الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      وأما الممتنع من إخراج الزكاة ; فإن كان من الأموال الظاهرة فعامل الصدقة يأخذها منه جبرا أخص ، وهو بتعزيره على الغلول إن لم يجد له عذرا أحق ، وإن كان من الأموال الباطنة فيحتمل أن يكون المحتسب أخص بالإنكار عليه من عامل الصدقة ; لأنه لا اعتراض للعامل في الأموال الباطنة ، ويحتمل أن يكون العامل بالإنكار عليه أخص ; لأنه لو دفعها له أجزأه ، ويكون تأديبه معتبرا بشواهد حاله في الامتناع من إخراج زكاته ، فإن ذكر أنه يخرجها سرا وكل إلى أمانته فيها .

                                      وإن رأى رجلا يتعرض لمسألة الناس في طلب الصدقة وعلم أنه غني إما بمال أو عمل أنكره عليه وأدبه فيه وكان المحتسب بإنكاره أخص من عامل الصدقة .

                                      قد فعل عمر رضي الله عنه مثل ذلك بقوم من أهل الصدقة ، ولو رأى عليه آثار الغنى وهو يسأل الناس أعلمه تحريمها على المستغني عنها ولم ينكره عليه لجواز أن يكون في الباطن فقيرا ، وإذا تعرض للمسألة ذو جلد وقوة على العمل زجره وأمره أن يتعرض للاحتراف بعمله ، فإن أقام على المسألة عزره حتى يقلع عنها .

                                      وإن دعت الحالة عند إلحاح من حرمت عليه المسألة لمال أو عمل إلى أن ينفق على ذي المال جبرا من ماله ويؤجر ذا العمل وينفق عليه من أجرته لم يكن للمحتسب أن يفعل ذلك بنفسه ; لأن هذا حكم والحكام به أحق فيرفع أمره إلى الحاكم ليتولى ذلك أو يأذن فيه .

                                      [ ص: 310 ] وإذا وجد من يتصدى لعلم الشرع ، وليس من أهله من فقيه أو واعظ ولم يأمن اغترار الناس به في سوء تأويل أو تحريف جواب أنكر عليه التصدي لما ليس هو من أهله وأظهر أمره لئلا يغتر به .

                                      ومن أشكل عليه أمره لم يقدم عليه بالإنكار إلا بعد الاختبار .

                                      قد مر علي بن أبي طالب عليه السلام بالحسن البصري وهو يتكلم على الناس فاختبره ، فقال له ما عماد الدين ؟ فقال : الورع ، قال : فما آفته ؟ قال الطمع ، قال : تكلم الآن إن شئت ، وهكذا لو ابتدع بعض المنتسبين إلى العلم قولا خرق به الإجماع وخالف فيه النص ورد قوله علماء عصره أنكره عليه وزجره عنه ، فإن أقلع وتاب وإلا فالسلطان بتهذيب الدين أحق وإذا تعرض بعض المفسرين لكتاب الله تعالى بتأويل عدل فيه عن ظاهر التنزيل إلى باطن بدعة تتكلف له غمض معانيه أو تفرد بعض الرواة بأحاديث مناكير تنفر منها النفوس أو يفسد بها التأويل كان على المحتسب إنكار ذلك والمنع منه ، وهذا إنما يصح منه إنكاره إذا تميز عنده الصحيح من الفاسد والحق من الباطل ، وذلك من أحد وجهين ، إما أن يكون بقوته في العلم واجتهاده فيه حتى لا يخفى ذلك عليه ، وإما بأن يتفق علماء الوقت على إنكاره وابتداعه فيستعدونه فيه فيعول في الإنكار على أقاويلهم وفي المنع منه على اتفاقهم .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية