الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      صفوان بن أمية ( م ، 4 )

                                                                                      ابن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب [ ص: 563 ] بن لؤي بن غالب ، القرشي الجمحي المكي .

                                                                                      أسلم بعد الفتح ، وروى أحاديث ، وحسن إسلامه ، وشهد اليرموك أميرا على كردوس .

                                                                                      ويقال : إنه وفد على معاوية ، وأقطعه زقاق صفوان .

                                                                                      حدث عنه : ابنه عبد الله ، وابن أخته حميد . وسعيد بن المسيب . وطاوس ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وعطاء بن أبي رباح ; وجماعة .

                                                                                      وكان من كبراء قريش . قتل أبوه مع أبي جهل .

                                                                                      مالك ، عن ابن شهاب ، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان : أن صفوان - يعني جده- قيل له : من لم يهاجر هلك . فقدم المدينة ، فنام في المسجد ، وتوسد رداءه ، فجاء سارق ، فأخذه . فأخذ صفوان السارق ، فجاء به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأمر به أن يقطع . فقال صفوان : إني لم أرد هذا ، هو عليه صدقة ، قال : فهلا قبل أن تأتيني به . [ ص: 564 ]

                                                                                      محمد بن أبي حفصة ، عن الزهري ، عن صفوان بن عبد الله ، عن أبيه ، قال - يعني أباه- : أتيت ، فقلت : يا رسول الله ، من لم يهاجر هلك ؟ قال : لا ، يا أبا وهب ، فارجع إلى أباطح مكة .

                                                                                      قلت : ثبت قوله ، صلى الله عليه وسلم : لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية .

                                                                                      وخرج الترمذي من حديث ابن عمر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم أحد : اللهم العن أبا سفيان ! اللهم العن الحارث بن هشام ! اللهم العن صفوان بن أمية ! .

                                                                                      فنزلت : ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم فتاب عليهم ، فأسلموا ، فحسن إسلامهم
                                                                                      .

                                                                                      قلت : أحسنهم إسلاما الحارث .

                                                                                      وروى الزهري ، عن بعض آل عمر ، عن عمر : أنه لما كان يوم الفتح ، أرسل رسول الله إلى صفوان بن أمية ، وأبي سفيان ، والحارث بن [ ص: 565 ] هشام . قال عمر : فقلت : لئن أمكنني الله منهم ، لأعرفنهم . حتى قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : مثلي ومثلكم ، كما قال يوسف لإخوته : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم فانفضخت حياء من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      مالك ، عن ابن شهاب : بلغه أن نساء كن أسلمن ، وأزواجهن كفار ، منهن بنت الوليد بن المغيرة ، وكانت تحت صفوان بن أمية ، فأسلمت يوم الفتح ، وهرب هو . فبعث إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ابن عمه بردائه أمانا لصفوان ، ودعاه إلى الإسلام وأن يقدم ، فإن رضي أمرا ; وإلا سيره شهرين .

                                                                                      فلما قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم- ناداه على رءوس الناس : يا محمد ، هذا جاءني بردائك ، ودعوتني إلى القدوم عليك ، فإن رضيت ، وإلا سيرتني شهرين . فقال : انزل أبا وهب . فقال : لا والله حتى تبين لي . قال : لك تسيير أربعة أشهر .

                                                                                      فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قبل هوازن بحنين ; فأرسل إلى صفوان يستعيره أداة وسلاحا كان عنده . فقال : طوعا أو كرها ؟ قال : لا ، بل طوعا .

                                                                                      ثم خرج معه كافرا ، فشهد حنينا والطائف كافرا ، وامرأته مسلمة ; فلم يفرق بينهما حتى أسلم ، واستقرت عنده بذلك النكاح
                                                                                      .

                                                                                      وفي " مغازي " ابن عقبة : فر صفوان عامدا للبحر ، وأقبل عمير بن وهب بن خلف ، إلى رسول الله ، فسأله أمانا لصفوان ، وقال : قد هرب ، [ ص: 566 ] وأخشى أن يهلك ، وإنك قد أمنت الأحمر والأسود . قال : أدرك ابن عمك فهو آمن .

                                                                                      وعن ابن الزبير : أن صفوان أعار النبي - صلى الله عليه وسلم- مائة درع بأداتها ، فأمره رسول الله بحملها إلى حنين ، إلى أن رجع النبي - صلى الله عليه وسلم- إلى الجعرانة .

                                                                                      فبينا هو يسير ينظر إلى الغنائم ، ومعه صفوان ، فجعل ينظر إلى شعب ملأى نعما وشاء ورعاء ; فأدام النظر ، ورسول الله يرمقه ، فقال : أبا وهب ، يعجبك هذا ؟ قال : نعم . قال : هو لك . فقال : ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي ! أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله
                                                                                      .

                                                                                      وروى الواقدي ، عن رجاله : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- استقرض من صفوان بن أمية بمكة خمسين ألفا فأقرضه .

                                                                                      شريك ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة ، عن أمية بن صفوان ، عن أبيه ، أن النبي استعار منه أدرعا ، فهلك بعضها . فقال : إن شئت ، غرمتها لك ؟ قال : لا ، أنا أرغب في الإسلام من ذلك . [ ص: 567 ]

                                                                                      الزهري ، عن ابن المسيب ، عن صفوان ، قال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فأعطاني ، فما زال يعطيني ، حتى إنه لأحب الخلق إلي .

                                                                                      وعن أبي الزناد ، قال : اصطف سبعة يطعمون الطعام ، وينادون إليه كل يوم : عمرو بن عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة ، وآباؤه .

                                                                                      وقيل : كان إلى صفوان الأزلام في الجاهلية ، وكان سيد بني جمح .

                                                                                      وقال أبو عبيدة : قالوا : إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية ، إلى أن صار له قنطار من الذهب ، وكذلك أبوه .

                                                                                      قال الهيثم ، والمدائني : توفي سنة إحدى وأربعين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية