لا يدري لعلهم توجهوا صوب
الشام ، أو صوب
الصحراء الغربية ، وما كان يظن أنهم يقصدون شاطئ البحر الأحمر
بحر ( القلزم ) وكان يومئذ يسمى
بحر ( سوف ) .
وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إن هؤلاء لشرذمة قليلون ) مقول لقول محذوف ؛ لأن ( حاشرين ) يتضمن معنى النداء ، أي يقولون : إن هؤلاء لشرذمة قليلون .
والإشارة بـ ( هؤلاء ) إلى حاضر في أذهان الناس ؛ لأن أمر
بني إسرائيل قد شاع في أقطار
مصر في تلك المدة التي بين جمع السحرة وبين خروج
بني إسرائيل ، وليست الإشارة للسحرة خاصة ؛ إذ لا يلتئم ذلك مع القصة .
وفي اسم الإشارة إيماء إلى تحقير لشأنهم أكده التصريح بأنهم شرذمة قليلون .
والشرذمة : الطائفة القليلة من الناس ، هكذا فسره المحققون من أئمة اللغة ، فإتباعه بوصف ( قليلون ) للتأكيد لدفع احتمال استعمالها في تحقير الشأن أو بالنسبة إلى جنود
فرعون ، فقد كان عدد
بني إسرائيل الذين خرجوا ستمائة ألف ، هكذا قال المفسرون ، وهو موافق لما في سفر العدد من التوراة في الإصحاح السادس والعشرين .
و ( قليلون ) خبر ثان عن اسم الإشارة ، فهو وصف في المعنى لمدلول ( هؤلاء ) وليس وصفا لشرذمة ولكنه مؤكد لمعناها ولهذا جيء به بصيغة جمع السلامة الذي هو ليس من جموع الكثرة .
[ ص: 131 ] و ( قليل ) إذا وصف به يجوز مطابقته لموصوفه كما هنا ، ويجوز ملازمته الإفراد والتذكير كما قال
السموءل أو
الحارثي :
وما ضرنا أنا قليل
. . . . . البيت
ونظيره في ذلك لفظ ( كثير ) وقد جمعهما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم .
و ( غائظون ) اسم فاعل من غاظه الذي هو بمعنى أغاظه ، أي : جعله ذا غيظ . والغيظ : أشد الغضب . وتقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119عضوا عليكم الأنامل من الغيظ في آل عمران ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=15ويذهب غيظ قلوبهم في سورة براءة ، أي : وأنهم فاعلون ما يغضبنا .
واللام في قوله ( لنا ) لام التقوية واللام في ( لغائظون ) لام الابتداء ، وتقديم ( لنا ) على ( لغائظون ) للرعاية على الفاصلة .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وإنا لجميع حذرون ) حث لأهل المدائن على أن يكونوا حذرين على أبلغ وجه إذ جعل نفسه معهم في ذلك بقوله ( لجميع ) وذلك كناية عن وجوب الاقتداء به في سياسة المملكة ، أي : إنا كلنا حذرون ، ف ( جميع ) وقع مبتدأ وخبره ( حذرون ) ، والجملة خبر ( إن ) ، و ( جميع ) بمعنى ( كل ) كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=4إليه مرجعكم جميعا في سورة يونس .
و ( حذرون ) قرأه الجمهور بدون ألف بعد الحاء فهو جمع حذر وهو من أمثلة المبالغة عند
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه والمحققين . وقرأه
حمزة وعاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وابن ذكوان عن
ابن عامر وخلف بألف بعد الحاء جمع ( حاذر ) بصيغة اسم الفاعل . والمعنى : أن الحذر من شيمته وعادته ، فكذلك يجب أن تكون الأمة معه في ذلك ، أي : إنا من عادتنا التيقظ للحوادث والحذر مما عسى أن يكون لها من سيئ العواقب .
وهذا أصل عظيم من أصول السياسة وهو
nindex.php?page=treesubj&link=22146سد ذرائع الفساد ولو كان احتمال إفضائها إلى الفساد ضعيفا ، فالذرائع الملغاة في التشريع في حقوق الخصوص غير ملغاة في سياسة العموم ، ولذلك يقول علماء الشريعة : إن نظر ولاة الأمور في مصالح الأمة أوسع من نظر القضاة ، فالحذر أوسع من حفظ الحقوق وهو الخوف
[ ص: 132 ] من وقوع شيء ضار يمكن وقوعه ، والترصد لمنع وقوعه ، وتقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يحذر المنافقون في براءة . والمحمود منه هو الخوف من الضار عند احتمال حدوثه دون الأمر الذي لا يمكن حدوثه فالحذر منه ضرب من الهوس .
وهذا يرجح أن يكون المحذور هو الاغترار بإيمان السحرة بالله وتصديق
موسى ويبعد أن يكون المراد خروج
بني إسرائيل من
مصر ; لأنه حينئذ قد وقع فلا يحذر منه وإنما يكون السعي في الانتقام منهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=53nindex.php?page=treesubj&link=28997_31925_31913فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=55وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ .
ظَاهِرُ تَرْتِيبِ الْجُمَلِ يَقْتَضِي أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ عَلَى جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=52وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى ) وَأَنَّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ : فَأَسْرَى
مُوسَى وَخَرَجَ بِهِمْ فَأَرْسَلَ
فِرْعَوْنُ حَاشِرِينَ ، أَيْ لَمَّا خَرَجَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ خَشِيَ
فِرْعَوْنُ أَنْ يَنْتَشِرُوا فِي مَدَائِنِ
مِصْرَ فَأَرْسَلَ
فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ شُرَطًا يَحْشُرُونَ النَّاسَ لِيَلْحَقُوا
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَرُدُّوهُمْ إِلَى الْمَدِينَةِ قَاعِدَةِ الْمُلْكِ .
وَالْمَدَائِنُ : جَمْعُ مَدِينَةٍ ، أَيِ : الْبَلَدُ الْعَظِيمُ . وَمَدَائِنُ الْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ يَوْمَئِذٍ كَثِيرَةٌ . مِنْهَا (
مَانُوفِرَى أَوْ
مَنْفِيسُ ) هِيَ الْيَوْمَ
مَيِتْ رَهِينَةٍ بِالْجِيزَةِ وَ (
تِيبَةُ أَوْ
طِيبَةُ ) هِيَ
[ ص: 130 ] بِالْأُقْصُرِ وَ (
أَبُودُو ) وَتُسَمَّى الْيَوْمَ
الْعَرَابَةَ الْمَدْفُونَةَ ، وَ ( أَبُو ) وَهِيَ ( بُو ) وَهِيَ
إِدْنُو ، وَ (
أَوْنُ رَمِيسَي ) ، وَ (
أَرْمِنْتُ ) وَ (
سَنَى ) وَهِيَ
أَسَنَاءُ وَ (
سَاوَرَتْ ) وَهِيَ
السِّيُوطُ ، وَ (
خَمُونُو ) وَهِيَ
الْأَشْمُونِيِّينَ ، وَ (
بَامَازِيتُ ) وَهِيَ
الْبَهْنَسَا ، وَ (
خِسْوُو ) وَهِيَ
سَخَا ، وَ (
كَارِيَينَا ) وَهِيَ
سَدُّ أَبِي قَيْرَةَ ، وَ (
سُودُو ) وَهِيَ
الْفَيُّومُ ، وَ (
كُويتي ) وَهِيَ
قِفْطُ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي ( الْمَدَائِنِ ) لِلِاسْتِغْرَاقِ ، أَيْ : فِي مَدَائِنِ الْقُطْرِ الْمِصْرِيِّ ، وَهُوَ اسْتِغْرَاقٌ عُرْفِيٌّ ، أَيِ : الْمَدَائِنُ الَّتِي لِحُكْمِ
فِرْعَوْنَ أَوِ الْمَظْنُونُ وُقُوعُهَا قُرْبَ طَرِيقِهِمْ . وَكَانَ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ لَا يَعْلَمُونَ أَيْنَ اتَّجَهَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِي كُلِّ طَرِيقٍ يَظُنُّ مُرُورَهُمْ بِهِ . وَكَانَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُمْ تَوَجَّهُوا صَوْبَ
الشَّامِ ، أَوْ صَوْبَ
الصَّحْرَاءِ الْغَرْبِيَّةِ ، وَمَا كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ شَاطِئَ الْبَحْرِ الْأَحْمَرِ
بَحْرِ ( الْقُلْزُمِ ) وَكَانَ يَوْمَئِذٍ يُسَمَّى
بَحْرَ ( سُوفَ ) .
وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=54إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) مَقُولٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ ؛ لِأَنَّ ( حَاشِرِينَ ) يَتَضَمَّنُ مَعْنَى النِّدَاءِ ، أَيْ يَقُولُونَ : إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ .
وَالْإِشَارَةُ بِـ ( هَؤُلَاءِ ) إِلَى حَاضِرٍ فِي أَذْهَانِ النَّاسِ ؛ لِأَنَّ أَمْرَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ شَاعَ فِي أَقْطَارِ
مِصْرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الَّتِي بَيْنَ جَمْعِ السَّحَرَةِ وَبَيْنَ خُرُوجِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَلَيْسَتِ الْإِشَارَةُ لِلسَّحَرَةِ خَاصَّةً ؛ إِذْ لَا يَلْتَئِمُ ذَلِكَ مَعَ الْقِصَّةِ .
وَفِي اسْمِ الْإِشَارَةِ إِيمَاءٌ إِلَى تَحْقِيرٍ لِشَأْنِهِمْ أَكَّدَهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ شِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ .
وَالشِّرْذِمَةُ : الطَّائِفَةُ الْقَلِيلَةُ مِنَ النَّاسِ ، هَكَذَا فَسَّرَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ، فَإِتْبَاعُهُ بِوَصْفِ ( قَلِيلُونَ ) لِلتَّأْكِيدِ لِدَفْعِ احْتِمَالِ اسْتِعْمَالِهَا فِي تَحْقِيرِ الشَّأْنِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جُنُودِ
فِرْعَوْنَ ، فَقَدْ كَانَ عَدَدُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ خَرَجُوا سِتَّمِائَةَ أَلْفٍ ، هَكَذَا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا فِي سِفْرِ الْعَدَدِ مِنَ التَّوْرَاةِ فِي الْإِصْحَاحِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ .
وَ ( قَلِيلُونَ ) خَبَرٌ ثَانٍ عَنِ اسْمِ الْإِشَارَةِ ، فَهُوَ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِمَدْلُولِ ( هَؤُلَاءِ ) وَلَيْسَ وَصْفًا لِشِرْذِمَةٍ وَلَكِنَّهُ مُؤَكِّدٌ لِمَعْنَاهَا وَلِهَذَا جِيءَ بِهِ بِصِيغَةِ جَمْعِ السَّلَامَةِ الَّذِي هُوَ لَيْسَ مِنْ جُمُوعِ الْكَثْرَةِ .
[ ص: 131 ] وَ ( قَلِيلٌ ) إِذَا وُصِفَ بِهِ يَجُوزُ مُطَابَقَتُهُ لِمَوْصُوفِهِ كَمَا هُنَا ، وَيَجُوزُ مُلَازَمَتُهُ الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَ كَمَا قَالَ
السَّمَوْءَلُ أَوِ
الْحَارِثِيُّ :
وَمَا ضَرَّنَا أَنَّا قَلِيلٌ
. . . . . الْبَيْتَ
وَنَظِيرُهُ فِي ذَلِكَ لَفْظُ ( كَثِيرٌ ) وَقَدْ جَمَعَهُمَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=43إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ .
وَ ( غَائِظُونَ ) اسْمُ فَاعِلٍ مَنْ غَاظَهُ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى أَغَاظَهُ ، أَيْ : جَعَلَهُ ذَا غَيْظٍ . وَالْغَيْظُ : أَشَدُّ الْغَضَبِ . وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ فِي آلِ عِمْرَانَ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=15وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ ، أَيْ : وَأَنَّهُمْ فَاعِلُونَ مَا يُغْضِبُنَا .
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ ( لَنَا ) لَامُ التَّقْوِيَةِ وَاللَّامُ فِي ( لَغَائِظُونَ ) لَامُ الِابْتِدَاءِ ، وَتَقْدِيمُ ( لَنَا ) عَلَى ( لَغَائِظُونَ ) لِلرِّعَايَةِ عَلَى الْفَاصِلَةِ .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=56وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونِ ) حَثٌّ لِأَهْلِ الْمَدَائِنِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا حَذِرِينَ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ إِذْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( لَجَمِيعٌ ) وَذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ وُجُوبِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي سِيَاسَةِ الْمَمْلَكَةِ ، أَيْ : إِنَّا كُلَّنَا حَذِرُونَ ، فَ ( جَمِيعٌ ) وَقَعَ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ ( حَذِرُونَ ) ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ ( إِنَّ ) ، وَ ( جَمِيعٌ ) بِمَعْنَى ( كُلٍّ ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=4إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فِي سُورَةِ يُونُسَ .
وَ ( حَذِرُونَ ) قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الْحَاءِ فَهُوَ جَمْعُ حَذِرٍ وَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ وَالْمُحَقِّقِينَ . وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ وَعَاصِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ
ابْنِ عَامِرٍ وَخَلَفٍ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْحَاءِ جَمْعُ ( حَاذِرٍ ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ . وَالْمَعْنَى : أَنَّ الْحَذَرَ مِنْ شِيمَتِهِ وَعَادَتِهِ ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ مَعَهُ فِي ذَلِكَ ، أَيْ : إِنَّا مِنْ عَادَتِنَا التَّيَقُّظُ لِلْحَوَادِثِ وَالْحَذَرُ مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْ سَيِّئِ الْعَوَاقِبِ .
وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ السِّيَاسَةِ وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=22146سَدُّ ذَرَائِعِ الْفَسَادِ وَلَوْ كَانَ احْتِمَالُ إِفْضَائِهَا إِلَى الْفَسَادِ ضَعِيفًا ، فَالذَّرَائِعُ الْمُلْغَاةُ فِي التَّشْرِيعِ فِي حُقُوقِ الْخُصُوصِ غَيْرُ مُلْغَاةٍ فِي سِيَاسَةِ الْعُمُومِ ، وَلِذَلِكَ يَقُولُ عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ : إِنَّ نَظَرَ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي مَصَالِحِ الْأُمَّةِ أَوْسَعُ مِنْ نَظَرِ الْقُضَاةِ ، فَالْحَذَرُ أَوْسَعُ مِنْ حِفْظِ الْحُقُوقِ وَهُوَ الْخَوْفُ
[ ص: 132 ] مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ ضَارٍّ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ ، وَالتَّرَصُّدُ لِمَنْعِ وُقُوعِهِ ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=64يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ فِي بَرَاءَةٌ . وَالْمَحْمُودُ مِنْهُ هُوَ الْخَوْفُ مِنَ الضَّارِّ عِنْدَ احْتِمَالِ حُدُوثِهِ دُونَ الْأَمْرِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ فَالْحَذَرُ مِنْهُ ضَرْبٌ مِنَ الْهَوَسِ .
وَهَذَا يُرَجِّحُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُورُ هُوَ الِاغْتِرَارَ بِإِيمَانِ السَّحَرَةِ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقِ
مُوسَى وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ خُرُوجَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ
مِصْرَ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ وَقَعَ فَلَا يُحْذَرُ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ السَّعْيُ فِي الِانْتِقَامِ مِنْهُمْ .