[ ص: 258 ] nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28998_31970قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين .
طويت أخبار كثيرة دل عليها ما بين الخبرين المذكورين من اقتضاء عدة أحداث ، إذ التقدير : فذهب الهدهد إلى
سبأ فرمى بالكتاب فأبلغ الكتاب إلى الملكة وهي في مجلس ملكها فقرأته قالت :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29يا أيها الملأ إلخ .
وجملة ( قالت ) مستأنفة استئنافا بيانيا ; لأن غرابة قصة إلقاء الكتاب إليها يثير سؤالا عن شأنها حين بلغها الكتاب .
والملأ : الجماعة من أشراف القوم وهم أهل مجلسها . وظاهر قولها (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29ألقي إلي ) أن الكتاب سلم إليها دون حضور أهل مجلسها . وتقدم غير مرة وذلك أن يكون نظام بلاطها أن تسلم الرسائل إليها رأسا .
والإلقاء تقدم آنفا .
ووصف الكتاب بالكريم ينصرف إلى نفاسته في جنسه كما تقدم عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=74لهم مغفرة ورزق كريم في سورة الأنفال ; بأن كان نفيس الصحيفة نفيس التخطيط بهيج الشكل مستوفيا كل ما جرت عادة أمثالهم بالتأنق فيه . ومن ذلك أن يكون مختوما ، وقد قيل : كرم الكتاب ختمه ليكون ما في ضمنه خاصا باطلاع من أرسل إليه وهو يطلع عليه من يشاء ويكتمه عمن يشاء . قال
ابن العربي : ( الوصف بالكرم في الكتاب غاية الوصف ; ألا ترى إلى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=77إنه لقرآن كريم وأهل الزمان يصفون الكتاب بالخطير ، والأثير ، والمبرور ، فإن كان لملك قالوا : العزيز ، وأسقطوا الكريم غفلة وهو أفضلها خصلة ) .
وأما ما يشتمل عليه الكتاب من المعاني فلم يكن محمودا عندها ؛ لأنها قالت :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=34إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة .
ثم قصت عليهم الكتاب حين قالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان وإنه ) إلى آخره . فيحتمل أن يكون قد ترجم لها قبل أن تخرج إلى مجلس مشورتها ، ويحتمل أن
[ ص: 259 ] تكون عارفة بالعبرانية ، ويحتمل أن يكون الكتاب مكتوبا بالعربية القحطانية فإن عظمة ملك
سليمان لا تخلو من كتاب عارفين بلغات الأمم المجاورة لمملكته ، وكونه بلغته أظهر وأنسب بشعار الملوك ، وقد كتب النبيء صلى الله عليه وسلم للملوك باللغة العربية .
أما الكلام المذكور في هذه الآية فهو ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية الفصحى بتضمين دقائقه وخصوصيات اللغة التي أنشئ بها .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان هو من كلام الملكة ابتدأت به مخاطبة أهل مشورتها لإيقاظ أفهامهم إلى التدبر في مغزاه ; لأن اللائق
بسليمان أن لا يقدم في كتابه شيئا قبل اسم الله تعالى ، وأن معرفة اسم
سليمان تؤخذ من ختمه وهو خارج الكتاب فلذلك ابتدأت به أيضا .
والتأكيد ب ( إن ) في الموضعين يترجم عما في كلامهما باللغة السبائية من عبارات دالة على اهتمامها بمرسل الكتاب وبما تضمنه الكتاب اهتماما يؤدى مثله في العربية الفصحى بحرف التأكيد الذي يدل على الاهتمام في مقام لا شك فيه .
وتكرير حرف ( إن ) بعد واو العطف إيماء إلى اختلاف المعطوف والمعطوف عليه بأن المراد بالمعطوف عليه ذات الكتابة والمراد بالمعطوف معناه وما اشتمل عليه ، كما تقول : إن فلانا لحسن الطلعة وإنه لزكي . وهذا من خصوصيات إعادة العامل بعد حرف العطف مع إغناء حرف العطف عن ذكر العامل ، ونظيره قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، أعيد ( أطيعوا ) لاختلاف معنى الطاعتين ; لأن طاعة الله تنصرف إلى الأعمال الدينية وطاعة الرسول مراد بها طاعته في التصرفات الدنيوية ولذلك عطف على الرسول أولو الأمر من الأمة .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان حكاية لمقالها ، وعرفت هي ذلك من عنوان الكتاب بأعلاه أو بظاهره على حسب طريقة الرسائل السلطانية في ذلك العهد في
بني إسرائيل ، مثل افتتاح كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك بجملة ( من
محمد رسول الله ) .
[ ص: 260 ] وافتتاح الكتاب بجملة البسملة يدل على أن مرادفها كان خاصا بكتب النبيء
سليمان أن يتبع اسم الجلالة بوصفي : الرحمن الرحيم ، فصار ذلك سنة لافتتاح الأمور ذوات البال في الإسلام ادخره الله للمسلمين من بقايا سنة الأنبياء بعد أن تنوسي ذلك فإنه لم يعرف أن
بني إسرائيل افتتحوا كتبهم باسم الله الرحمن الرحيم .
روى
أبو داود في كتاب المراسيل :
أن النبيء صلى الله عليه وسلم كان يكتب ( باسمك اللهم ) كما كانت قريش تكتب ، فلما نزلت هذه الآية صار يكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، أي : صار يكتب البسملة في أول كتبه . وأما جعلها فصلا بين السور أو آية من كل سورة فمسألة أخرى .
وكان كتاب
سليمان وجيزا ; لأن ذلك أنسب بمخاطبة من لا يحسن لغة المخاطب فيقتصر له على المقصود لإمكان ترجمته وحصول فهمه فأحاط كتابه بالمقصود ، وهو تحذير ملكة
سبأ من أن تحاول الترفع على الخضوع إلى
سليمان والطاعة له كما كان شأن الملوك المجاورين له
بمصر وصور والعراق .
فالإتيان المأمور به في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31وأتوني مسلمين هو إتيان مجازي مثل ما يقال : اتبع سبيلي .
و ( مسلمين ) مشتق من أسلم إذا تقلد الإسلام . وإطلاق اسم الإسلام على الدين يدل على أن
سليمان إنما دعا ملكة
سبأ وقومها إلى نبذ الشرك والاعتراف لله بالإلهية والوحدانية ولم يدعهم إلى اتباع شريعة التوراة ; لأنهم غير مخاطبين بها وأما دعوتهم إلى إفراد الله بالعبادة والاعتراف له بالوحدانية في الإلهية فذلك مما خاطب الله به البشر كلهم ، وشاع ذلك فيهم من عهد
آدم ونوح وإبراهيم . وقد بينا ذلك عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون في سورة البقرة ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان . جمع
سليمان بين دعوتها إلى مسالمته وطاعته ، وذلك تصرف بصفة الملك ، وبين دعوة قومها إلى اتباع دين التوحيد وذلك تصرف بالنبوءة ; لأن النبيء يلقي الإرشاد إلى الهدى حيثما تمكن منه كما قال
شعيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وهذا نظير قول
يوسف لصاحبي السجن :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار الآية . وإن كان لم يرسل
[ ص: 261 ] إليهم ،
nindex.php?page=treesubj&link=28749_31789فالأنبياء مأمورون أمرا عاما بالإرشاد إلى الحق وكذلك دعاء
سليمان هنا ، وقال النبيء صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002167لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من حمر النعم فهذه سنة الشرائع ; لأن الغاية المهمة عندها هو إصلاح النفوس دون التشفي وحب الغلبة .
وحرف ( أن ) من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أن لا تعلوا علي في موقعه غموض ; لأن الظاهر أنه مما شمله كتاب
سليمان لوقوعه بعد البسملة التي هي مبدأ الكتاب . وهذا الحرف لا يخلو من كونه ( أن ) المصدرية الناصبة للمضارع ، أو المخففة من الثقيلة ، أو التفسيرية .
فأما معنى ( أن ) المصدرية الناصبة للمضارع فلا يتضح ؛ لأنها تستدعي عاملا يكون مصدرها المنسبك بها معمولا له وليس في الكلام ما يصلح لذلك لفظا مطلقا ولا معنى إلا بتعسف وقد جوزه
ابن هشام في مغني اللبيب في بحث ( ألا ) الذي هو حرف تحضيض وهو وجهة شيخنا
محمد النجار رحمه الله بأن يجعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أن لا تعلوا ) إلخ خبرا عن ضمير ( كتاب ) في قوله : ( وإنه ) فحيث كان مضمون الكتاب النهي عن العلو جعل (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أن لا تعلوا ) نفس الكتاب كما يقع الإخبار بالمصدر . وهذا تكلف ; لأنه يقتضي الفصل بين أجزاء الكتاب بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30بسم الله الرحمن الرحيم ) .
وأما معنى المخففة من الثقيلة فكذلك ; لوجوب سد مصدر مسدها وكونها معمولة لعامل ، وليس في الكلام ما يصلح لذلك أيضا . وقد ذكر وجها ثالثا في الآية في بعض نسخ مغني اللبيب في بحث ( ألا ) أيضا ، ولم يوجد في النسخ الصحيحة من المغني ولا من شروحه ، ولعله من زيادات بعض الطلبة . وقد اقتصر في الكشاف على وجه التفسيرية لعلمه بأن غير ذلك لا ينبغي أن يفرض . وأعقبه بما روي من نسخة كتاب
سليمان ليظهر أن ليس في كتاب
سليمان ما يقابل حرف ( أن ) فلذلك تتعين ( أن ) لمعنى التفسيرية لضمير ( وإنه ) العائد إلى ( كتاب ) كما علمته آنفا ; لأنه لما كان عائدا إلى ( كتاب ) كان بمعنى معاده فكان مما فيه معنى القول دون حروفه فصح وقع ( أن ) بعده فيكون ( أن ) من كلام
[ ص: 262 ] ملكة
سبأ فسرت بها وبما بعدها مضمون ( كتاب ) في قولها :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29ألقي إلي كتاب كريم .
و (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31ألا تعلوا علي ) يكون هو أول كتاب
سليمان ، وأنها حكاية لكلام
بلقيس . قال في الكشف : يتبين أن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان بيان لعنوان الكتاب وأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30وإنه بسم الله الرحمن الرحيم إلخ بيان لمضمون الكتاب فلا يرد سؤال كيف قدم قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إنه من سليمان ) على (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ) . ولم تزل نفسي غير منثلجة لهذه الوجوه في هذه الآية ، ويخطر ببالي أن موقع ( أن ) هذه استعمال خاص في افتتاح الكلام يعتمد عليه المتكلم في أول كلامه . وأنها المخففة من الثقيلة . وقد رأيت في بعض خطب النبيء صلى الله عليه وسلم الافتتاح ب ( أن ) في ثاني خطبة خطبها
بالمدينة في سيرة
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق . وذكر
السهيلي : أن الحمد ، مضبوط بضمة على تقدير ضمير الأمر والشأن . ولكن كلامه جرى على أن حرف ( إن ) مكسور الهمزة مشدد النون . ويظهر لي أن الهمزة مفتوحة وأنه استعمال لـ ( أن ) المخففة من الثقيلة في افتتاح الأمور المهمة وأن منه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31ألا تعلوا علي نهي مستعمل في التهديد ولذلك أتبعته ملكة
سبأ بقولها :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32يا أيها الملأ أفتوني في أمري .
[ ص: 258 ] nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29nindex.php?page=treesubj&link=28998_31970قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّيَ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ .
طُوِيَتْ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ دَلَّ عَلَيْهَا مَا بَيْنَ الْخَبِرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مِنِ اقْتِضَاءِ عِدَّةِ أَحْدَاثٍ ، إِذِ التَّقْدِيرُ : فَذَهَبَ الْهُدْهُدُ إِلَى
سَبَأٍ فَرَمَى بِالْكِتَابِ فَأَبْلَغَ الْكِتَابَ إِلَى الْمَلِكَةِ وَهِيَ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهَا فَقَرَأَتْهُ قَالَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِلَخْ .
وَجُمْلَةُ ( قَالَتْ ) مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا ; لِأَنَّ غَرَابَةَ قِصَّةِ إِلْقَاءِ الْكِتَابِ إِلَيْهَا يُثِيرُ سُؤَالًا عَنْ شَأْنِهَا حِينَ بَلَغَهَا الْكِتَابُ .
وَالْمَلَأُ : الْجَمَاعَةُ مِنْ أَشْرَافِ الْقَوْمِ وَهُمْ أَهْلُ مَجْلِسِهَا . وَظَاهِرُ قَوْلِهَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29أُلْقِيَ إِلَيَّ ) أَنَّ الْكِتَابَ سُلِّمَ إِلَيْهَا دُونَ حُضُورِ أَهْلِ مَجْلِسِهَا . وَتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ نِظَامُ بَلَاطِهَا أَنْ تُسَلَّمَ الرَّسَائِلُ إِلَيْهَا رَأْسًا .
وَالْإِلْقَاءُ تَقَدَّمَ آنِفًا .
وَوَصْفُ الْكِتَابِ بِالْكَرِيمِ يَنْصَرِفُ إِلَى نَفَاسَتِهِ فِي جِنْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=74لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ ; بِأَنْ كَانَ نَفِيسَ الصَّحِيفَةِ نَفِيسَ التَّخْطِيطِ بَهِيجَ الشَّكْلِ مُسْتَوْفِيًا كُلَّ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهِمْ بِالتَّأَنُّقِ فِيهِ . وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَخْتُومًا ، وَقَدْ قِيلَ : كَرَمُ الْكِتَابِ خَتْمُهُ لِيَكُونَ مَا فِي ضِمْنِهِ خَاصًّا بِاطِّلَاعِ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ وَهُوَ يُطْلِعُ عَلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَكْتُمُهُ عَمَّنْ يَشَاءُ . قَالَ
ابْنُ الْعَرَبِيِّ : ( الْوَصْفُ بِالْكَرَمِ فِي الْكِتَابِ غَايَةُ الْوَصْفِ ; أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=77إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ وَأَهْلُ الزَّمَانِ يَصِفُونَ الْكِتَابَ بِالْخَطِيرِ ، وَالْأَثِيرِ ، وَالْمَبْرُورِ ، فَإِنْ كَانَ لِمَلِكٍ قَالُوا : الْعَزِيزُ ، وَأَسْقَطُوا الْكَرِيمَ غَفْلَةً وَهُوَ أَفْضَلُهَا خَصْلَةً ) .
وَأَمَّا مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ مِنَ الْمَعَانِي فَلَمْ يَكُنْ مَحْمُودًا عِنْدَهَا ؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=34إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً .
ثُمَّ قَصَّتْ عَلَيْهِمُ الْكِتَابَ حِينَ قَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ ) إِلَى آخِرِهِ . فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ تُرْجِمَ لَهَا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى مَجْلِسِ مَشُورَتِهَا ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ
[ ص: 259 ] تَكُونَ عَارِفَةً بِالْعِبْرَانِيَّةِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ مَكْتُوبًا بِالْعَرَبِيَّةِ الْقَحْطَانِيَّةِ فَإِنَّ عَظَمَةَ مُلْكِ
سُلَيْمَانَ لَا تَخْلُو مِنْ كُتَّابٍ عَارِفِينَ بِلُغَاتِ الْأُمَمِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَمْلَكَتِهِ ، وَكَوْنُهُ بَلُغَتِهِ أَظْهَرُ وَأَنْسَبُ بِشِعَارِ الْمُلُوكِ ، وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُلُوكِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ .
أَمَّا الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَهُوَ تَرْجَمَةُ الْكِتَابِ إِلَى اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحَى بِتَضْمِينِ دَقَائِقِهِ وَخُصُوصِيَّاتِ اللُّغَةِ الَّتِي أُنْشِئَ بِهَا .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمَلِكَةِ ابْتَدَأَتْ بِهِ مُخَاطَبَةَ أَهْلِ مَشُورَتِهَا لِإِيقَاظِ أَفْهَامِهِمْ إِلَى التَّدَبُّرِ فِي مَغْزَاهُ ; لِأَنَّ اللَّائِقَ
بِسُلَيْمَانَ أَنْ لَا يُقَدِّمَ فِي كِتَابِهِ شَيْئًا قَبْلَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ مَعْرِفَةَ اسْمِ
سُلَيْمَانَ تُؤْخَذُ مِنْ خَتْمِهِ وَهُوَ خَارِجُ الْكِتَابِ فَلِذَلِكَ ابْتَدَأَتْ بِهِ أَيْضًا .
وَالتَّأْكِيدُ بِ ( إِنَّ ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ يُتَرْجِمُ عَمَّا فِي كَلَامِهِمَا بِاللُّغَةِ السَّبَائِيَّةِ مِنْ عِبَارَاتٍ دَالَّةٍ عَلَى اهْتِمَامِهَا بِمُرْسِلِ الْكِتَابِ وَبِمَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ اهْتِمَامًا يُؤَدَّى مِثْلُهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحَى بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ فِي مَقَامٍ لَا شَكَّ فِيهِ .
وَتَكْرِيرُ حَرْفِ ( إِنَّ ) بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ إِيمَاءٌ إِلَى اخْتِلَافِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ذَاتُ الْكِتَابَةِ وَالْمُرَادَ بِالْمَعْطُوفِ مَعْنَاهُ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ ، كَمَا تَقُولُ : إِنَّ فَلَانًا لَحَسَنُ الطَّلْعَةِ وَإِنَّهُ لَزَكِيٌّ . وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ إِعَادَةِ الْعَامِلِ بَعْدَ حَرْفِ الْعَطْفِ مَعَ إِغْنَاءِ حَرْفِ الْعَطْفِ عَنْ ذِكْرِ الْعَامِلِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ، أُعِيدَ ( أَطِيعُوا ) لِاخْتِلَافِ مَعْنَى الطَّاعَتَيْنِ ; لِأَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَنْصَرِفُ إِلَى الْأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ وَطَاعَةَ الرَّسُولِ مُرَادٌ بِهَا طَاعَتُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَلِذَلِكَ عُطِفَ عَلَى الرَّسُولِ أُولُو الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَّةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ حِكَايَةٌ لِمَقَالِهَا ، وَعَرَفَتْ هِيَ ذَلِكَ مِنْ عُنْوَانِ الْكِتَابِ بِأَعْلَاهُ أَوْ بِظَاهِرِهِ عَلَى حَسَبِ طَرِيقَةِ الرَّسَائِلِ السُّلْطَانِيَّةِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، مِثْلُ افْتِتَاحِ كُتُبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ بِجُمْلَةِ ( مِنْ
مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ ) .
[ ص: 260 ] وَافْتِتَاحُ الْكِتَابِ بِجُمْلَةِ الْبَسْمَلَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادِفَهَا كَانَ خَاصًّا بِكُتُبِ النَّبِيءِ
سُلَيْمَانَ أَنْ يُتْبِعَ اسْمَ الْجَلَالَةِ بِوَصْفَيِ : الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فَصَارَ ذَلِكَ سُنَّةً لِافْتِتَاحِ الْأُمُورِ ذَوَاتِ الْبَالِ فِي الْإِسْلَامِ ادَّخَرَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ بَقَايَا سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ أَنْ تُنُوسِيَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ افْتَتَحُوا كُتُبَهُمْ بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
رَوَى
أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ :
أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتُبُ ( بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ) كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَكْتُبُ ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ صَارَ يَكْتُبُ ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) ، أَيْ : صَارَ يَكْتُبُ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِ كُتُبِهِ . وَأَمَّا جَعْلُهَا فَصْلًا بَيْنَ السُّوَرِ أَوْ آيَةً مِنْ كُلِّ سُورَةٍ فَمَسْأَلَةٌ أُخْرَى .
وَكَانَ كِتَابُ
سُلَيْمَانَ وَجِيزًا ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْسَبُ بِمُخَاطَبَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُ لُغَةَ الْمُخَاطِبِ فَيَقْتَصِرُ لَهُ عَلَى الْمَقْصُودِ لِإِمْكَانِ تَرْجَمَتِهِ وَحُصُولِ فَهْمِهِ فَأَحَاطَ كِتَابُهُ بِالْمَقْصُودِ ، وَهُوَ تَحْذِيرُ مَلِكَةِ
سَبَأٍ مِنْ أَنْ تُحَاوِلَ التَّرَفُّعَ عَلَى الْخُضُوعِ إِلَى
سُلَيْمَانَ وَالطَّاعَةِ لَهُ كَمَا كَانَ شَأْنُ الْمُلُوكِ الْمُجَاوِرِينَ لَهُ
بِمِصْرَ وَصُورَ وَالْعِرَاقِ .
فَالْإِتْيَانُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ هُوَ إِتْيَانٌ مَجَازِيٌّ مِثْلُ مَا يُقَالُ : اتَّبِعْ سَبِيلِي .
وَ ( مُسْلِمِينَ ) مُشْتَقٌّ مِنْ أَسْلَمَ إِذَا تَقَلَّدَ الْإِسْلَامَ . وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْإِسْلَامِ عَلَى الدِّينِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ
سُلَيْمَانَ إِنَّمَا دَعَا مَلِكَةَ
سَبَأٍ وَقَوْمَهَا إِلَى نَبْذِ الشِّرْكِ وَالِاعْتِرَافِ لِلَّهِ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَمْ يَدْعُهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ ; لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِهَا وَأَمَّا دَعْوَتُهُمْ إِلَى إِفْرَادِ اللَّهِ بِالْعِبَادَةِ وَالِاعْتِرَافِ لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ فَذَلِكَ مِمَّا خَاطَبَ اللَّهُ بِهِ الْبَشَرَ كُلَّهُمْ ، وَشَاعَ ذَلِكَ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ
آدَمَ وَنُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ . وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=132فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=60أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ . جَمَعَ
سُلَيْمَانُ بَيْنَ دَعْوَتِهَا إِلَى مُسَالَمَتِهِ وَطَاعَتِهِ ، وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ بِصِفَةِ الْمُلْكِ ، وَبَيْنَ دَعْوَةِ قَوْمِهَا إِلَى اتِّبَاعِ دِينِ التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ تَصَرُّفٌ بِالنُّبُوءَةِ ; لِأَنَّ النَّبِيءَ يُلْقِي الْإِرْشَادَ إِلَى الْهُدَى حَيْثُمَا تَمَكَّنَ مِنْهُ كَمَا قَالَ
شُعَيْبٌ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=88إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَهَذَا نَظِيرُ قَوْلِ
يُوسُفَ لِصَاحِبَيِ السِّجْنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الْآيَةَ . وَإِنْ كَانَ لَمْ يُرْسَلْ
[ ص: 261 ] إِلَيْهِمْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=28749_31789فَالْأَنْبِيَاءُ مَأْمُورُونَ أَمْرًا عَامًّا بِالْإِرْشَادِ إِلَى الْحَقِّ وَكَذَلِكَ دُعَاءُ
سُلَيْمَانَ هُنَا ، وَقَالَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002167لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ فَهَذِهِ سُنَّةُ الشَّرَائِعِ ; لِأَنَّ الْغَايَةَ الْمُهِمَّةَ عِنْدَهَا هُوَ إِصْلَاحُ النُّفُوسِ دُونَ التَّشَفِّي وَحُبِّ الْغَلَبَةِ .
وَحَرْفُ ( أَنْ ) مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أَنْ لَا تَعْلُوا عَلَيَّ فِي مَوْقِعِهِ غُمُوضٌ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِمَّا شَمَلَهُ كِتَابُ
سُلَيْمَانَ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ الْبَسْمَلَةِ الَّتِي هِيَ مَبْدَأُ الْكِتَابِ . وَهَذَا الْحَرْفُ لَا يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ ( أَنِ ) الْمَصْدَرِيَّةَ النَّاصِبَةَ لِلْمُضَارِعِ ، أَوِ الْمُخَفَّفَةَ مِنَ الثَّقِيلَةِ ، أَوِ التَّفْسِيرِيَّةَ .
فَأَمَّا مَعْنَى ( أَنِ ) الْمَصْدَرِيَّةِ النَّاصِبَةِ لِلْمُضَارِعِ فَلَا يَتَّضِحُ ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَدْعِي عَامِلًا يَكُونُ مَصْدَرُهَا الْمُنْسَبِكُ بِهَا مَعْمُولًا لَهُ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ لَفْظًا مُطْلَقًا وَلَا مَعْنًى إِلَّا بِتَعَسُّفٍ وَقَدْ جَوَّزَهُ
ابْنُ هِشَامٍ فِي مُغْنِي اللَّبِيبِ فِي بَحْثِ ( أَلَّا ) الَّذِي هُوَ حَرْفُ تَحْضِيضٍ وَهُوَ وُجْهَةُ شَيْخِنَا
مُحَمَّدٍ النَّجَّارِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنْ يَجْعَلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أَنْ لَا تَعْلُوا ) إِلَخْ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ ( كِتَابٌ ) فِي قَوْلِهِ : ( وَإِنَّهُ ) فَحَيْثُ كَانَ مَضْمُونُ الْكِتَابِ النَّهْيَ عَنِ الْعُلُوِّ جُعِلَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أَنْ لَا تَعْلُوا ) نَفْسَ الْكِتَابِ كَمَا يَقَعُ الْإِخْبَارُ بِالْمَصْدَرِ . وَهَذَا تَكَلُّفٌ ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْفَصْلَ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) .
وَأَمَّا مَعْنَى الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ فَكَذَلِكَ ; لِوُجُوبِ سَدِّ مَصْدَرٍ مَسَدَّهَا وَكَوْنِهَا مَعْمُولَةً لِعَامِلٍ ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ مَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ أَيْضًا . وَقَدْ ذُكِرَ وَجْهًا ثَالِثًا فِي الْآيَةِ فِي بَعْضِ نُسَخِ مُغْنِي اللَّبِيبِ فِي بَحْثِ ( أَلَّا ) أَيْضًا ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنَ الْمُغْنِي وَلَا مِنْ شُرُوحِهِ ، وَلَعَلَّهُ مِنْ زِيَادَاتِ بَعْضِ الطَّلَبَةِ . وَقَدِ اقْتَصَرَ فِي الْكَشَّافِ عَلَى وَجْهِ التَّفْسِيرِيَّةِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ غَيْرَ ذَلِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْرَضَ . وَأَعْقَبَهُ بِمَا رُوِيَ مِنْ نُسْخَةِ كِتَابِ
سُلَيْمَانَ لِيَظْهَرَ أَنَّ لَيْسَ فِي كِتَابِ
سُلَيْمَانَ مَا يُقَابِلُ حَرْفَ ( أَنْ ) فَلِذَلِكَ تَتَعَيَّنُ ( أَنْ ) لِمَعْنَى التَّفْسِيرِيَّةِ لِضَمِيرِ ( وَإِنَّهُ ) الْعَائِدِ إِلَى ( كِتَابٌ ) كَمَا عَلِمْتَهُ آنِفًا ; لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَائِدًا إِلَى ( كِتَابٌ ) كَانَ بِمَعْنَى مُعَادِهِ فَكَانَ مِمَّا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ دُونَ حُرُوفِهِ فَصَحَّ وَقْعُ ( أَنْ ) بَعْدَهُ فَيَكُونُ ( أَنْ ) مِنْ كَلَامِ
[ ص: 262 ] مَلِكَةِ
سَبَأٍ فَسَّرَتْ بِهَا وَبِمَا بَعْدَهَا مَضْمُونَ ( كِتَابٌ ) فِي قَوْلِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=29أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ .
وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ ) يَكُونُ هُوَ أَوَّلَ كِتَابِ
سُلَيْمَانَ ، وَأَنَّهَا حِكَايَةٌ لِكَلَامِ
بِلْقِيسَ . قَالَ فِي الْكَشْفِ : يَتَبَيَّنُ أَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ بَيَانٌ لِعُنْوَانِ الْكِتَابِ وَأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِلَخْ بَيَانٌ لِمَضْمُونِ الْكِتَابِ فَلَا يَرِدُ سُؤَالُ كَيْفَ قَدَّمَ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ ) عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=30وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) . وَلَمْ تَزَلْ نَفْسِي غَيْرَ مُنْثَلِجَةٍ لِهَذِهِ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَيَخْطُرُ بِبَالِي أَنَّ مَوْقِعَ ( أَنْ ) هَذِهِ اسْتِعْمَالٌ خَاصٌّ فِي افْتِتَاحِ الْكَلَامِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْمُتَكَلِّمُ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ . وَأَنَّهَا الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ . وَقَدْ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ خُطَبِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِافْتِتَاحَ بِ ( أَنْ ) فِي ثَانِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا
بِالْمَدِينَةِ فِي سِيرَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنِ إِسْحَاقَ . وَذَكَرَ
السُّهَيْلِيُّ : أَنِ الْحَمْدُ ، مَضْبُوطٌ بِضَمَّةٍ عَلَى تَقْدِيرِ ضَمِيرِ الْأَمْرِ وَالشَّأْنِ . وَلَكِنَّ كَلَامَهُ جَرَى عَلَى أَنَّ حَرْفَ ( إِنَّ ) مَكْسُورُ الْهَمْزَةِ مُشَدَّدُ النُّونِ . وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْهَمْزَةَ مَفْتُوحَةٌ وَأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِـ ( أَنِ ) الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ فِي افْتِتَاحِ الْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ وَأَنَّ مِنْهُ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=31أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ نَهْيٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّهْدِيدِ وَلِذَلِكَ أَتْبَعَتْهُ مَلِكَةُ
سَبَأٍ بِقَوْلِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي .