nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28998_28901_30539_28802ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=51فانظر كيف كان عاقبة مكرهم إنا دمرناهم وقومهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=53وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون .
سمى الله تآمرهم مكرا ; لأنه كان تدبير ضر في خفاء . وأكد مكرهم بالمفعول المطلق للدلالة على قوته في جنس المكر ، وتنوينه للتعظيم .
والمكر الذي أسند إلى اسم الجلالة مكر مجازي . استعير لفظ المكر لمبادرة الله إياهم باستئصالهم قبل أن يتمكنوا من تبييت صالح وأهله ، وتأخيره استئصالهم أي : الوقت الذي تآمروا فيه على قتل
صالح لشبه فعل الله ذلك بفعل الماكر في تأجيل فعل إلى وقت الحاجة ، مع عدم إشعار من يفعل به .
وأكد مكر الله وعظم كما أكد مكرهم وعظم ، وذلك بما يناسب جنسه فإن عذاب الله لا يدانيه عذاب الناس فعظيمه أعظم من كل ما يقدره الناس .
والمراد بالمكر المسند إلى الجلالة هو ما دلت عليه جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=51إنا دمرناهم وقومهم أجمعين ) الآية .
وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=50وهم لا يشعرون ) تأكيد لاستعارة المكر لتقدير الاستئصال فليس في ذلك ترشيح للاستعارة ولا تجريد .
والخطاب في قوله : ( فانظر ) للنبيء صلى الله عليه وسلم . واقترانه بفاء التفريع إيماء إلى أن
[ ص: 285 ] الاعتبار بمكر الله بهم هو المقصود من سوق القصة تعريضا بأن عاقبة أمره مع قريش أن يكف عنه كيدهم وينصره عليهم ، وفي ذلك تسلية له على ما يلاقيه من قومه .
والنظر : نظر قلبي ، وقد علق على المفعولين بالاستفهام .
وقرأ الجمهور ( إنا دمرناهم ) بكسر الهمزة فتكون الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا لما يثيره الاستفهام في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=51كيف كان عاقبة مكرهم ) من سؤال عن هذه الكيفية . والتأكيد للاهتمام بالخبر . وقرأه
عاصم nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ويعقوب وخلف بفتح الهمزة فيكون المصدر بدلا من ( عاقبة ) . والتأكيد أيضا للاهتمام .
وضمير الغيبة في ( دمرناهم ) للرهط . وعطف ( قومهم ) عليهم لموافقة الجزاء للمجزي عليه ؛ لأنهم مكروا
بصالح وأهله فدمرهم الله وقومهم .
والتدمير : الإهلاك الشديد ، وتقدم غير مرة منها في سورة الشعراء .
والقصة تقدمت . وتقدم إنجاء
صالح والذين آمنوا معه وذلك أن الله أوحى إليه أن يخرج ومن معه إلى أرض
فلسطين حين أنذر قومه بتمتع ثلاثة أيام .
وتفريع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52فتلك بيوتهم خاوية على جملة ( دمرناهم ) لتفريع الإخبار . والإشارة منصرفة إلى معلوم غير مشاهد ; لأن تحققه يقوم مقام حضوره ، فإن
ديار ثمود معلومة لجميع
قريش وهي في طريقهم في ممرهم إلى
الشام .
وانتصب ( خاوية ) على الحال . وعاملها ما في اسم الإشارة من معنى الفعل كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وهذا بعلي شيخا . وقد تقدم في سورة هود .
والخاوية : الخالية ، ومصدره الخواء ، أي : فالبيوت باق بعضها في الجبال لا ساكن بها .
والباء في ( بما ظلموا ) للسببية ، و ( ما ) مصدرية ، أي : كان خواؤها بسبب ظلمهم . والظلم : الشرك وتكذيب رسولهم ، فذلك ظلم في جانب الله ; لأنه اعتداء على حق وحدانيته ، وظلم للرسول بتكذيبه وهو الصادق .
ولما خص الله عملهم بوصف الظلم من بين عدة أحوال يشتمل عليها كفرهم
[ ص: 286 ] كالفساد كان ذلك إشارة إلى أن للظلم أثرا في خراب بلادهم . وهذا معنى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : أجد في كتاب الله أن الظلم يخرب البيوت وتلا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا . وهذا من أسلوب أخذ كل ما يحتمل من معاني الكلام في القرآن كما ذكرناه في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير .
ونزيده هنا ما لم يسبق لنا في نظائره ، وهو أن الحقائق العقلية لما كان قوام ماهياتها حاصلا في الوجود الذهني كان بين كثير منها انتساب وتقارب يرد بعضها إلى بعض باختلاف الاعتبار . فالشرك مثلا حقيقة معروفة يكون بها جنسا عقليا ، وهو بالنظر إلى ما يبعث عليه وما ينشأ عنه ينتسب إلى حقائق أخرى مثل الظلم ، أي : الاعتداء على الناس بأخذ حقوقهم فإنه من أسبابه ، ومثل الفسق فإنه من آثاره ، وكذلك التكذيب فإنه من آثاره أيضا ( وذرني والمكذبين ) ، ومثل الكبر ، ومثل الإسراف فإنهما من آثاره أيضا . فمن أساليب القرآن أن يعبر عن الشرك بألفاظ هذه الحقائق للإشارة إلى أنه جامع عدة فظائع ، وللتنبيه على انتسابه إلى هذه الأجناس ، وليعلم المؤمنون فساد هذه الحقائق من حيث هي فيعبر عنه هنا بالظلم وهو كثير ; ليعلم السامع أن جنس الظلم قبيح مذموم ، ناهيك أن الشرك من أنواعه . وكذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب أي : هو متأصل في الشرك وإلا فإن الله هدى كثيرا من المسرفين والكاذبين بالتوبة ، ومن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ونحو ذلك .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52إن في ذلك لآية معترضة بين الجمل المتعاطفة . والإشارة إلى ما ذكر من عاقبة مكرهم . والآية : الدليل على انتصار الله لرسله .
واللام في قوله ( لقوم يعلمون ) لام التعليل يعني آية لأجلهم ، أي : لأجل إيمانهم . وفيه تعريض بأن المشركين الذين سبقت إليهم هذه الموعظة إن لم يتعظوا بها فهم قوم لا يعلمون .
وفي ذكر كلمة ( قوم ) إيماء إلى أن من يعتبر بهذه الآية متمكن في العقل حتى كان العقل من صفته القومية ، كما تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لآيات لقوم يعقلون في سورة البقرة .
[ ص: 287 ] وفي تأخير جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=53وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون عن جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52إن في ذلك لآية لقوم يعلمون طمأنة لقلوب المؤمنين بأن الله ينجيهم مما توعد به المشركين كما نجى الذين آمنوا وكانوا يتقون من
ثمود وهم
صالح ومن آمن معه . وقيل : كان الذين آمنوا مع
صالح أربعة آلاف ، فلما أراد الله إهلاك
ثمود أوحى الله إلى
صالح أن يخرج هو ومن معه فخرجوا ونزلوا في موضع الرس فكان
أصحاب الرس من ذرياتهم . وقيل : نزلوا شاطئ
اليمن وبنوا مدينة
حضرموت . وفي بعض الروايات أن
صالحا نزل
بفلسطين . وكلها أخبار غير موثوق بها .
وزيادة فعل الكون في ( وكانوا يتقون ) للدلالة على أنهم متمكنون من التقوى .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28998_28901_30539_28802وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=51فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52فَتِلْكَ بِيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=53وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ .
سَمَّى اللَّهُ تَآمُرَهُمْ مَكْرًا ; لِأَنَّهُ كَانَ تَدْبِيرَ ضُرٍّ فِي خَفَاءٍ . وَأَكَّدَ مَكْرَهُمْ بِالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى قُوَّتِهِ فِي جِنْسِ الْمَكْرِ ، وَتَنْوِينِهِ لِلتَّعْظِيمِ .
وَالْمَكْرُ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ مَكْرٌ مَجَازِيٌّ . اسْتُعِيرَ لَفْظُ الْمَكْرِ لِمُبَادَرَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِاسْتِئْصَالِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَبْيِيتِ صَالِحٍ وَأَهْلِهِ ، وَتَأْخِيرِهِ اسْتِئْصَالَهُمْ أَيِ : الْوَقْتُ الَّذِي تَآمَرُوا فِيهِ عَلَى قَتْلِ
صَالِحٍ لِشَبَهِ فِعْلِ اللَّهِ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمَاكِرِ فِي تَأْجِيلِ فِعْلٍ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ ، مَعَ عَدَمِ إِشْعَارِ مَنْ يُفْعَلُ بِهِ .
وَأُكِّدَ مَكْرُ اللَّهِ وَعُظِّمَ كَمَا أُكِّدَ مَكْرُهُمْ وَعُظِّمَ ، وَذَلِكَ بِمَا يُنَاسِبُ جِنْسَهُ فَإِنَّ عَذَابَ اللَّهِ لَا يُدَانِيهِ عَذَابُ النَّاسِ فَعَظِيمُهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَا يُقَدِّرُهُ النَّاسُ .
وَالْمُرَادُ بِالْمَكْرِ الْمُسْنَدِ إِلَى الْجَلَالَةِ هُوَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ جُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=51إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ) الْآيَةَ .
وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=50وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ) تَأْكِيدٌ لِاسْتِعَارَةِ الْمَكْرِ لِتَقْدِيرِ الِاسْتِئْصَالِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَرْشِيحٌ لِلِاسْتِعَارَةِ وَلَا تَجْرِيدٌ .
وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ : ( فَانْظُرْ ) لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَاقْتِرَانُهُ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ
[ ص: 285 ] الِاعْتِبَارَ بِمَكْرِ اللَّهِ بِهِمْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ سَوْقِ الْقِصَّةِ تَعْرِيضًا بِأَنَّ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ مَعَ قُرَيْشٍ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ كَيْدَهُمْ وَيَنْصُرَهُ عَلَيْهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ تَسْلِيَةٌ لَهُ عَلَى مَا يُلَاقِيهِ مِنْ قَوْمِهِ .
وَالنَّظَرُ : نَظَرٌ قَلْبِيٌّ ، وَقَدْ عُلِّقَ عَلَى الْمَفْعُولَيْنِ بِالِاسْتِفْهَامِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( إِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِمَا يُثِيرُهُ الِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=51كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ ) مِنْ سُؤَالٍ عَنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ . وَالتَّأْكِيدُ لِلِاهْتِمَامِ بِالْخَبَرِ . وَقَرَأَهُ
عَاصِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَيَكُونُ الْمَصْدَرُ بَدَلًا مِنْ ( عَاقِبَةُ ) . وَالتَّأْكِيدُ أَيْضًا لِلِاهْتِمَامِ .
وَضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي ( دَمَّرْنَاهُمْ ) لِلرَّهْطِ . وَعُطِفَ ( قَوْمَهُمْ ) عَلَيْهِمْ لِمُوَافَقَةِ الْجَزَاءِ لِلْمَجْزِيِّ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَكَرُوا
بِصَالِحٍ وَأَهْلِهِ فَدَمَّرَهُمُ اللَّهُ وَقَوْمَهُمْ .
وَالتَّدْمِيرُ : الْإِهْلَاكُ الشَّدِيدُ ، وَتَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْهَا فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ .
وَالْقِصَّةُ تَقَدَّمَتْ . وَتَقَدَّمَ إِنْجَاءُ
صَالِحٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى أَرْضِ
فِلَسْطِينَ حِينَ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِتَمَتُّعٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ .
وَتَفْرِيعُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً عَلَى جُمْلَةِ ( دَمَّرْنَاهُمْ ) لِتَفْرِيعِ الْإِخْبَارِ . وَالْإِشَارَةُ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى مَعْلُومٍ غَيْرِ مُشَاهَدٍ ; لِأَنَّ تَحَقُّقَهُ يَقُومُ مَقَامَ حُضُورِهِ ، فَإِنَّ
دِيَارَ ثَمُودَ مَعْلُومَةٌ لِجَمِيعِ
قُرَيْشٍ وَهِيَ فِي طَرِيقِهِمْ فِي مَمَرِّهِمْ إِلَى
الشَّامِ .
وَانْتَصَبَ ( خَاوِيَةً ) عَلَى الْحَالِ . وَعَامِلُهَا مَا فِي اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=72وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ هُودٍ .
وَالْخَاوِيَةُ : الْخَالِيَةُ ، وَمَصْدَرُهُ الْخَوَاءُ ، أَيْ : فَالْبُيُوتُ بَاقٍ بَعْضُهَا فِي الْجِبَالِ لَا سَاكِنَ بِهَا .
وَالْبَاءُ فِي ( بِمَا ظَلَمُوا ) لِلسَّبَبِيَّةِ ، وَ ( مَا ) مَصْدَرِيَّةٌ ، أَيْ : كَانَ خَوَاؤُهَا بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ . وَالظُّلْمُ : الشِّرْكُ وَتَكْذِيبُ رَسُولِهِمْ ، فَذَلِكَ ظُلْمٌ فِي جَانِبِ اللَّهِ ; لِأَنَّهُ اعْتِدَاءٌ عَلَى حَقِّ وَحْدَانِيَّتِهِ ، وَظُلْمٌ لِلرَّسُولِ بِتَكْذِيبِهِ وَهُوَ الصَّادِقُ .
وَلَمَّا خَصَّ اللَّهُ عَمَلَهُمْ بِوَصْفِ الظُّلْمِ مِنْ بَيْنِ عِدَّةِ أَحْوَالٍ يَشْتَمِلُ عَلَيْهَا كُفْرُهُمْ
[ ص: 286 ] كَالْفَسَادِ كَانَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ لِلظُّلْمِ أَثَرًا فِي خَرَابِ بِلَادِهِمْ . وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : أَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الظُّلْمَ يُخَرِّبُ الْبُيُوتَ وَتَلَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا . وَهَذَا مِنْ أُسْلُوبِ أَخْذِ كُلِّ مَا يُحْتَمَلُ مِنْ مَعَانِي الْكَلَامِ فِي الْقُرْآنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ .
وَنَزِيدُهُ هُنَا مَا لَمْ يَسْبِقْ لَنَا فِي نَظَائِرِهِ ، وَهُوَ أَنَّ الْحَقَائِقَ الْعَقْلِيَّةَ لَمَّا كَانَ قِوَامَ مَاهِيَّاتِهَا حَاصِلًا فِي الْوُجُودِ الذِّهْنِيِّ كَانَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْهَا انْتِسَابٌ وَتَقَارُبٌ يُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارِ . فَالشِّرْكُ مَثَلًا حَقِيقَةٌ مَعْرُوفَةٌ يَكُونُ بِهَا جِنْسًا عَقْلِيًّا ، وَهُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَبْعَثُ عَلَيْهِ وَمَا يَنْشَأُ عَنْهُ يَنْتَسِبُ إِلَى حَقَائِقَ أُخْرَى مِثْلُ الظُّلْمِ ، أَيْ : الِاعْتِدَاءُ عَلَى النَّاسِ بِأَخْذِ حُقُوقِهِمْ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْبَابِهِ ، وَمِثْلُ الْفِسْقِ فَإِنَّهُ مِنْ آثَارِهِ ، وَكَذَلِكَ التَّكْذِيبُ فَإِنَّهُ مِنْ آثَارِهِ أَيْضًا ( وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ ) ، وَمِثْلُ الْكِبْرِ ، وَمِثْلُ الْإِسْرَافِ فَإِنَّهُمَا مِنْ آثَارِهِ أَيْضًا . فَمِنْ أَسَالِيبِ الْقُرْآنِ أَنْ يُعَبِّرَ عَنِ الشِّرْكِ بِأَلْفَاظِ هَذِهِ الْحَقَائِقِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ جَامِعٌ عِدَّةَ فَظَائِعَ ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى انْتِسَابِهِ إِلَى هَذِهِ الْأَجْنَاسِ ، وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ فَسَادَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ مِنْ حَيْثُ هِيَ فَيُعَبِّرُ عَنْهُ هُنَا بِالظُّلْمِ وَهُوَ كَثِيرٌ ; لِيَعْلَمَ السَّامِعُ أَنَّ جِنْسَ الظُّلْمِ قَبِيحٌ مَذْمُومٌ ، نَاهِيكَ أَنَّ الشِّرْكَ مِنْ أَنْوَاعِهِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ أَيْ : هُوَ مُتَأَصِّلٌ فِي الشِّرْكِ وَإِلَّا فَإِنَّ اللَّهَ هَدَى كَثِيرًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَالْكَاذِبِينَ بِالتَّوْبَةِ ، وَمِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=60أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ . وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ عَاقِبَةِ مَكْرِهِمْ . وَالْآيَةُ : الدَّلِيلُ عَلَى انْتِصَارِ اللَّهِ لِرُسُلِهِ .
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ ( لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ) لَامُ التَّعْلِيلِ يَعْنِي آيَةً لِأَجْلِهِمْ ، أَيْ : لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ . وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ سَبَقَتْ إِلَيْهِمْ هَذِهِ الْمَوْعِظَةُ إِنْ لَمْ يَتَّعِظُوا بِهَا فَهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
وَفِي ذِكْرِ كَلِمَةِ ( قَوْمٍ ) إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ مَنْ يَعْتَبِرُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مُتَمَكِّنٌ فِي الْعَقْلِ حَتَّى كَانَ الْعَقْلُ مِنْ صِفَتِهِ الْقَوْمِيَّةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
[ ص: 287 ] وَفِي تَأْخِيرِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=53وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ عَنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=52إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ طَمْأَنَةٌ لِقُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يُنْجِيهِمْ مِمَّا تَوَعَّدَ بِهِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا نَجَّى الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ مِنْ
ثَمُودَ وَهُمْ
صَالِحٌ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ . وَقِيلَ : كَانَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَ
صَالِحٍ أَرْبَعَةَ آلَافٍ ، فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِهْلَاكَ
ثَمُودَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
صَالِحٍ أَنْ يَخْرُجَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فَخَرَجُوا وَنَزَلُوا فِي مَوْضِعِ الرَّسِّ فَكَانَ
أَصْحَابُ الرَّسِّ مِنْ ذُرِّيَّاتِهِمْ . وَقِيلَ : نَزَلُوا شَاطِئَ
الْيَمَنِ وَبَنَوْا مَدِينَةَ
حَضْرَمَوْتَ . وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ
صَالِحًا نَزَلَ
بِفِلَسْطِينَ . وَكُلُّهَا أَخْبَارٌ غَيْرُ مَوْثُوقٍ بِهَا .
وَزِيَادَةُ فِعْلِ الْكَوْنِ فِي ( وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنَ التَّقْوَى .