nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28998_30296وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون الذي قاله جمهور المفسرين : إن الآية حكت حادثا يحصل يوم ينفخ في الصور فجعلوا قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وترى الجبال تحسبها جامدة عطفا على
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87ينفخ في الصور أي ويوم ترى الجبال تحسبها جامدة إلخ . . وجعلوا الرؤية بصرية ، ومر السحاب تشبيها لتنقلها بمر السحاب في السرعة ، وجعلوا اختيار التشبيه بمرور السحاب مقصودا منه إدماج تشبيه حال الجبال حين ذلك المرور بحال السحاب في تخلخل الأجزاء وانتفاشها فيكون من معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=5وتكون الجبال كالعهن المنفوش ، وجعلوا الخطاب في قوله " ترى " لغير معين ليعم كل من يرى ، وجعلوا معنى هذه الآية في معنى قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال . فلما أشكل أن هذه الأحوال تكون قبل يوم الحشر ؛ لأن الآيات التي ورد فيها ذكر دك الجبال ونسفها تشير إلى أن ذلك في انتهاء الدنيا عند القارعة وهي النفخة الأولى أو قبيلها ، فأجابوا بأنها تندك حينئذ ثم تسير يوم الحشر لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105فقل ينسفها ربي نسفا إلى أن قال
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ؛ لأن الداعي هو
إسرافيل وفيه أن للاتباع أحوالا كثيرة ، وللداعي معاني أيضا .
وقال بعض المفسرين : هذا مما يكون عند النفخة الأولى وكذلك جميع الآيات التي ذكر فيها نسف الجبال ودكها وبسها . وكأنهم لم يجعلوا عطف
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وترى الجبال على
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87ينفخ في الصور حتى يتسلط عليه عمل لفظ " يوم " بل يجعلوه من عطف الجملة على الجملة ، والواو لا تقتضي ترتيب المعطوف بها مع المعطوف عليه ، فهو عطف عبرة على عبرة وإن كانت المذكورة أولى حاصلة ثانيا .
وجعل كلا الفريقين قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صنع الله إلخ مرادا به تهويل قدرة الله تعالى وأن
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31757النفخ في الصور وتسيير الجبال من عجيب قدرته ، فكأنهم تأولوا الصنع بمعنى مطلق الفعل من غير التزام ما في مادة الصنع من معنى التركيب والإيجاد ، فإن الإتقان إجادة ، والهدم لا يحتاج إلى إتقان .
[ ص: 48 ] وقال
الماوردي : قيل هذا مثل ضربه الله ، أي وليس بخبر . وفيما ضرب فيه المثل ثلاثة أقوال : أحدها : أنه مثل للدنيا يظن الناظر إليها أنها ثابتة كالجبال وهي آخذة بحظها من الزوال كالسحاب ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16065سهل بن عبد الله التستري .
الثاني : أنه مثل للإيمان تحسبه ثابتا في القلب ، وعمله صاعد إلى السماء .
الثالث : أنه مثل للنفس عند خروج الروح ، والروح تسير إلى العرش . وكأنهم أرادوا بالتمثيل التشبيه والاستعارة .
ولا يخفى على الناقد البصير بعد هذه التأويلات الثلاثة ؛ لأنه إن كان " الجبال " مشبها بها فهذه الحالة غير ثابتة لها حتى تكون هي وجه الشبه وإن كان لفظ " الجبال " مستعارا لشيء وكان مر السحاب كذلك كان المستعار له غير مصرح به ولا ضمنيا .
وليس في كلام المفسرين شفاء لبيان اختصاص هذه الآية بأن الرائي يحسب الجبال جامدة ، ولا بيان وجه تشبيه سيرها بسير السحاب ، ولا توجيه التذييل بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صنع الله الذي أتقن كل شيء فلذلك كان لهذه الآية وضع دقيق ، ومعنى بالتأمل خليق ، فوضعها أنها وقعت موقع الجملة المعترضة بين المجمل وبيانه من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلى قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=89من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون " بأن يكون من تخلل دليل على دقيق صنع الله تعالى في أثناء الإنذار والوعيد إدماجا وجمعا بين استدعاء للنظر ، وبين الزواجر والنذر ، كما صنع في جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه الآية ; أو هي معطوفة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه الآية ، وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87ويوم ينفخ في الصور معترضة بينهما لمناسبة ما في الجملة المعطوف عليها من الإيماء إلى تمثيل الحياة بعد الموت ، ولكن هذا استدعاء لأهل العلم والحكمة لتتوجه أنظارهم إلى ما في الكون من دقائق الحكمة وبديع الصنعة .
وهذا من العلم الذي أودع في القرآن ليكون معجزة من الجانب العلمي يدركها
[ ص: 49 ] أهل العلم ، كما كان معجزة للبلغاء من جانبه النظمي كما قدمناه في الجهة الثانية من المقدمة العاشرة .
فإن الناس كانوا يحسبون أن الشمس تدور حول الأرض فينشأ من دورانها نظام الليل والنهار ، ويحسبون الأرض ساكنة . واهتدى بعض علماء
اليونان أن
nindex.php?page=treesubj&link=32442الأرض هي التي تدور حول الشمس في كل يوم وليلة دورة تتكون منها ظلمة نصف الكرة الأرضية تقريبا وضياء النصف الآخر وذلك ما يعبر عنه بالليل والنهار ، ولكنها كانت نظرية مرموقة بالنقد وإنما كان الدال عليها قاعدة أن الجرم الأصغر أولى بالتحرك حول الجرم الأكبر المرتبط بسيره وهي علة إقناعية ؛ لأن الحركة مختلفة المدارات فلا مانع من أن يكون المتحرك الأصغر حول الأكبر في رأي العين وضبط الحساب وما تحققت هذه النظرية إلا في القرن السابع عشر بواسطة الرياضي (
غاليلي ) الإيطالي . والقرآن يدمج في ضمن دلائله الجمة وعقب دليل تكوين النور والظلمة دليلا رمز إليه رمزا ، فلم يتناوله المفسرون أو تسمع لهم ركزا .
وإنما ناط دلالة تحرك الأرض بتحرك الجبال منها ؛ لأن الجبال هي الأجزاء الناتئة من الكرة الأرضية فظهور تحرك ظلالها متناقصة قبل الزوال إلى منتهى نقصها ، ثم آخذة في الزيادة بعد الزوال . ومشاهدة تحرك تلك الظلال تحركا يحاكي دبيب النمل أشد وضوحا للراصد ، وكذلك ظهور تحرك قممها أمام قرص الشمس في الصباح والمساء أظهر مع كون الشمس ثابتة في مقرها بحسب أرصاد البروج والأنوار .
ولهذا الاعتبار غير أسلوب الاستدلال الذي في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه فجعل هنا بطريق الخطاب
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وترى الجبال . والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم تعليما له لمعنى يدرك هو كنهه ولذلك خص الخطاب به ولم يعمم كما عمم قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه في هذا الخطاب ، وادخار لعلماء أمته الذين يأتون في وقت ظهور هذه الحقيقة الدقيقة . فالنبيء صلى الله عليه وسلم أطلعه الله على هذا السر العجيب في نظام الأرض كما أطلع
إبراهيم عليه السلام على كيفية إحياء الموتى ، اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعلم ذلك في وقته وائتمنه على علمه بهذا السر العجيب في قرآنه ولم يأمره بتبليغه إذ لا يتعلق بعلمه للناس مصلحة حينئذ
[ ص: 50 ] حتى إذا كشف العلم عنه من نقابه وجد أهل القرآن ذلك حقا في كتابه ، فاستلوا سيف الحجة به وكان في قرابه .
وهذا التأويل للآية هو الذي يساعده قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وترى الجبال المقتضي أن الرائي يراها في هيئة الساكنة ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88تحسبها جامدة إذ هذا التأويل بمعنى الجامدة هو الذي يناسب حالة الجبال إذ لا تكون الجبال ذائبة .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وهي تمر الذي هو بمعنى السير
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88مر السحاب أي مرا واضحا لكنه لا يبين من أول وهلة . وقوله بعد ذلك كله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صنع الله الذي أتقن كل شيء المقتضي أنه اعتبار بحالة نظامها المألوف لا بحالة انخرام النظام ؛ لأن خرم النظام لا يناسب وصفه بالصنع المتقن ولكنه يوصف بالأمر العظيم أو نحو ذلك من أحوال الآخرة التي لا تدخل تحت التصور .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88مر السحاب مصدر مبين لنوع مرور الجبال ، أي مرورا تنتقل به من جهة إلى جهة مع أن الرائي يخالها ثابتة في مكانها كما يخال ناظر السحاب الذي يعم الأفق أنه مستقر وهو ينتقل من صوب ويمطر من مكان إلى آخر فلا يشعر به الناظر إلا وقد غاب عنه . وبهذا تعلم أن المر غير السير الذي في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة فإن ذلك في وقت اختلال نظام العالم الأرضي .
وانتصب قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صنع الله على المصدرية مؤكدا لمضمون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88تمر مر السحاب بتقدير : صنع الله ذلك صنعا . وهذا تمجيد لهذا النظام العجيب إذ تتحرك الأجسام العظيمة مسافات شاسعة والناس يحسبونها قارة ثابتة وهي تتحرك بهم ولا يشعرون .
والجامدة : الساكنة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وفي الكشاف : الجامدة من جمد في مكانه إذا لم يبرح ، يعني أنه جمود مجازي ، كثر استعمال هذا المجاز حتى ساوى الحقيقة .
والصنع ، قال
الراغب : إجادة الفعل فكل صنع فعل وليس كل فعل صنعا قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38ويصنع الفلك nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=80وعلمناه صنعة لبوس لكم يقال للحاذق المجيد : صنع ، وللحاذقة المجيدة : صناع اهـ . وقصر في تفسير الصنع
الجوهري وصاحب اللسان
[ ص: 51 ] وصاحب القاموس واستدراكه في تاج العروس . قلت : وأما قوله : بئس ما صنعت ، فهو على معنى التخطئة لمن ظن أنه فعل فعلا حسنا ولم يتفطن لقبحه . فالصنع إذا أطلق انصرف للعمل الجيد النافع وإذا أريد غير ذلك وجب تقييده على أنه قليل أو تهكم أو مشاكلة .
واعلم أن الصنع يطلق على العمل المتقن في الخير أو الشر قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=69تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ، ووصف الله بـ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88الذي أتقن كل شيء تعميم قصد به التذليل ، أي ما هذا الصنع العجيب إلا مماثلا لأمثاله من الصنائع الإلهية الدقيقة الصنع . وهذا يقتضي أن تسيير الجبال نظام متقن ، وأنه من نوع التكوين والخلق واستدامة النظام وليس من الخرم والتفكيك .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88إنه خبير بما تفعلون تذييل أو اعتراض في آخر الكلام للتذكير والوعظ والتحذير ، عقب قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88الذي أتقن كل شيء ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28781إتقان الصنع أثر من آثار سعة العلم فالذي بعلمه أتقن كل شيء هو خبير بما يفعل الخلق فليحذروا أن يخالفوا عن أمره .
ثم جيء لتفصيل هذا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=89من جاء بالحسنة الآية فكان من التخلص والعود إلى ما يحصل يوم ينفخ في الصور ، ومن جعلوا أمر الجبال من أحداث يوم الحشر جعلوا جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88إنه خبير بما تفعلون استئنافا بيانيا لجواب سائل : فماذا يكون بعد النفخ والفزع والحضور بين يدي الله وتسيير الجبال ، فأجيب جوابا إجماليا بأن الله عليم بأفعال الناس ثم فصل بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=89من جاء بالحسنة فله خير منها الآية .
قرأ الجمهور (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88بما تفعلون ) بتاء الخطاب . وقرأ
ابن كثير وأبو عمرو ( يفعلون ) بياء الغائبين عائدا ضميره على
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87من في السماوات ومن في الأرض .
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28998_30296وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسِبُهَا جَامِدَةً وَهْيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ الْآيَةَ حَكَتْ حَادِثًا يَحْصُلُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَجَعَلُوا قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً عَطْفًا عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87يُنْفَخُ فِي الصُّورِ أَيْ وَيَوْمَ تَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً إِلَخْ . . وَجَعَلُوا الرُّؤْيَةَ بَصَرِيَّةً ، وَمَرَّ السَّحَابِ تَشْبِيهًا لِتَنَقُّلِهَا بِمَرِّ السَّحَابِ فِي السُّرْعَةِ ، وَجَعَلُوا اخْتِيَارَ التَّشْبِيهِ بِمُرُورِ السَّحَابِ مَقْصُودًا مِنْهُ إِدْمَاجُ تَشْبِيهِ حَالِ الْجِبَالِ حِينَ ذَلِكَ الْمُرُورِ بِحَالِ السَّحَابِ فِي تَخَلْخُلِ الْأَجْزَاءِ وَانْتِفَاشِهَا فَيَكُونُ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=101&ayano=5وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ، وَجَعَلُوا الْخَطَابَ فِي قَوْلِهِ " تَرَى " لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لِيَعُمَّ كُلَّ مَنْ يَرَى ، وَجَعَلُوا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ . فَلَمَّا أَشْكَلَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ تَكُونُ قَبْلَ يَوْمِ الْحَشْرِ ؛ لِأَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا ذِكْرُ دَكِّ الْجِبَالِ وَنَسْفِهَا تُشِيرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي انْتِهَاءِ الدُّنْيَا عِنْدَ الْقَارِعَةِ وَهِيَ النَّفْخَةُ الْأُولَى أَوْ قُبَيْلَهَا ، فَأَجَابُوا بِأَنَّهَا تَنْدَكُّ حِينَئِذٍ ثُمَّ تُسَيَّرُ يَوْمَ الْحَشْرِ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا إِلَى أَنْ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=108يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الدَّاعِيَ هُوَ
إِسْرَافِيلُ وَفِيهِ أَنَّ لِلِاتِّبَاعِ أَحْوَالًا كَثِيرَةً ، وَلِلدَّاعِي مَعَانِيَ أَيْضًا .
وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : هَذَا مِمَّا يَكُونُ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْآيَاتِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا نَسْفُ الْجِبَالِ وَدَكُّهَا وَبَسُّهَا . وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا عَطْفَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وَتَرَى الْجِبَالَ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87يُنْفَخُ فِي الصُّورِ حَتَّى يَتَسَلَّطَ عَلَيْهِ عَمَلُ لَفْظِ " يَوْمَ " بَلْ يَجْعَلُوهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ ، وَالْوَاوُ لَا تَقْتَضِي تَرْتِيبَ الْمَعْطُوفِ بِهَا مَعَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، فَهُوَ عَطْفُ عِبْرَةٍ عَلَى عِبْرَةٍ وَإِنْ كَانَتِ الْمَذْكُورَةُ أُولَى حَاصِلَةً ثَانِيًا .
وَجَعَلَ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صُنْعَ اللَّهِ إِلَخْ مُرَادًا بِهِ تَهْوِيلُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_31757النَّفْخَ فِي الصُّورِ وَتَسْيِيرَ الْجِبَالِ مِنْ عَجِيبِ قُدْرَتِهِ ، فَكَأَنَّهُمْ تَأَوَّلُوا الصُّنْعَ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ مَا فِي مَادَّةِ الصُّنْعِ مِنْ مَعْنَى التَّرْكِيبِ وَالْإِيجَادِ ، فَإِنَّ الْإِتْقَانَ إِجَادَةٌ ، وَالْهَدْمَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى إِتْقَانٍ .
[ ص: 48 ] وَقَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : قِيلَ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ ، أَيْ وَلَيْسَ بِخَبَرٍ . وَفِيمَا ضُرِبَ فِيهِ الْمَثَلُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ مَثَلٌ لِلدُّنْيَا يَظُنُّ النَّاظِرُ إِلَيْهَا أَنَّهَا ثَابِتَةٌ كَالْجِبَالِ وَهِيَ آخِذَةٌ بِحَظِّهَا مِنَ الزَّوَالِ كَالسَّحَابِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16065سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ .
الثَّانِي : أَنَّهُ مَثَلٌ لِلْإِيمَانِ تَحْسَبُهُ ثَابِتًا فِي الْقَلْبِ ، وَعَمَلُهُ صَاعِدٌ إِلَى السَّمَاءِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ مَثَلٌ لِلنَّفْسِ عِنْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ ، وَالرُّوحُ تَسِيرُ إِلَى الْعَرْشِ . وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالتَّمْثِيلِ التَّشْبِيهَ وَالِاسْتِعَارَةَ .
وَلَا يَخْفَى عَلَى النَّاقِدِ الْبَصِيرِ بُعْدُ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ " الْجِبَالَ " مُشَبَّهًا بِهَا فَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ ثَابِتَةٍ لَهَا حَتَّى تَكُونَ هِيَ وَجْهُ الشَّبَهِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ " الْجِبَالَ " مُسْتَعَارًا لِشَيْءٍ وَكَانَ مَرُّ السَّحَابِ كَذَلِكَ كَانَ الْمُسْتَعَارُ لَهُ غَيْرَ مُصَرَّحٍ بِهِ وَلَا ضِمْنِيًّا .
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْمُفَسِّرِينَ شِفَاءٌ لِبَيَانِ اخْتِصَاصِ هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ الرَّائِيَ يَحْسَبُ الْجِبَالَ جَامِدَةً ، وَلَا بَيَانِ وَجْهِ تَشْبِيهِ سَيْرِهَا بِسَيْرِ السَّحَابِ ، وَلَا تَوْجِيهِ التَّذْيِيلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ فَلِذَلِكَ كَانَ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَضْعٌ دَقِيقٌ ، وَمَعْنًى بِالتَّأَمُّلِ خَلِيقٌ ، فَوَضْعُهَا أَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ بَيْنَ الْمُجْمَلِ وَبَيَانِهِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=89مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعِ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ " بِأَنْ يَكُونَ مِنْ تُخَلِّلِ دَلِيلٍ عَلَى دَقِيقِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ الْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ إِدْمَاجًا وَجَمْعًا بَيْنَ اسْتِدْعَاءٍ لِلنَّظَرِ ، وَبَيْنَ الزَّوَاجِرِ وَالنُّذُرِ ، كَمَا صُنِعَ فِي جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ الْآيَةَ ; أَوْ هِيَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ الْآيَةَ ، وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُمَا لِمُنَاسَبَةِ مَا فِي الْجُمْلَةِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهَا مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى تَمْثِيلِ الْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَلَكِنَّ هَذَا اسْتِدْعَاءٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ لِتَتَوَجَّهَ أَنْظَارُهُمْ إِلَى مَا فِي الْكَوْنِ مِنْ دَقَائِقِ الْحِكْمَةِ وَبَدِيعِ الصَّنْعَةِ .
وَهَذَا مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي أُودِعَ فِي الْقُرْآنِ لِيَكُونَ مُعْجِزَةً مِنَ الْجَانِبِ الْعِلْمِيِّ يُدْرِكُهَا
[ ص: 49 ] أَهْلُ الْعِلْمِ ، كَمَا كَانَ مُعْجِزَةً لِلْبُلَغَاءِ مِنْ جَانِبِهِ النَّظْمِيِّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ .
فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّ الشَّمْسَ تَدُورُ حَوْلَ الْأَرْضِ فَيَنْشَأُ مِنْ دَوَرَانِهَا نِظَامُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَيَحْسُبُونَ الْأَرْضَ سَاكِنَةً . وَاهْتَدَى بَعْضُ عُلَمَاءَ
الْيُونَانِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32442الْأَرْضَ هِيَ الَّتِي تَدُورُ حَوْلَ الشَّمْسِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَوْرَةً تَتَكَوَّنُ مِنْهَا ظُلْمَةُ نِصْفِ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ تَقْرِيبًا وَضِيَاءُ النِّصْفِ الْآخَرِ وَذَلِكَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَلَكِنَّهَا كَانَتْ نَظَرِيَّةً مَرْمُوقَةً بِالنَّقْدِ وَإِنَّمَا كَانَ الدَّالُّ عَلَيْهَا قَاعِدَةَ أَنَّ الْجِرْمَ الْأَصْغَرَ أَوْلَى بِالتَّحَرُّكِ حَوْلَ الْجِرْمِ الْأَكْبَرِ الْمُرْتَبِطِ بِسَيْرِهِ وَهِيَ عِلَّةٌ إِقْنَاعِيَّةٌ ؛ لِأَنَّ الْحَرَكَةَ مُخْتَلِفَةُ الْمَدَارَاتِ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُتَحَرِّكُ الْأَصْغَرُ حَوْلَ الْأَكْبَرِ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَضَبْطِ الْحِسَابِ وَمَا تَحَقَّقَتْ هَذِهِ النَّظَرِيَّةُ إِلَّا فِي الْقَرْنِ السَّابِعَ عَشَرَ بِوَاسِطَةِ الرِّيَاضِيِّ (
غَالِيلِي ) الْإِيطَالِيِّ . وَالْقُرْآنُ يُدْمِجُ فِي ضِمْنِ دَلَائِلِهِ الْجَمَّةِ وَعَقِبَ دَلِيلِ تَكْوِينِ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ دَلِيلًا رَمَزَ إِلَيْهِ رَمْزًا ، فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْمُفَسِّرُونَ أَوْ تَسْمَعْ لَهُمْ رِكْزًا .
وَإِنَّمَا نَاطَ دَلَالَةَ تَحَرُّكِ الْأَرْضِ بِتَحَرُّكِ الْجِبَالِ مِنْهَا ؛ لِأَنَّ الْجِبَالَ هِيَ الْأَجْزَاءُ النَّاتِئَةُ مِنَ الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ فَظُهُورُ تَحَرُّكِ ظِلَالِهَا مُتَنَاقِصَةً قَبْلَ الزَّوَالِ إِلَى مُنْتَهَى نَقْصِهَا ، ثُمَّ آخِذَةً فِي الزِّيَادَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ . وَمُشَاهَدَةُ تَحَرُّكِ تِلْكَ الظِّلَالِ تَحَرُّكًا يُحَاكِي دَبِيبَ النَّمْلِ أَشَدُّ وُضُوحًا لِلرَّاصِدِ ، وَكَذَلِكَ ظُهُورُ تَحَرُّكِ قِمَمِهَا أَمَامَ قُرْصِ الشَّمْسِ فِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ أَظْهَرُ مَعَ كَوْنِ الشَّمْسِ ثَابِتَةً فِي مَقَرِّهَا بِحَسَبِ أَرْصَادِ الْبُرُوجِ وَالْأَنْوَارِ .
وَلِهَذَا الِاعْتِبَارِ غُيِّرَ أُسْلُوبُ الِاسْتِدْلَالِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ فَجُعِلَ هُنَا بِطَرِيقِ الْخِطَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وَتَرَى الْجِبَالَ . وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيمًا لَهُ لِمَعْنًى يُدْرِكُ هُوَ كُنْهَهُ وَلِذَلِكَ خُصَّ الْخِطَابُ بِهِ وَلَمْ يُعَمَّمْ كَمَا عُمِّمَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=86أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ فِي هَذَا الْخِطَابِ ، وَادِّخَارٌ لِعُلَمَاءِ أُمَّتِهِ الَّذِينَ يَأْتُونَ فِي وَقْتِ ظُهُورِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ الدَّقِيقَةِ . فَالنَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى هَذَا السِّرِّ الْعَجِيبِ فِي نِظَامِ الْأَرْضِ كَمَا أَطْلَعَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى كَيْفِيَّةِ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، اخْتَصَّ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِلْمِ ذَلِكَ فِي وَقْتِهِ وَائْتَمَنَهُ عَلَى عِلْمِهِ بِهَذَا السِّرِّ الْعَجِيبِ فِي قُرْآنِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِتَبْلِيغِهِ إِذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِعِلْمِهِ لِلنَّاسِ مَصْلَحَةٌ حِينَئِذٍ
[ ص: 50 ] حَتَّى إِذَا كَشَفَ الْعِلْمُ عَنْهُ مِنْ نِقَابِهِ وَجَدَ أَهْلُ الْقُرْآنِ ذَلِكَ حَقًّا فِي كِتَابِهِ ، فَاسْتَلُّوا سَيْفَ الْحُجَّةِ بِهِ وَكَانَ فِي قِرَابِهِ .
وَهَذَا التَّأْوِيلُ لِلْآيَةِ هُوَ الَّذِي يُسَاعِدُهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وَتَرَى الْجِبَالَ الْمُقْتَضِيَ أَنَّ الرَّائِيَ يَرَاهَا فِي هَيْئَةِ السَّاكِنَةِ ، وَقَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88تَحْسَبُهَا جَامِدَةً إِذْ هَذَا التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى الْجَامِدَةِ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ حَالَةَ الْجِبَالِ إِذْ لَا تَكُونُ الْجِبَالُ ذَائِبَةً .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وَهِيَ تَمُرُّ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى السَّيْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88مَرَّ السَّحَابِ أَيْ مَرًّا وَاضِحًا لَكِنَّهُ لَا يَبِينُ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ . وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ اعْتِبَارٌ بِحَالَةِ نِظَامِهَا الْمَأْلُوفِ لَا بِحَالَةِ انْخِرَامِ النِّظَامِ ؛ لِأَنَّ خَرْمَ النِّظَامِ لَا يُنَاسِبُ وَصْفَهُ بِالصُّنْعِ الْمُتْقَنِ وَلَكِنَّهُ يُوصَفُ بِالْأَمْرِ الْعَظِيمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ التَّصَوُّرِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88مَرَّ السَّحَابِ مَصْدَرٌ مُبَيِّنٌ لِنَوْعِ مُرُورِ الْجِبَالِ ، أَيْ مُرُورًا تَنْتَقِلُ بِهِ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ مَعَ أَنَّ الرَّائِيَ يَخَالُهَا ثَابِتَةً فِي مَكَانِهَا كَمَا يَخَالُ نَاظِرُ السَّحَابِ الَّذِي يَعُمُّ الْأُفُقَ أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ وَهُوَ يَنْتَقِلُ مِنْ صَوْبٍ وَيُمْطِرُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى آخَرَ فَلَا يَشْعُرُ بِهِ النَّاظِرُ إِلَّا وَقَدْ غَابَ عَنْهُ . وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمَرَّ غَيْرُ السَّيْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً فَإِنَّ ذَلِكَ فِي وَقْتِ اخْتِلَالِ نِظَامِ الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ .
وَانْتَصَبَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88صُنْعَ اللَّهِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ مُؤَكِّدًا لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ بِتَقْدِيرِ : صَنَعَ اللَّهُ ذَلِكَ صُنْعًا . وَهَذَا تَمْجِيدٌ لِهَذَا النِّظَامِ الْعَجِيبِ إِذْ تَتَحَرَّكُ الْأَجْسَامُ الْعَظِيمَةُ مَسَافَاتٍ شَاسِعَةً وَالنَّاسُ يَحْسَبُونَهَا قَارَّةً ثَابِتَةً وَهِيَ تَتَحَرَّكُ بِهِمْ وَلَا يَشْعُرُونَ .
وَالْجَامِدَةُ : السَّاكِنَةُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَفِي الْكَشَّافِ : الْجَامِدَةُ مِنْ جَمَدَ فِي مَكَانِهِ إِذَا لَمْ يَبْرَحْ ، يَعْنِي أَنَّهُ جُمُودٌ مَجَازِيٌّ ، كَثُرَ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْمَجَازِ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ .
وَالصُّنْعُ ، قَالَ
الرَّاغِبُ : إِجَادَةُ الْفِعْلِ فَكُلُّ صُنْعٍ فِعْلٌ وَلَيْسَ كُلُّ فِعْلٍ صُنْعًا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=38وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=80وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ يُقَالُ لِلْحَاذِقِ الْمُجِيدِ : صَنَعٌ ، وَلِلْحَاذِقَةِ الْمُجِيدَةِ : صَنَاعٌ اهـ . وَقَصَّرَ فِي تَفْسِيرِ الصُّنْعِ
الْجَوْهَرِيُّ وَصَاحِبُ اللِّسَانِ
[ ص: 51 ] وَصَاحِبُ الْقَامُوسِ وَاسْتِدْرَاكُهُ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ . قُلْتُ : وَأَمَّا قَوْلُهُ : بِئْسَ مَا صَنَعْتَ ، فَهُوَ عَلَى مَعْنَى التَّخْطِئَةِ لِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا حَسَنًا وَلَمْ يَتَفَطَّنْ لِقُبْحِهِ . فَالصُّنْعُ إِذَا أُطْلِقَ انْصَرَفَ لِلْعَمَلِ الْجَيِّدِ النَّافِعِ وَإِذَا أُرِيدَ غَيْرُ ذَلِكَ وَجَبَ تَقْيِيدُهُ عَلَى أَنَّهُ قَلِيلٌ أَوْ تَهَكُّمٌ أَوْ مُشَاكَلَةٌ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّنْعَ يُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ الْمُتْقَنِ فِي الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=69تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ، وَوَصْفُ اللَّهِ بِـ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ تَعْمِيمٌ قُصِدَ بِهِ التَّذْلِيلُ ، أَيْ مَا هَذَا الصُّنْعُ الْعَجِيبُ إِلَّا مُمَاثِلًا لِأَمْثَالِهِ مِنَ الصَّنَائِعِ الْإِلَهِيَّةِ الدَّقِيقَةِ الصُّنْعِ . وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَسْيِيرَ الْجِبَالِ نِظَامٌ مُتْقَنٌ ، وَأَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التَّكْوِينِ وَالْخَلْقِ وَاسْتِدَامَةِ النِّظَامِ وَلَيْسَ مِنَ الْخَرْمِ وَالتَّفْكِيكِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ تَذْيِيلٌ أَوِ اعْتِرَاضٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ لِلتَّذْكِيرِ وَالْوَعْظِ وَالتَّحْذِيرِ ، عَقِبَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28781إِتْقَانَ الصُّنْعِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ سَعَةِ الْعِلْمِ فَالَّذِي بِعِلْمِهِ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ خَبِيرٌ بِمَا يَفْعَلُ الْخَلْقُ فَلْيَحْذَرُوا أَنْ يُخَالِفُوا عَنْ أَمْرِهِ .
ثُمَّ جِيءَ لِتَفْصِيلِ هَذَا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=89مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ الْآيَةَ فَكَانَ مِنَ التَّخَلُّصِ وَالْعَوْدِ إِلَى مَا يَحْصُلُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، وَمَنْ جَعَلُوا أَمْرَ الْجِبَالِ مِنْ أَحْدَاثِ يَوْمِ الْحَشْرِ جَعَلُوا جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِجَوَابِ سَائِلٍ : فَمَاذَا يَكُونُ بَعْدَ النَّفْخِ وَالْفَزَعِ وَالْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَتَسْيِيرِ الْجِبَالِ ، فَأُجِيبَ جَوَابًا إِجْمَالِيًّا بِأَنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِأَفْعَالِ النَّاسِ ثُمَّ فُصِّلَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=89مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا الْآيَةَ .
قَرَأَ الْجُمْهُورُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88بِمَا تَفْعَلُونَ ) بِتَاءِ الْخِطَابِ . وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو ( يَفْعَلُونَ ) بِيَاءِ الْغَائِبِينَ عَائِدًا ضَمِيرُهُ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ .