nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224nindex.php?page=treesubj&link=28997_18933_18943_18935والشعراء يتبعهم الغاوون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=225ألم تر أنهم في كل واد يهيمون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وأنهم يقولون ما لا يفعلون nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا .
كان مما حوته كنانة بهتان المشركين أن قالوا في النبيء صلى الله عليه وسلم : هو شاعر ، فلما نثلت الآيات السابقة سهام كنانتهم وكسرتها وكان منها قولهم : هو كاهن ، لم يبق إلا إبطال قولهم : هو شاعر ، وكان بين الكهانة والشعر جامع في خيال المشركين إذ كانوا يزعمون أن للشاعر شيطانا يملي عليه الشعر وربما سموه الرئي ، فناسب أن يقارن بين تزييف قولهم في القرآن : هو شعر ، وقولهم في النبيء صلى الله عليه وسلم : هو شاعر ، وبين قولهم : هو قول كاهن ، كما قرن بينهما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=41وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=42ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون ; فعطف هنا قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224والشعراء يتبعهم الغاوون على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=222تنزل على كل أفاك أثيم .
ولما كان حال الشعراء في نفس الأمر مخالفا لحال الكهان إذ لم يكن لملكة الشعر اتصال ما بالنفوس الشيطانية ، وإنما كان ادعاء ذلك من اختلاق بعض الشعراء أشاعوه بين عامة العرب ، اقتصرت الآية على نفي أن يكون الرسول
[ ص: 208 ] شاعرا ، وأن يكون القرآن شعرا . دون تعرض إلى أنه تنزيل الشياطين كما جاء في ذكر الكهانة .
وقد كان نفر من الشعراء
بمكة يهجون النبيء صلى الله عليه وسلم ، وكان المشركون يعنون بمجالسهم وسماع أقوالهم ويجتمع إليهم الأعراب خارج
مكة يستمعون أشعارهم وأهاجيهم ، أدمجت الآية حال من يتبع الشعراء بحالهم تشويها للفريقين وتنفيرا منهما . ومن هؤلاء
النضر بن الحارث ، وهبيرة بن أبي وهب ، ومسافع بن عبد مناف ، وأبو عزة الجمحي ، وابن الزبعرى ، nindex.php?page=showalam&ids=12467وأمية بن أبي الصلت ، nindex.php?page=showalam&ids=9809وأبو سفيان بن الحارث ، وأم جميل العوراء بنت حرب زوج أبي لهب التي لقبها القرآن : (
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4حمالة الحطب ) وكانت شاعرة وهي التي قالت :
مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
فكانت هذه الآية
nindex.php?page=treesubj&link=18947_18944نفيا للشعر أن يكون من خلق النبيء صلى الله عليه وسلم وذما للشعراء الذين تصدوا لهجائه .
فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224يتبعهم الغاوون ) ذم لأتباعهم وهو يقتضي ذم المتبوعين بالأحرى . والغاوي : المتصف بالغي ، والغواية وهي الضلالة الشديدة ، أي : يتبعهم أهل الضلالة والبطالة الراغبون في الفسق والأذى . فقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224يتبعهم الغاوون ) خبر ، وفيه كناية عن تنزيه النبيء صلى الله عليه وسلم أن يكون منهم فإن أتباعه خيرة قومهم وليس فيهم أحد من الغاوين ، فقد اشتملت هذه الجملة على تنزيه النبيء صلى الله عليه وسلم وتنزيه أصحابه وعلى ذم الشعراء وذم أتباعهم وتنزيه القرآن عن أن يكون شعرا .
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي هنا يظهر أنه لمجرد التقوي والاهتمام بالمسند إليه للفت السمع إليه ، والمقام مستغن عن الحصر لأنه إذا كانوا يتبعهم الغاوون فقد انتفى أتباعهم عن الصالحين ; لأن شأن المجالس أن يتحد أصحابها في النزعة كما قيل :
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
وجعله في الكشاف للحصر ، أي : لا يتبعهم إلا الغاوون ; لأنه أصرح في نفي اتباع الشعراء عن المسلمين . وهذه طريقته باطراد في تقديم المسند إليه على الخبر
[ ص: 209 ] الفعلي أنه يفيد تخصيصه بالخبر ، أي : قصر مضمون الخبر عليه ، أي : فهو قصر إضافي كما تقدم بيانه عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15الله يستهزئ بهم في سورة البقرة .
والرؤية في ( ألم تر ) قلبية ; لأن الهيام والوادي مستعاران لمعاني اضطراب القول في أغراض الشعر وذلك مما يعلم لا مما يرى .
والاستفهام تقريري ، وأجري التقرير على نفي الرؤية لإظهار أن الإقرار لا محيد عنه كما تقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18قال ألم نربك فينا وليدا ، والخطاب لغير معين . وضمائر ( أنهم ويهيمون ويقولون ويفعلون ) عائدة إلى الشعراء .
فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=225ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وما عطف عليها مؤكدة لما اقتضته جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224يتبعهم الغاوون ) من ذم الشعراء بطريق فحوى الخطاب .
ومثلت حال الشعراء بحال الهائمين في أودية كثيرة مختلفة ; لأن الشعراء يقولون في فنون من الشعر من هجاء واعتداء على أعراض الناس ، ومن نسيب وتشبيب بالنساء ، ومدح من يمدحونه رغبة في عطائه وإن كان لا يستحق المدح ، وذم من يمنعهم وإن كان من أهل الفضل ، وربما ذموا من كانوا يمدحونه ، ومدحوا من سبق لهم ذمه .
والهيام : هو الحيرة والتردد في المرعى . والواد : المنخفض بين عدوتين . وإنما ترعى الإبل الأودية إذا أقحلت الربى ، والربى أجود كلأ ، فمثل حال الشعراء بحال الإبل الراعية في الأودية متحيرة ؛ لأن الشعراء في حرص على القول لاختلاب النفوس .
و ( كل ) مستعمل في الكثرة . روي أنه اندس بعض المزاحين في زمرة الشعراء عند بعض الخلفاء فعرف الحاجب الشعراء وأنكر هذا الذي اندس فيهم فقال له : هؤلاء الشعراء وأنت من الشعراء ؟ قال : بل أنا من الغاوين . فاستطرفها .
وشفع مذمتهم هذه بمذمة الكذب فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وأنهم يقولون ما لا يفعلون ، والعرب يتمادحون بالصدق ويعيرون بالكذب ، والشاعر يقول ما لا يعتقد وما يخالف الواقع حتى قيل : أحسن الشعر أكذبه ، والكذب مذموم في الدين الإسلامي فإن
[ ص: 210 ] كان الشعر كذبا لا قرينة على مراد صاحبه فهو قبيح وإن كان عليه قرينة كان كذبا معتذرا عنه فكان غير محمود .
وفي هذا إبداء للبون الشاسع بين حال الشعراء وحال
nindex.php?page=treesubj&link=30983النبيء صلى الله عليه وسلم الذي كان لا يقول إلا حقا ولا يصانع ولا يأتي بما يضلل الأفهام .
ومن اللطائف أن
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق أنشد عند
nindex.php?page=showalam&ids=16044سليمان بن عبد الملك قوله :
فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام
فقال
سليمان : قد وجب عليك الحد . فقال : يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وأنهم يقولون ما لا يفعلون . وروي أن
النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملا
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر بن الخطاب فقال شعرا :
من مبلغ الحسناء أن حليلـهـا بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إلى أن قال :
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهـدم
فبلغ ذلك
عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه وقال له : أي : والله إني ليسوءني ذلك وقد وجب عليك الحد . فقال : يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا مما قلت وإنما كان فضلة من القول وقد قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وأنهم يقولون ما لا يفعلون فقال له
عمر : أما عذرك فقد درأ عنك الحد ولكن لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت .
وقد كني باتباع الغاوين إياهم عن كونهم غاوين ، وأفيد بتفظيع تمثيلهم بالإبل الهائمة تشويه حالتهم ، وأن ذلك من أجل الشعر كما يؤذن به إناطة الخبر بالمشتق ، فاقتضى ذلك أن الشعر منظور إليه في الدين بعين الغض منه ، واستثناء (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) إلخ . . . من عموم الشعراء ، أي : من حكم ذمهم . وبهذا الاستثناء تعين أن المذمومين هم شعراء المشركين الذين شغلهم الشعر عن سماع القرآن والدخول في الإسلام .
[ ص: 211 ] ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وذكروا الله كثيرا أي : كان إقبالهم على القرآن والعباد أكثر من إقبالهم على الشعر .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وانتصروا من بعد ما ظلموا وهم من أسلموا من الشعراء وقالوا
nindex.php?page=treesubj&link=18944_18938الشعر في هجاء المشركين والانتصار للنبيء صلى الله عليه وسلم مثل الذين أسلموا وهاجروا إلى
الحبشة فقد قالوا شعرا كثيرا في ذم المشركين . وكذلك من أسلموا من
الأنصار nindex.php?page=showalam&ids=82كعبد الله بن رواحة ، nindex.php?page=showalam&ids=144وحسان بن ثابت ومن أسلم من بعد من العرب مثل
لبيد ، وكعب بن زهير ، وسحيم عبد بني الحسحاس ، وليس ذكر المؤمنين من الشعراء بمقتضي كون بعض السورة مدنيا كما تقدم في الكلام على ذلك أول السورة .
وقد دلت الآية على أن
nindex.php?page=treesubj&link=18936_18940للشعر حالتين : حالة مذمومة ، وحالة مأذونة ، فتعين أن ذمه ليس لكونه شعرا ولكن لما حف به من معان وأحوال اقتضت المذمة ، فانفتح بالآية للشعر باب قبول ومدح فحق على أهل النظر ضبط الأحوال التي تأوي إلى جانب قبوله أو إلى جانب مدحه ، والتي تأوي إلى جانب رفضه . وقد أومأ إلى الحالة الممدوحة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وانتصروا من بعد ما ظلموا ، وإلى الحالة المأذونة قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وعملوا الصالحات ) . وكيف وقد
nindex.php?page=treesubj&link=18936أثنى النبيء صلى الله عليه وسلم على بعض الشعر مما فيه محامد الخصال واستنصت أصحابه
كعب بن زهير مما فيه دقة صفات الرواحل الفارهة ، على أنه أذن
لحسان في مهاجاة المشركين وقال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342274كلامك أشد عليهم من وقع النبل . . وقال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342275قل ومعك روح القدس . وسيأتي شيء من هذا عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وما علمناه الشعر وما ينبغي له في سورة يس . وأجاز عليه كما أجاز
كعب بن زهير فخلع عليه بردته فتلك حالة مقبولة ; لأنه جاء مؤمنا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342276سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر : أصدق كلمة ، أو أشعر كلمة قالتها العرب كلمة لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل . وكان يستنشد شعر
nindex.php?page=showalam&ids=12467أمية بن أبي الصلت لما فيه من الحكمة وقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342277كاد أمية أن يسلم ، وأمر
حسان nindex.php?page=treesubj&link=18944بهجاء المشركين وقال له :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342275قل ومعك روح القدس . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=331لكعب بن مالك :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342278لكلامك أشد عليهم من وقع النبل .
[ ص: 212 ] روى
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن بسنده إلى
خريم بن أوس بن حارثة أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342279هاجرت إلى رسول الله بالمدينة منصرفه من تبوك فسمعت العباس قال : يا رسول الله إني أريد أن أمتدحك . فقال : قل لا يفضض الله فاك . فقال العباس :
من قبلها طبت في الظلال وفي
مستودع حيث يخصف الورق
الأبيات السبعة . فقال له النبيء صلى الله عليه وسلم : لا يفضض الله فاك .
وروى
الترمذي عن
أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=10342280أن النبيء صلى الله عليه وسلم دخل مكة في عمرة القضاء nindex.php?page=showalam&ids=82وعبد الله بن رواحة يمشي بين يديه يقول :
خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليلـه
فقال له عمر : يا nindex.php?page=showalam&ids=82ابن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ فقال له النبيء صلى الله عليه وسلم : خل عنه يا عمر فإنه أسرع فيهم من نضح النبل .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أن
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك nindex.php?page=hadith&LINKID=10342281قال : يا رسول الله ، ما تقول في الشعر ؟ قال : nindex.php?page=treesubj&link=32625إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ، والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل .
nindex.php?page=showalam&ids=8ولعلي بن أبي طالب شعر كثير ، وكثير منه غير صحيح النسبة إليه .
وقد بين
القرطبي في تفسيره في هذه السورة وفي سورة النور القول في التفرقة بين حالي الشعر وكذلك الشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13990عبد القاهر الجرجاني في أول كتاب دلائل الإعجاز .
ووجب أن يكون النظر في معاني الشعر وحال الشاعر ولم يزل العلماء يعنون بشعر العرب ومن بعدهم ، وفي ذلك الشعر تحبيب لفصاحة العربية وبلاغتها وهو آيل إلى غرض شرعي من إدراك بلاغة القرآن .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227من بعد ما ظلموا ) أي : من بعد ما ظلمهم المشركون بالشتم والهجاء .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224nindex.php?page=treesubj&link=28997_18933_18943_18935وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=225أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا .
كَانَ مِمَّا حَوَتْهُ كِنَانَةُ بُهْتَانِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ قَالُوا فِي النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ شَاعِرٌ ، فَلَمَّا نَثَلَتِ الْآيَاتُ السَّابِقَةُ سِهَامَ كِنَانَتِهِمْ وَكَسَرَتْهَا وَكَانَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ : هُوَ كَاهِنٌ ، لَمْ يَبْقَ إِلَّا إِبْطَالُ قَوْلِهِمْ : هُوَ شَاعِرٌ ، وَكَانَ بَيْنَ الْكَهَانَةِ وَالشِّعْرِ جَامِعٌ فِي خَيَالِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ لِلشَّاعِرِ شَيْطَانًا يُمْلِي عَلَيْهِ الشِّعْرَ وَرُبَّمَا سَمَّوْهُ الرَّئِيَّ ، فَنَاسَبَ أَنْ يُقَارَنَ بَيْنَ تَزْيِيفِ قَوْلِهِمْ فِي الْقُرْآنِ : هُوَ شِعْرٌ ، وَقَوْلِهِمْ فِي النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ شَاعِرٌ ، وَبَيْنَ قَوْلِهِمْ : هُوَ قَوْلُ كَاهِنٍ ، كَمَا قَرَنَ بَيْنَهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=41وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=42وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ; فَعَطَفَ هُنَا قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=222تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ .
وَلَمَّا كَانَ حَالُ الشُّعَرَاءِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُخَالِفًا لِحَالِ الْكُهَّانِ إِذْ لَمْ يَكُنْ لِمَلَكَةِ الشِّعْرِ اتِّصَالٌ مَا بِالنُّفُوسِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، وَإِنَّمَا كَانَ ادِّعَاءُ ذَلِكَ مِنَ اخْتِلَاقِ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ أَشَاعُوهُ بَيْنَ عَامَّةِ الْعَرَبِ ، اقْتَصَرَتِ الْآيَةُ عَلَى نَفْيِ أَنْ يَكُونَ الرَّسُولُ
[ ص: 208 ] شَاعِرًا ، وَأَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ شِعْرًا . دُونَ تَعَرُّضٍ إِلَى أَنَّهُ تَنْزِيلُ الشَّيَاطِينِ كَمَا جَاءَ فِي ذِكْرِ الْكَهَانَةِ .
وَقَدْ كَانَ نَفَرٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ
بِمَكَّةَ يَهْجُونَ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُعْنَوْنَ بِمَجَالِسِهِمْ وَسَمَاعِ أَقْوَالِهِمْ وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِمُ الْأَعْرَابُ خَارِجَ
مَكَّةَ يَسْتَمِعُونَ أَشْعَارَهُمْ وَأَهَاجِيَهُمْ ، أَدْمَجَتِ الْآيَةُ حَالَ مَنْ يَتَّبِعُ الشُّعَرَاءَ بِحَالِهِمْ تَشْوِيهًا لِلْفَرِيقَيْنِ وَتَنْفِيرًا مِنْهُمَا . وَمِنْ هَؤُلَاءِ
النَّضِرُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ ، وَمُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَأَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ ، وَابْنُ الزِّبَعْرَى ، nindex.php?page=showalam&ids=12467وَأُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ ، nindex.php?page=showalam&ids=9809وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ ، وَأُمُّ جَمِيلٍ الْعَوْرَاءُ بِنْتُ حَرْبٍ زَوْجُ أَبِي لَهَبٍ الَّتِي لَقَّبَهَا الْقُرْآنُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ) وَكَانَتْ شَاعِرَةً وَهِيَ الَّتِي قَالَتْ :
مُذَمَّمًا عَصَيْنَا وَأَمْرَهُ أَبَيْنَا وَدِينَهُ قَلَيْنَا
فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=18947_18944نَفْيًا لِلشِّعْرِ أَنْ يَكُونَ مِنْ خُلُقِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَمَّا لِلشُّعَرَاءِ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِهِجَائِهِ .
فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) ذَمٌّ لِأَتْبَاعِهِمْ وَهُوَ يَقْتَضِي ذَمَّ الْمَتْبُوعِينَ بِالْأَحْرَى . وَالْغَاوِي : الْمُتَّصِفُ بِالْغَيِّ ، وَالْغَوَايَةُ وَهِيَ الضَّلَالَةُ الشَّدِيدَةُ ، أَيْ : يَتَّبِعُهُمْ أَهْلُ الضَّلَالَةِ وَالْبِطَالَةِ الرَّاغِبُونَ فِي الْفِسْقِ وَالْأَذَى . فَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) خَبَرٌ ، وَفِيهِ كِنَايَةٌ عَنْ تَنْزِيهِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ فَإِنَّ أَتْبَاعَهُ خِيرَةُ قَوْمِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ أَحَدٌ مِنَ الْغَاوِينَ ، فَقَدِ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى تَنْزِيهِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْزِيهِ أَصْحَابِهِ وَعَلَى ذَمِّ الشُّعَرَاءِ وَذَمِّ أَتْبَاعِهِمْ وَتَنْزِيهِ الْقُرْآنِ عَنْ أَنْ يَكُونَ شِعْرًا .
وَتَقْدِيمُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ هُنَا يُظْهِرُ أَنَّهُ لِمُجَرَّدِ التَّقَوِّي وَالِاهْتِمَامِ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِلَفْتِ السَّمْعِ إِلَيْهِ ، وَالْمَقَامُ مُسْتَغْنٍ عَنِ الْحَصْرِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانُوا يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ فَقَدِ انْتَفَى أَتْبَاعُهُمْ عَنِ الصَّالِحِينَ ; لِأَنَّ شَأْنَ الْمَجَالِسِ أَنْ يَتَّحِدَ أَصْحَابُهَا فِي النَّزْعَةِ كَمَا قِيلَ :
عَنِ الْمَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ
وَجَعَلَهُ فِي الْكَشَّافِ لِلْحَصْرِ ، أَيْ : لَا يَتَّبِعُهُمْ إِلَّا الْغَاوُونَ ; لِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي نَفْيِ اتِّبَاعِ الشُّعَرَاءِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ . وَهَذِهِ طَرِيقَتُهُ بِاطِّرَادٍ فِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ
[ ص: 209 ] الْفِعْلِيِّ أَنَّهُ يُفِيدُ تَخْصِيصَهُ بِالْخَبَرِ ، أَيْ : قَصْرُ مَضْمُونِ الْخَبَرِ عَلَيْهِ ، أَيْ : فَهُوَ قَصْرٌ إِضَافِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالرُّؤْيَةُ فِي ( أَلَمْ تَرَ ) قَلْبِيَّةٌ ; لِأَنَّ الْهُيَامَ وَالْوَادِي مُسْتَعَارَانِ لِمَعَانِي اضْطِرَابِ الْقَوْلِ فِي أَغْرَاضِ الشِّعْرِ وَذَلِكَ مِمَّا يُعْلَمُ لَا مِمَّا يُرَى .
وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ ، وَأُجْرِيَ التَّقْرِيرُ عَلَى نَفْيِ الرُّؤْيَةِ لِإِظْهَارِ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا مَحِيدَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=18قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا ، وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ . وَضَمَائِرُ ( أَنَّهُمْ وَيَهِيمُونَ وَيَقُولُونَ وَيَفْعَلُونَ ) عَائِدَةٌ إِلَى الشُّعَرَاءِ .
فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=225أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا مُؤَكِّدَةٌ لِمَا اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=224يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ) مِنْ ذَمِّ الشُّعَرَاءِ بِطَرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ .
وَمُثِّلَتْ حَالُ الشُّعَرَاءِ بِحَالِ الْهَائِمِينَ فِي أَوْدِيَةٍ كَثِيرَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ; لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ يَقُولُونَ فِي فُنُونٍ مِنَ الشِّعْرِ مِنْ هِجَاءٍ وَاعْتِدَاءٍ عَلَى أَعْرَاضِ النَّاسِ ، وَمِنْ نَسِيبٍ وَتَشْبِيبٍ بِالنِّسَاءِ ، وَمَدْحِ مَنْ يَمْدَحُونَهُ رَغْبَةً فِي عَطَائِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ ، وَذَمِّ مَنْ يَمْنَعُهُمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ ، وَرُبَّمَا ذَمُّوا مَنْ كَانُوا يَمْدَحُونَهُ ، وَمَدَحُوا مَنْ سَبَقَ لَهُمْ ذَمَّهُ .
وَالْهُيَامُ : هُوَ الْحَيْرَةُ وَالتَّرَدُّدُ فِي الْمَرْعَى . وَالْوَادِ : الْمُنْخَفِضُ بَيْنَ عُدْوَتَيْنِ . وَإِنَّمَا تَرْعَى الْإِبِلُ الْأَوْدِيَةَ إِذَا أَقْحَلَتِ الرُّبَى ، وَالرُّبَى أَجْوَدُ كَلَأً ، فَمُثِّلَ حَالُ الشُّعَرَاءِ بِحَالِ الْإِبِلِ الرَّاعِيَةِ فِي الْأَوْدِيَةِ مُتَحَيِّرَةً ؛ لِأَنَّ الشُّعَرَاءَ فِي حِرْصٍ عَلَى الْقَوْلِ لِاخْتِلَابِ النُّفُوسِ .
وَ ( كُلِّ ) مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكَثْرَةِ . رُوِيَ أَنَّهُ انْدَسَّ بَعْضُ الْمَزَّاحِينَ فِي زُمْرَةِ الشُّعَرَاءِ عِنْدَ بَعْضِ الْخُلَفَاءِ فَعَرَفَ الْحَاجِبُ الشُّعَرَاءَ وَأَنْكَرَ هَذَا الَّذِي انْدَسَّ فِيهِمْ فَقَالَ لَهُ : هَؤُلَاءِ الشُّعَرَاءُ وَأَنْتَ مِنَ الشُّعَرَاءِ ؟ قَالَ : بَلْ أَنَا مِنَ الْغَاوِينَ . فَاسْتَطْرَفَهَا .
وَشَفَّعَ مَذَمَّتَهُمْ هَذِهِ بِمَذَمَّةِ الْكَذِبِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَالْعَرَبُ يَتَمَادَحُونَ بِالصِّدْقِ وَيُعَيِّرُونَ بِالْكَذِبِ ، وَالشَّاعِرُ يَقُولُ مَا لَا يَعْتَقِدُ وَمَا يُخَالِفُ الْوَاقِعَ حَتَّى قِيلَ : أَحْسَنُ الشَّعْرِ أَكْذَبُهُ ، وَالْكَذِبُ مَذْمُومٌ فِي الدِّينِ الْإِسْلَامِيِّ فَإِنْ
[ ص: 210 ] كَانَ الشِّعْرُ كَذِبًا لَا قَرِينَةَ عَلَى مُرَادِ صَاحِبِهِ فَهُوَ قَبِيحٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ كَانَ كَذِبًا مُعْتَذَرًا عَنْهُ فَكَانَ غَيْرَ مَحْمُودٍ .
وَفِي هَذَا إِبْدَاءٌ لِلْبَوْنِ الشَّاسِعِ بَيْنَ حَالِ الشُّعَرَاءِ وَحَالِ
nindex.php?page=treesubj&link=30983النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَانَ لَا يَقُولُ إِلَّا حَقًّا وَلَا يُصَانِعُ وَلَا يَأْتِي بِمَا يُضَلِّلُ الْأَفْهَامَ .
وَمِنَ اللَّطَائِفِ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقَ أَنْشَدَ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16044سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلَهُ :
فَبِتْنَ بِجَانِبَيَّ مُصَرَّعَاتٍ وَبِتُّ أَفُضُّ أَغْلَاقَ الْخِتَامِ
فَقَالَ
سُلَيْمَانُ : قَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ الْحَدُّ . فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ دَرَأَ اللَّهُ عَنِّي الْحَدَّ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ . وَرُوِيَ أَنَّ
النُّعْمَانَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ نَضْلَةَ كَانَ عَامِلًا
nindex.php?page=showalam&ids=2لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ شِعْرًا :
مَنْ مُبْلِغُ الْحَسْنَاءِ أَنَّ حَلِيلَـهَـا بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ
إِلَى أَنْ قَالَ :
لَعَلَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ تَنَادُمُنَا بِالْجَوْسَقِ الْمُتَهَـدِّمِ
فَبَلَّغَ ذَلِكَ
عُمَرَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ : أَيْ : وَاللَّهِ إِنِّي لَيَسُوءُنِي ذَلِكَ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْكَ الْحَدُّ . فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا فَعَلْتُ شَيْئًا مِمَّا قُلْتُ وَإِنَّمَا كَانَ فَضْلَةً مِنَ الْقَوْلِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=226وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ فَقَالَ لَهُ
عُمَرُ : أَمَّا عُذْرُكَ فَقَدْ دَرَأَ عَنْكَ الْحَدَّ وَلَكِنْ لَا تَعْمَلُ لِي عَمَلًا أَبَدًا وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ .
وَقَدْ كُنِّيَ بِاتِّبَاعِ الْغَاوِينَ إِيَّاهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ غَاوِينَ ، وَأُفِيدَ بِتَفْظِيعِ تَمْثِيلِهِمْ بِالْإِبِلِ الْهَائِمَةِ تَشْوِيهُ حَالَتِهِمْ ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الشِّعْرِ كَمَا يُؤْذِنُ بِهِ إِنَاطَةُ الْخَبَرِ بِالْمُشْتَقِّ ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الشِّعْرَ مَنْظُورٌ إِلَيْهِ فِي الدِّينِ بِعَيْنِ الْغَضِّ مِنْهُ ، وَاسْتِثْنَاءُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) إِلَخْ . . . مِنْ عُمُومِ الشُّعَرَاءِ ، أَيْ : مِنْ حُكْمِ ذَمِّهِمْ . وَبِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَعَيَّنَ أَنَّ الْمَذْمُومِينَ هُمْ شُعَرَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ شَغَلَهُمُ الشِّعْرُ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ .
[ ص: 211 ] وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا أَيْ : كَانَ إِقْبَالُهُمْ عَلَى الْقُرْآنِ وَالْعِبَادِ أَكْثَرَ مِنْ إِقْبَالِهِمْ عَلَى الشِّعْرِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَهُمْ مَنْ أَسْلَمُوا مِنَ الشُّعَرَاءِ وَقَالُوا
nindex.php?page=treesubj&link=18944_18938الشِّعْرَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَالِانْتِصَارِ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا وَهَاجَرُوا إِلَى
الْحَبَشَةِ فَقَدْ قَالُوا شِعْرًا كَثِيرًا فِي ذَمِّ الْمُشْرِكِينَ . وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمُوا مِنَ
الْأَنْصَارِ nindex.php?page=showalam&ids=82كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ، nindex.php?page=showalam&ids=144وَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَعْدُ مِنَ الْعَرَبِ مِثْلُ
لَبِيَدٍ ، وَكَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ ، وَسُحَيْمٍ عَبْدِ بَنِي الْحَسْحَاسِ ، وَلَيْسَ ذِكْرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّعَرَاءِ بِمُقْتَضِي كَوْنَ بَعْضِ السُّورَةِ مَدَنِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلَ السُّورَةِ .
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18936_18940لِلشِّعْرِ حَالَتَيْنِ : حَالَةٌ مَذْمُومَةٌ ، وَحَالَةٌ مَأْذُونَةٌ ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ ذَمَّهُ لَيْسَ لِكَوْنِهِ شِعْرًا وَلَكِنْ لِمَا حَفَّ بِهِ مِنْ مَعَانٍ وَأَحْوَالٍ اقْتَضَتِ الْمَذَمَّةَ ، فَانْفَتَحَ بِالْآيَةِ لِلشِّعْرِ بَابُ قَبُولٍ وَمَدْحٍ فَحَقٌّ عَلَى أَهْلِ النَّظَرِ ضَبْطُ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَأْوِي إِلَى جَانِبِ قَبُولِهِ أَوْ إِلَى جَانِبِ مَدْحِهِ ، وَالَّتِي تَأْوِي إِلَى جَانِبِ رَفْضِهِ . وَقَدْ أَوْمَأَ إِلَى الْحَالَةِ الْمَمْدُوحَةِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ، وَإِلَى الْحَالَةِ الْمَأْذُونَةِ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) . وَكَيْفَ وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=18936أَثْنَى النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ الشِّعْرِ مِمَّا فِيهِ مَحَامِدُ الْخِصَالِ وَاسْتَنْصَتَ أَصْحَابَهُ
كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ مِمَّا فِيهِ دِقَّةُ صِفَاتِ الرَّوَاحِلِ الْفَارِهَةِ ، عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ
لِحَسَّانَ فِي مُهَاجَاةِ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342274كَلَامُكَ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ . . وَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342275قُلْ وَمَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ . وَسَيَأْتِي شَيْءٌ مِنْ هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=69وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ فِي سُورَةِ يس . وَأَجَازَ عَلَيْهِ كَمَا أَجَازَ
كَعْبَ بْنَ زُهَيْرٍ فَخَلَعَ عَلَيْهِ بُرْدَتَهُ فَتِلْكَ حَالَةٌ مَقْبُولَةٌ ; لِأَنَّهُ جَاءَ مُؤْمِنًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342276سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : أَصْدَقُ كَلِمَةٍ ، أَوْ أَشْعَرُ كَلِمَةٍ قَالَتْهَا الْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيَدٍ :
أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ . وَكَانَ يَسْتَنْشِدُ شِعْرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12467أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحِكْمَةِ وَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342277كَادَ أُمَيَّةُ أَنْ يُسْلِمَ ، وَأَمَرَ
حَسَّانَ nindex.php?page=treesubj&link=18944بِهِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ لَهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342275قُلْ وَمَعَكَ رُوحُ الْقُدُسِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=331لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342278لَكَلَامُكَ أَشُدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ .
[ ص: 212 ] رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِسَنَدِهِ إِلَى
خُرَيْمِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342279هَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ بِالْمَدِينَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ فَسَمِعْتُ الْعَبَّاسَ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ . فَقَالَ : قُلْ لَا يُفَضِّضُ اللَّهُ فَاكَ . فَقَالَ الْعَبَّاسُ :
مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلَالِ وَفِي
مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يَخْصِفُ الْوَرَقُ
الْأَبْيَاتِ السَّبْعَةَ . فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا يُفْضِضِ اللَّهُ فَاكَ .
وَرَوَى
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
أَنَسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=10342280أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=82وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُولُ :
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِـهِ
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=82ابْنَ رَوَاحَةَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ تَقُولُ الشِّعْرَ ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : خَلِّ عَنْهُ يَا عُمَرُ فَإِنَّهُ أَسْرَعُ فِيهِمْ مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ .
وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=10342281قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ فِي الشِّعْرِ ؟ قَالَ : nindex.php?page=treesubj&link=32625إِنَّ الْمُؤْمِنَ يُجَاهِدُ بِسَيْفِهِ وَلِسَانِهِ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَكَأَنَّمَا تَنْضَحُونَهُمْ بِالنَّبْلِ .
nindex.php?page=showalam&ids=8وَلِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ شِعْرٌ كَثِيرٌ ، وَكَثِيرٌ مِنْهُ غَيْرُ صَحِيحِ النِّسْبَةِ إِلَيْهِ .
وَقَدْ بَيَّنَ
الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَفِي سُورَةِ النُّورِ الْقَوْلَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ حَالَيِ الشِّعْرِ وَكَذَلِكَ الشَّيْخُ
nindex.php?page=showalam&ids=13990عَبْدُ الْقَاهِرِ الْجُرْجَانِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ .
وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِي مَعَانِي الشِّعْرِ وَحَالِ الشَّاعِرِ وَلَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ يُعْنَوْنَ بِشِعْرِ الْعَرَبِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَفِي ذَلِكَ الشِّعْرِ تَحْبِيبٌ لِفَصَاحَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَبَلَاغَتِهَا وَهُوَ آيِلٌ إِلَى غَرَضٍ شَرْعِيٍّ مِنْ إِدْرَاكِ بَلَاغَةِ الْقُرْآنِ .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=227مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ) أَيْ : مِنْ بَعْدِ مَا ظَلَمَهُمُ الْمُشْرِكُونَ بِالشَّتْمِ وَالْهِجَاءِ .