nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=28998_28901_27130_33522قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون .
سألتهم إبداء آرائهم ماذا تعمل تجاه دعوة
سليمان . والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا مثل التي قبلها .
والإفتاء : الإخبار بالفتوى وهي إزالة مشكل يعرض . وقد تقدمت عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41قضي الأمر الذي فيه تستفتيان في سورة يوسف .
والأمر : الحال المهم ، وإضافته إلى ضميرها ; لأنها المخاطبة بكتاب
سليمان ، ولأنها المضطلعة بما يجب إجراؤه من شئون المملكة ، وعليها تبعة الخطأ في المنهج
[ ص: 263 ] الذي تسلكه من السياسة ، ولذلك يقال للخليفة وللملك وللأمير ولعالم الدين : ولي الأمر . وبهذه الثلاثة فسر قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . وقال الراعي يخاطب
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان :
أولي أمر الله إنا معشـر حنفاء نسجد بكرة وأصيلا
فهذا معنى قولهم لها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=33والأمر إليك ) .
وقد أفادت إضافة ( أمري ) تعريفا ، أي : في الحادثة المعينة .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32قاطعة أمرا ) عاملة عملا لا تردد فيه بالعزم على ما تجيب به
سليمان .
وصيغة (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32كنت قاطعة ) تؤذن بأن ذلك دأبها وعادتها معهم ، فكانت عاقلة حكيمة مستشيرة لا تخاطر بالاستبداد بمصالح قومها ، ولا تعرض ملكها لمهاوي أخطاء المستبدين .
والأمر في (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32ما كنت قاطعة أمرا ) هو أيضا الحال المهم ، أي : أنها لا تقضي في المهمات إلا عن استشارتهم .
و ( تشهدون ) مضارع شهد المستعمل بمعنى حضر كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر ، أي : حتى تحضرون ، وشهد هذا يتعدى بنفسه إلى كل ما يحضر فاعل الفعل عنده من مكان وزمان واسم ذات ، وذلك تعد على التوسع لكثرته ، وحق الفعل أن يعدى بحرف الجر أو يعلق به ظرف . يقال : شهد عند فلان وشهد مجلس فلان . ويقال : شهد الجمعة . وفعل ( تشهدون ) هنا مستعمل كناية عن المشاورة ; لأنها يلزمها الحضور غالبا ؛ إذ لا تقع مشاورة مع غائب .
والنون في ( تشهدون ) نون الوقاية وحذفت ياء المتكلم تخفيفا ، وألقيت كسرة النون المجتلبة لوقاية الحرف الأخير من الفعل عن أن يكون مكسورا ، ونون الوقاية دالة على المحذوف .
وقرأه الجمهور بحذف الياء وصلا ووقفا . وقرأ
يعقوب بإثبات الياء وصلا ووقفا .
[ ص: 264 ] وفي قولها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32حتى تشهدون ) كناية عن معنى : توافقوني فيما أقطعه ، أي : يصدر منها في مقاطع الحقوق والسياسة : إما بالقول كما جرى في هذه الحادثة ، وإما بالسكوت وعدم الإنكار ; لأن حضور المعدود للشورى في مكان الاستشارة مغن عن استشارته إذ سكوته موافقة . ولذلك قال فقهاؤنا : إن على القاضي إذا جلس للقضاء أن يقضي بمحضر أهل العلم أو مشاورتهم . وكان
عثمان يقضي بمحضر أهل العلم وكان
عمر يستشيرهم وإن لم يحضروا . وقال الفقهاء إن سكوتهم مع حضورهم تقرير لحكمه .
وليس في هذه الآية دليل على مشروعية الشورى ; لأنها لم تحك شرعا إلهيا ولا سيق مساق المدح ، ولكنه حكاية ما جرى عند أمة غير متدينة بوحي إلهي ; غير أن شأن القرآن فيما يذكره من القصص أن يذكر المهم منها للموعظة أو للأسوة كما قدمناه في المقدمة السابعة . فلذلك يستروح من سياق هذه الآية حسن الشورى . وتقدم ذكر الشورى في سورة آل عمران .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=28998_28901_27130_33522قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ .
سَأَلَتْهُمْ إِبْدَاءَ آرَائِهِمْ مَاذَا تَعْمَلُ تُجَاهَ دَعْوَةِ
سُلَيْمَانَ . وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا مِثْلُ الَّتِي قَبْلَهَا .
وَالْإِفْتَاءُ : الْإِخْبَارُ بِالْفَتْوَى وَهِيَ إِزَالَةُ مُشْكِلٍ يَعْرِضُ . وَقَدْ تَقَدَّمَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=41قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ فِي سُورَةِ يُوسُفَ .
وَالْأَمْرُ : الْحَالُ الْمُهِمُّ ، وَإِضَافَتُهُ إِلَى ضَمِيرِهَا ; لِأَنَّهَا الْمُخَاطَبَةُ بِكِتَابِ
سُلَيْمَانَ ، وَلِأَنَّهَا الْمُضْطَلِعَةُ بِمَا يَجِبُ إِجْرَاؤُهُ مِنْ شُئُونِ الْمَمْلَكَةِ ، وَعَلَيْهَا تَبِعَةُ الْخَطَأِ فِي الْمَنْهَجِ
[ ص: 263 ] الَّذِي تَسْلُكُهُ مِنَ السِّيَاسَةِ ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ لِلْخَلِيفَةِ وَلِلْمَلِكِ وَلِلْأَمِيرِ وَلِعَالِمِ الدِّينِ : وَلِيُّ الْأَمْرِ . وَبِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ . وَقَالَ الرَّاعِي يُخَاطِبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16491عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ :
أَوَلِيَّ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّا مَعْشَـرٌ حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وَأَصِيلَا
فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=33وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ ) .
وَقَدْ أَفَادَتْ إِضَافَةُ ( أَمْرِي ) تَعْرِيفًا ، أَيْ : فِي الْحَادِثَةِ الْمُعَيَّنَةِ .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32قَاطِعَةً أَمْرًا ) عَامِلَةً عَمَلًا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ بِالْعَزْمِ عَلَى مَا تُجِيبُ بِهِ
سُلَيْمَانَ .
وَصِيغَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32كُنْتُ قَاطِعَةً ) تُؤْذِنُ بِأَنَّ ذَلِكَ دَأْبُهَا وَعَادَتُهَا مَعَهُمْ ، فَكَانَتْ عَاقِلَةً حَكِيمَةً مُسْتَشِيرَةً لَا تُخَاطِرُ بِالِاسْتِبْدَادِ بِمَصَالِحِ قَوْمِهَا ، وَلَا تُعَرِّضُ مُلْكَهَا لِمَهَاوِي أَخْطَاءِ الْمُسْتَبِدِّينَ .
وَالْأَمْرُ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا ) هُوَ أَيْضًا الْحَالُ الْمُهِمُّ ، أَيْ : أَنَّهَا لَا تَقْضِي فِي الْمُهِمَّاتِ إِلَّا عَنِ اسْتِشَارَتِهِمْ .
وَ ( تَشْهَدُونِ ) مُضَارِعُ شَهِدَ الْمُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى حَضَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ ، أَيْ : حَتَّى تَحْضُرُونِ ، وَشَهِدَ هَذَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إِلَى كُلِّ مَا يَحْضُرُ فَاعِلُ الْفِعْلِ عِنْدَهُ مِنْ مَكَانٍ وَزَمَانٍ وَاسْمِ ذَاتٍ ، وَذَلِكَ تَعَدٍّ عَلَى التَّوَسُّعِ لِكَثْرَتِهِ ، وَحَقُّ الْفِعْلِ أَنْ يُعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ أَوْ يُعَلَّقَ بِهِ ظَرْفٌ . يُقَالُ : شَهِدَ عِنْدَ فُلَانٍ وَشَهِدَ مَجْلِسَ فُلَانٍ . وَيُقَالُ : شَهِدَ الْجُمُعَةَ . وَفِعْلُ ( تَشْهَدُونِ ) هُنَا مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنِ الْمُشَاوَرَةِ ; لِأَنَّهَا يَلْزَمُهَا الْحُضُورُ غَالِبًا ؛ إِذْ لَا تَقَعُ مُشَاوَرَةٌ مَعَ غَائِبٍ .
وَالنُّونُ فِي ( تَشْهَدُونِ ) نُونُ الْوِقَايَةِ وَحُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا ، وَأُلْقِيَتْ كَسْرَةُ النُّونِ الْمُجْتَلَبَةُ لِوِقَايَةِ الْحَرْفِ الْأَخِيرِ مِنَ الْفِعْلِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَكْسُورًا ، وَنُونُ الْوِقَايَةِ دَالَّةٌ عَلَى الْمَحْذُوفِ .
وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَصْلًا وَوَقْفًا . وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَصْلًا وَوَقْفًا .
[ ص: 264 ] وَفِي قَوْلِهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=32حَتَّى تَشْهَدُونِ ) كِنَايَةٌ عَنْ مَعْنَى : تُوَافِقُونِي فِيمَا أَقْطَعُهُ ، أَيْ : يَصْدُرُ مِنْهَا فِي مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ وَالسِّيَاسَةِ : إِمَّا بِالْقَوْلِ كَمَا جَرَى فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ ، وَإِمَّا بِالسُّكُوتِ وَعَدَمِ الْإِنْكَارِ ; لِأَنَّ حُضُورَ الْمَعْدُودِ لِلشُّورَى فِي مَكَانِ الِاسْتِشَارَةِ مُغْنٍ عَنِ اسْتِشَارَتِهِ إِذْ سُكُوتُهُ مُوَافَقَةٌ . وَلِذَلِكَ قَالَ فُقَهَاؤُنَا : إِنَّ عَلَى الْقَاضِي إِذَا جَلَسَ لِلْقَضَاءِ أَنْ يَقْضِيَ بِمَحْضَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ مُشَاوَرَتِهِمْ . وَكَانَ
عُثْمَانُ يَقْضِي بِمَحْضَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ
عُمَرُ يَسْتَشِيرُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا . وَقَالَ الْفُقَهَاءُ إِنَّ سُكُوتَهُمْ مَعَ حُضُورِهِمْ تَقْرِيرٌ لِحُكْمِهِ .
وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الشُّورَى ; لِأَنَّهَا لَمْ تَحْكِ شَرْعًا إِلَهِيًّا وَلَا سِيقَ مَسَاقَ الْمَدْحِ ، وَلَكِنَّهُ حِكَايَةُ مَا جَرَى عِنْدَ أُمَّةٍ غَيْرِ مُتَدَيِّنَةٍ بِوَحْيٍ إِلَهِيٍّ ; غَيْرَ أَنَّ شَأْنَ الْقُرْآنِ فِيمَا يَذْكُرُهُ مِنَ الْقَصَصِ أَنْ يَذْكُرَ الْمُهِمَّ مِنْهَا لِلْمَوْعِظَةِ أَوْ لِلْأُسْوَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ السَّابِعَةِ . فَلِذَلِكَ يُسْتَرْوَحُ مِنْ سِيَاقِ هَذِهِ الْآيَةِ حُسْنُ الشُّورَى . وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الشُّورَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ .