nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=96nindex.php?page=treesubj&link=28997_29690_30437قالوا وهم فيها يختصمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تالله إن كنا لفي ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إذ نسويكم برب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وما أضلنا إلا المجرمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=100فما لنا من شافعين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=101ولا صديق حميم nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين .
ويجوز أن يكون هذا من حكاية كلام
إبراهيم عليه السلام أطنب به الموعظة لتصوير هول ذلك اليوم فتكون الجملة حالا ، أو تكون مستأنفة استئنافا بيانيا كما سيأتي .
ويجوز أن يكون حكاية كلام
إبراهيم انتهت عند قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=95وجنود إبليس أجمعون ) أو عند قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87يوم يبعثون ) على ما استظهر
ابن عطية . ويكون هذا الكلام موعظة من الله للسامعين من المشركين وتعليما منه للمؤمنين فتكون الجملة استئنافا معترضا بين ذكر القصة والتي بعدها وهو استئناف بياني ناشئ
[ ص: 153 ] عن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=94فكبكبوا فيها ) ; لأن السامع بحيث يسأل عن فائدة إيقاع الأصنام في النار مع أنها لا تفقه ولا تحسن فبين له ذلك ، فحكاية مخاصمة عبدتها بينهم ; لأن رؤيتهم أصنامهم هو مثار الخصومة بينهم إذ رأى الأتباع كذب مضلليهم معاينة ، ولا يجد المضللون تنصلا ولا تفصيا فإن مذلة الأصنام وحضورها معهم وهم في ذلك العذاب أقوى شاهد على أنها لا تملك شيئا لهم ولا لأنفسها .
وأما جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=96وهم فيها يختصمون ) فهي في موضع الحال ، وجملة ( تالله ) مقول القول ، وجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97إن كنا لفي ضلال مبين ) جواب القسم . و ( إن ) مخففة من ( إن ) الثقيلة وقد أهملت عن العمل بسبب التخفيف فإنه مجوز للإهمال . والجملة بعدها سادة مسد اسمها وخبرها واقتران خبر كان باللام في الجملة التي بعدها للفرق بين ( إن ) المخففة المؤكدة و ( إن ) النافية ، والغالب أن لا تخلو الجملة التي بعد ( إن ) المخففة عن فعل من باب ( كان ) .
وجيء في القسم بالتاء دون الواو ; لأن التاء تختص بالقسم في شيء متعجب منه كما تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=73قالوا تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض في سورة يوسف ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=57وتالله لأكيدن أصنامكم في سورة الأنبياء ، فهم يعجبون من ضلالهم إذ ناطوا آمالهم المعونة والنصر بحجارة لا تغني عنهم شيئا . ولذلك أفادوا تمكن الضلال منهم باجتلاب حرف الظرفية المستعار لمعنى الملابسة ; لأن المظروف شديد الملابسة لظرفه ، وأكدوا ذلك بوصفهم الضلال بالمبين ، أي : الواضح البين . وفي هذا تسفيه منهم لأنفسهم إذ تمشى عليها هذا الضلال الذي ما كان له أن يروج على ذي مسكة من عقل .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إذ نسويكم ) ظرف متعلق ب ( كنا ) أي : كنا في ضلال في وقت إنا نسويكم برب العالمين . وليست ( إذ ) بموضوعة للتعليل كما توهمه الشيخ
أحمد بن علوان التونسي الشهير بالمصري فيما حكاه عنه
المقري في نفح الطيب في ترجمة
أبي جعفر اللبلي في الباب الخامس من القسم الأول ، وإنما غشي عليه حاصل المعنى المجازي فتوهمه معنى من معاني ( إذ ) . ومنه قول
النابغة :
فعد عما ترى إذ لا ارتجاع له
[ ص: 154 ] أي : حين لا ارتجاع له .
والتسوية : المعادلة والمماثلة ، أي : إذ نجعلكم مثل رب العالمين ، فالظاهر أنهم جعلوهم مثله مع الاعتراف بالإلهية وهو ظاهر حال إشراكهم كما تقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ، ويحتمل أنهم جعلوه مثله فيما تبين لهم من إلهيته يومئذ ؛ إذ كانوا لا يؤمنون بالله أصلا في الدنيا فهي تسوية بالمآل وقد آبوا إلى الاعتراف بما تضمنته كلمة
إبراهيم لهم في الدنيا إذ قال لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فإنهم عدو لي إلا رب العالمين .
وضمير الخطاب في ( نسويكم ) موجه إلى الأصنام ، وهو من توجيه المتندم الخطاب إلى الشيء الذي لا يعقل وكان سببا في الأمر الذي جر إليه الندامة بتنزيله منزلة من يعقل ويسمع . والمقصود من ذلك المبالغة في توبيخ نفسه . ومنه ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي في الإحياء : أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب دخل على
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق فوجده ممسكا بلسانه بأصبعيه وهو يقول : أنت أوردتني الموارد . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنه وقف على
الصفا يلبي ويقول : يا لسان قل خيرا تغنم واسكت عن شر تسلم . وهذا أسلوب متبع في الكلام نثرا ونظما قال
أبو تمام :
فيا دمع أنجدني على ساكني نجد
وصيغ ( نسويكم ) في صيغة المضارع لاستحضار الصورة العجيبة حين يتوجهون إلى الأصنام بالدعاء والنعوت الإلهية .
وقولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وما أضلنا إلا المجرمون خطاب بعض العامة لبعض . وعنوا بالمجرمين أيمة الكفر الذين ابتدعوا لهم الشرك واختلقوا لهم دينا .
والمناسب أن يكون التعريف في ( المجرمون ) مستعملا في كمال الإجرام فإن من معاني اللام أن تدل على معنى الكمال .
ورتبوا بالفاء انتفاء الشافعين على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وما أضلنا إلا المجرمون حيث أطمعوهم بشفاعة الأصنام لهم عند الله مثل المشركين من العرب
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله فتبين لهم أن لا شفاعة لها ، وهذا الخبر مستعمل في التحسر والتوجع .
[ ص: 155 ] والشافع : الذي يكون واسطة جلب نفع لغيره أو دفع ضر عنه . وتقدم ذكر الشفاعة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=123ولا تنفعها شفاعة ) في البقرة ، والشفيع في أول سورة يونس .
وأما قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=101ولا صديق حميم ) فهو تتميم أثاره ما يلقونه من سوء المعاملة من كل من يمرون به أو يتصلون ، ومن الحرمان الذي يعاملهم كل من يسألونه الرفق بهم حتى علموا أن جميع الخلق تتبرأ منهم كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب فإن الصديق هو الذي يواسيك أو يسليك أو يتوجع ويومئذ حقت كلمة الله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=67الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين . وتقدم الكلام على الصديق في قوله تعالى : أو صديقكم في سورة النور .
والحميم : القريب ، فعيل من حم بفتح الحاء إذا دنا وقرب فهو أخص من الصديق .
والمراد نفي جنس الشفيع وجنس الصديق لوقوع الاسمين في سياق النفي المؤكد ب ( من ) الزائدة ، وفي ذلك السياق يستوي المفرد والجمع في الدلالة على الجنس . وإنما خولف بين اسمي هذين الجنسين في حكاية كلامهم إذ جيء ب ( شافعين ) جمعا ، وب ( صديق ) مفردا ; لأنهم أرادوا بالشافعين الآلهة الباطلة وكانوا يعهدونهم عديدين فجرى على كلامهم ما هو مرتسم في تصورهم . وأما الصديق فإنه مفروض جنسه دون عدد أفراده إذ لم يعنوا عددا معينا فبقي على أصل نفي الجنس ، وعلى الأصل في الألفاظ إذ لم يكن داع لغير الإفراد . والذي يبدو لي أنه أوثر جمع ( شافعين ) ; لأنه أنسب بصورة ما في أذهانهم كما تقدم . وأما إفراد ( صديق ) فلأنه أريد أن يجرى عليه وصف ( حميم ) فلو جيء بالموصوف جمعا لاقتضى جمع وصفه ، وجمع ( حميم ) فيه ثقل لا يناسب منتهى الفصاحة ولا يليق بصورة الفاصلة مع ما حصل في ذلك من التفنن الذي هو من مقاصد البلغاء .
ثم فرعوا على هذا التحسر والندامة تمني أن يعادوا إلى الدنيا ليتداركوا أمرهم في الإيمان بالله وحده .
و ( لو ) هذه للتمني ، وأصلها ( لو ) الشرطية لكنها تنوسي منها معنى الشرط .
[ ص: 156 ] وأصلها : لو أرجعنا إلى الدنيا لآمنا ، لكنه إذا لم يقصد تعليق الامتناع على امتناع تمحضت ( لو ) للتمني لما بين الشيء الممتنع وبين كونه متمنى من المناسبة . والكرة : مرة من الكر وهو الرجوع .
وانتصب ( فتكون ) في جواب التمني .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=96nindex.php?page=treesubj&link=28997_29690_30437قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=100فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=101وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=102فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَطْنَبَ بِهِ الْمَوْعِظَةَ لِتَصْوِيرِ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالًا ، أَوْ تَكُونُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَمَا سَيَأْتِي .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةُ كَلَامِ
إِبْرَاهِيمَ انْتَهَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=95وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ) أَوْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=87يَوْمَ يُبْعَثُونَ ) عَلَى مَا اسْتَظْهَرَ
ابْنُ عَطِيَّةَ . وَيَكُونُ هَذَا الْكَلَامُ مَوْعِظَةً مِنَ اللَّهِ لِلسَّامِعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَتَعْلِيمًا مِنْهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافًا مُعْتَرِضًا بَيْنَ ذِكْرِ الْقِصَّةِ وَالَّتِي بَعْدَهَا وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ نَاشِئٌ
[ ص: 153 ] عَنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=94فَكُبْكِبُوا فِيهَا ) ; لِأَنَّ السَّامِعَ بِحَيْثُ يَسْأَلُ عَنْ فَائِدَةِ إِيقَاعِ الْأَصْنَامِ فِي النَّارِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَفْقَهُ وَلَا تُحْسِنُ فَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ ، فَحِكَايَةُ مُخَاصَمَةِ عَبَدَتِهَا بَيْنَهُمْ ; لِأَنَّ رُؤْيَتَهُمْ أَصْنَامَهُمْ هُوَ مَثَارُ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمْ إِذْ رَأَى الْأَتْبَاعُ كَذِبَ مُضَلِّلِيهِمْ مُعَايَنَةً ، وَلَا يَجِدُ الْمُضَلَّلُونَ تَنَصُّلًا وَلَا تَفَصِّيًا فَإِنَّ مَذَلَّةَ الْأَصْنَامِ وَحُضُورِهَا مَعَهُمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْعَذَابِ أَقْوَى شَاهِدٍ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ شَيْئًا لَهُمْ وَلَا لِأَنْفُسِهَا .
وَأَمَّا جُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=96وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ) فَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، وَجُمْلَةُ ( تَاللَّهِ ) مَقُولُ الْقَوْلِ ، وَجُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ) جَوَابُ الْقَسَمِ . وَ ( إِنْ ) مُخَفَّفَةٌ مِنْ ( إِنَّ ) الثَّقِيلَةِ وَقَدْ أُهْمِلَتْ عَنِ الْعَمَلِ بِسَبَبِ التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ مُجَوِّزٌ لِلْإِهْمَالِ . وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا سَادَّةٌ مَسَدَّ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا وَاقْتِرَانُ خَبَرِ كَانَ بِاللَّامِ فِي الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ ( إِنِ ) الْمُخَفَّفَةِ الْمُؤَكِّدَةِ وَ ( إِنِ ) النَّافِيَةِ ، وَالْغَالِبُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَ ( إِنِ ) الْمُخَفَّفَةِ عَنْ فِعْلٍ مِنْ بَابِ ( كَانَ ) .
وَجِيءَ فِي الْقَسَمِ بِالتَّاءِ دُونَ الْوَاوِ ; لِأَنَّ التَّاءَ تَخْتَصُّ بِالْقَسَمِ فِي شَيْءٍ مُتَعَجَّبٍ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=73قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=57وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ فِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْ ضَلَالِهِمْ إِذْ نَاطُوا آمَالَهُمُ الْمَعُونَةَ وَالنَّصْرَ بِحِجَارَةٍ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا . وَلِذَلِكَ أَفَادُوا تَمَكُّنَ الضَّلَالِ مِنْهُمْ بِاجْتِلَابِ حَرْفِ الظَّرْفِيَّةِ الْمُسْتَعَارِ لِمَعْنَى الْمُلَابَسَةِ ; لِأَنَّ الْمَظْرُوفَ شَدِيدُ الْمُلَابَسَةِ لِظَرْفِهِ ، وَأَكَّدُوا ذَلِكَ بِوَصْفِهِمُ الضَّلَالَ بِالْمُبِينِ ، أَيِ : الْوَاضِحُ الْبَيِّنُ . وَفِي هَذَا تَسْفِيهٌ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ إِذْ تَمَشَّى عَلَيْهَا هَذَا الضَّلَالُ الَّذِي مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُوجَ عَلَى ذِي مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إِذْ نُسَوِّيكُمْ ) ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِ ( كُنَّا ) أَيْ : كُنَّا فِي ضَلَالٍ فِي وَقْتِ إِنَّا نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . وَلَيْسَتْ ( إِذْ ) بِمَوْضُوعَةٍ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الشَّيْخُ
أَحْمَدُ بْنُ عَلْوَانَ التُّونُسِيُّ الشَّهِيرُ بِالْمِصْرِيِّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ
الْمُقْرِيُّ فِي نَفْحِ الطِّيبِ فِي تَرْجَمَةِ
أَبِي جَعْفَرٍ اللَّبْلِيِّ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ، وَإِنَّمَا غُشِيَ عَلَيْهِ حَاصِلُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَتَوَهَّمَهُ مَعْنًى مِنْ مَعَانِي ( إِذْ ) . وَمِنْهُ قَوْلُ
النَّابِغَةِ :
فَعَدِّ عَمَّا تَرَى إِذْ لَا ارْتِجَاعَ لَهُ
[ ص: 154 ] أَيْ : حِينَ لَا ارْتِجَاعَ لَهُ .
وَالتَّسْوِيَةُ : الْمُعَادَلَةُ وَالْمُمَاثَلَةُ ، أَيْ : إِذْ نَجْعَلُكُمْ مِثْلَ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُمْ مِثْلَهُ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ حَالِ إِشْرَاكِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِثْلَهُ فِيمَا تَبَيَّنَ لَهُمْ مِنْ إِلَهِيَّتِهِ يَوْمَئِذٍ ؛ إِذْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ أَصْلًا فِي الدُّنْيَا فَهِيَ تَسْوِيَةٌ بِالْمَآلِ وَقَدْ آبُوا إِلَى الِاعْتِرَافِ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ كَلِمَةُ
إِبْرَاهِيمَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِذْ قَالَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=77فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
وَضَمِيرُ الْخِطَابِ فِي ( نُسَوِّيكُمْ ) مُوَجَّهٌ إِلَى الْأَصْنَامِ ، وَهُوَ مِنْ تَوْجِيهِ الْمُتَنَدِّمِ الْخِطَابَ إِلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَكَانَ سَبَبًا فِي الْأَمْرِ الَّذِي جَرَّ إِلَيْهِ النَّدَامَةَ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْقِلُ وَيَسْمَعُ . وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ الْمُبَالَغَةُ فِي تَوْبِيخِ نَفْسِهِ . وَمِنْهُ مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14847الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ : أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ دَخَلَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَوَجَدَهُ مُمْسِكًا بِلِسَانِهِ بِأُصْبُعَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ : أَنْتَ أَوْرَدَتْنِي الْمَوَارِدَ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى
الصَّفَا يُلَبِّي وَيَقُولُ : يَا لِسَانُ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ وَاسْكُتْ عَنْ شَرٍّ تَسْلَمْ . وَهَذَا أُسْلُوبٌ مُتَّبَعٌ فِي الْكَلَامِ نَثْرًا وَنَظْمًا قَالَ
أَبُو تَمَّامٍ :
فَيَا دَمْعُ أَنْجِدْنِي عَلَى سَاكِنِي نَجْدٍ
وَصِيغَ ( نُسَوِّيكُمْ ) فِي صِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الصُّورَةِ الْعَجِيبَةِ حِينَ يَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْأَصْنَامِ بِالدُّعَاءِ وَالنُّعُوتِ الْإِلَهِيَّةِ .
وَقَوْلُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ خِطَابُ بَعْضِ الْعَامَّةِ لِبَعْضٍ . وَعَنَوْا بِالْمُجْرِمِينَ أَيِمَّةَ الْكُفْرِ الَّذِينَ ابْتَدَعُوا لَهُمُ الشِّرْكَ وَاخْتَلَقُوا لَهُمْ دِينًا .
وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ فِي ( الْمُجْرِمُونَ ) مُسْتَعْمَلًا فِي كَمَالِ الْإِجْرَامِ فَإِنَّ مِنْ مَعَانِي اللَّامِ أَنْ تَدُلَّ عَلَى مَعْنَى الْكَمَالِ .
وَرَتَّبُوا بِالْفَاءِ انْتِفَاءَ الشَّافِعِينَ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=99وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ حَيْثُ أَطْمَعُوهُمْ بِشَفَاعَةِ الْأَصْنَامِ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلُ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ فَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنْ لَا شَفَاعَةَ لَهَا ، وَهَذَا الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّحَسُّرِ وَالتَّوَجُّعِ .
[ ص: 155 ] وَالشَّافِعُ : الَّذِي يَكُونُ وَاسِطَةَ جَلْبِ نَفْعٍ لِغَيْرِهِ أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ عَنْهُ . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=123وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ ) فِي الْبَقَرَةِ ، وَالشَّفِيعُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=101وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ) فَهُوَ تَتْمِيمٌ أَثَارَهُ مَا يَلْقَوْنَهُ مِنْ سُوءِ الْمُعَامَلَةِ مِنْ كُلِّ مَنْ يَمُرُّونَ بِهِ أَوْ يَتَّصِلُونَ ، وَمِنَ الْحِرْمَانِ الَّذِي يُعَامِلُهُمْ كُلُّ مَنْ يَسْأَلُونَهُ الرِّفْقَ بِهِمْ حَتَّى عَلِمُوا أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ تَتَبَرَّأُ مِنْهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=166وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ فَإِنَّ الصَّدِيقَ هُوَ الَّذِي يُوَاسِيكَ أَوْ يُسَلِّيكَ أَوْ يَتَوَجَّعُ وَيَوْمَئِذٍ حَقَّتْ كَلِمَةُ اللَّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=67الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الصَّدِيقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : أَوْ صَدِيقِكُمْ فِي سُورَةِ النُّورِ .
وَالْحَمِيمُ : الْقَرِيبُ ، فَعِيلٌ مِنْ حَمَّ بِفَتْحِ الْحَاءِ إِذَا دَنَا وَقَرُبَ فَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الصَّدِيقِ .
وَالْمُرَادُ نَفْيُ جِنْسِ الشَّفِيعِ وَجِنْسِ الصَّدِيقِ لِوُقُوعِ الِاسْمَيْنِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ الْمُؤَكَّدِ بِ ( مِنْ ) الزَّائِدَةِ ، وَفِي ذَلِكَ السِّيَاقِ يَسْتَوِي الْمُفْرَدُ وَالْجَمْعُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجِنْسِ . وَإِنَّمَا خُولِفَ بَيْنَ اسْمَيْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ فِي حِكَايَةِ كَلَامِهِمْ إِذْ جِيءَ بِ ( شَافِعِينَ ) جَمْعًا ، وَبِ ( صَدِيقٍ ) مُفْرَدًا ; لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالشَّافِعِينَ الْآلِهَةَ الْبَاطِلَةَ وَكَانُوا يَعْهَدُونَهُمْ عَدِيدِينَ فَجَرَى عَلَى كَلَامِهِمْ مَا هُوَ مُرْتَسِمٌ فِي تَصَوُّرِهِمْ . وَأَمَّا الصَّدِيقُ فَإِنَّهُ مَفْرُوضٌ جِنْسُهُ دُونَ عَدَدِ أَفْرَادِهِ إِذْ لَمْ يَعْنُوا عَدَدًا مُعَيَّنًا فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِ نَفْيِ الْجِنْسِ ، وَعَلَى الْأَصْلِ فِي الْأَلْفَاظِ إِذْ لَمْ يَكُنْ دَاعٍ لِغَيْرِ الْإِفْرَادِ . وَالَّذِي يَبْدُو لِي أَنَّهُ أُوثِرُ جَمْعُ ( شَافِعِينَ ) ; لِأَنَّهُ أَنْسَبُ بِصُورَةِ مَا فِي أَذْهَانِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ . وَأَمَّا إِفْرَادُ ( صَدِيقٍ ) فَلِأَنَّهُ أُرِيدَ أَنْ يُجْرَى عَلَيْهِ وَصْفُ ( حَمِيمٍ ) فَلَوْ جِيءَ بِالْمَوْصُوفِ جَمْعًا لَاقْتَضَى جَمْعُ وَصْفِهِ ، وَجَمْعُ ( حَمِيمٍ ) فِيهِ ثِقَلٌ لَا يُنَاسِبُ مُنْتَهَى الْفَصَاحَةِ وَلَا يَلِيقُ بِصُورَةِ الْفَاصِلَةِ مَعَ مَا حَصَلَ فِي ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ الَّذِي هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ الْبُلَغَاءِ .
ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَى هَذَا التَّحَسُّرِ وَالنَّدَامَةِ تَمَنِّي أَنْ يُعَادُوا إِلَى الدُّنْيَا لِيَتَدَارَكُوا أَمْرَهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ .
وَ ( لَوْ ) هَذِهِ لِلتَّمَنِّي ، وَأَصْلُهَا ( لَوْ ) الشَّرْطِيَّةُ لَكِنَّهَا تُنُوسِيَ مِنْهَا مَعْنَى الشَّرْطِ .
[ ص: 156 ] وَأَصْلُهَا : لَوْ أُرْجِعْنَا إِلَى الدُّنْيَا لَآمَنَّا ، لَكِنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْصِدُ تَعْلِيقَ الِامْتِنَاعِ عَلَى امْتِنَاعٍ تَمَحَّضَتْ ( لَوْ ) لِلتَّمَنِّي لِمَا بَيْنَ الشَّيْءِ الْمُمْتَنِعِ وَبَيْنَ كَوْنِهِ مُتَمَنًّى مِنَ الْمُنَاسَبَةِ . وَالْكَرَّةُ : مَرَّةٌ مِنَ الْكَرِّ وَهُوَ الرُّجُوعُ .
وَانْتَصَبَ ( فَتَكُونَ ) فِي جَوَابِ التَّمَنِّي .