الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 333 ) مسألة : قال : ( إذا دخل وقت الصلاة وطلب الماء فأعوزه ) هذه ثلاثة شروط لصحة التيمم : أحدها دخول وقت الصلاة . فإن كانت الصلاة مكتوبة مؤداة لم يجز التيمم قبل دخول وقتها . وإن كانت نافلة لم يجز التيمم لها في وقت نهي عن فعلها فيه ; لأنه ليس بوقت لها . وإن كانت فائتة جاز التيمم له في كل وقت ; لأن فعلها جائز في كل وقت . وبهذا قال مالك ، والشافعي . وقال أبو حنيفة : يصح التيمم قبل وقت الصلاة ; لأنها طهارة تبيح الصلاة ، فأبيح تقديمها على وقت الصلاة ، كسائر الطهارات . وروي عن أحمد ، أنه قال : القياس أن التيمم بمنزلة الطهارة حتى يجد الماء ، أو يحدث . فعلى هذا يجوز قبل الوقت .

                                                                                                                                            والمذهب الأول ; لأنه طهارة ضرورة ، فلم يجز قبل الوقت كطهارة المستحاضة ، أو نقول : يتيمم للفرض في وقت هو مستغن عنه ، فأشبه ما لو تيمم عند وجود الماء . وقياسهم ينتقض بطهارة المستحاضة ، ويفارق التيمم سائر الطهارات ; لكونها ليست لضرورة . الشرط الثاني طلب الماء ، وهذا الشرط وإعواز الماء إنما يشترط لمن يتيمم لعذر عدم الماء . والمشهور عن أحمد اشتراط طلب الماء لصحة التيمم . وهو مذهب الشافعي . وروي عن أحمد : لا يشترط الطلب . وهو مذهب أبي حنيفة ; { لقوله عليه السلام : التراب كافيك ما لم تجد الماء } . ولأنه غير عالم بوجود الماء قريبا منه ، فأشبه ما لو طلب فلم يجد .

                                                                                                                                            [ ص: 150 ] ولنا قوله تعالى : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } ، ولا يثبت أنه غير واجد إلا بعد الطلب ; لجواز أن يكون بقربه ماء لا يعلمه ولذلك لما أمر في الظهار بتحرير رقبة ، قال : ( فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ) لم يبح له الصيام حتى يطلب الرقبة ، ولم يعد قبل ذلك غير واجد ; ولأنه سبب للصلاة مختص بها ، فلزمه الاجتهاد في طلبه عند الإعواز ، كالقبلة .

                                                                                                                                            ( 334 ) فصل : وصفة الطلب أن يطلب في رحله ، ثم إن رأى خضرة أو شيئا يدل على الماء قصده فاستبرأه ، وإن كان بقربه ربوة أو شيء قائم أتاه وطلب عنده ، وإن لم يكن نظر أمامه ووراءه ، وعن يمينه ويساره ، وإن كانت له رفقة يدل عليهم طلب منهم ، وإن وجد من له خبرة بالمكان سأله عن مياهه ، فإن لم يجد فهو عادم . وإن دل على ماء لزمه قصده إن كان قريبا ، ما لم يخف على نفسه أو ماله ، أو يخشى فوات رفقته ، ولم يفت الوقت .

                                                                                                                                            وهذا مذهب الشافعي ( 335 ) فصل : فإن طلب الماء قبل الوقت ، فعليه إعادة الطلب بعده . قاله ابن عقيل ; لأنه طلب قبل المخاطبة بالتيمم ، فلم يسقط فرضه ، كالشفيع إذا طلب الشفعة قبل البيع . وإن طلب بعد الوقت ، ولم يتيمم عقيبه ، جاز التيمم بعد ذلك من غير تجديد طلب .

                                                                                                                                            الشرط الثالث : إعواز الماء بعد الطلب . ولا خلاف في اشتراطه ; لأن الله تعالى قال : { فلم تجدوا ماء فتيمموا } { . وقال عليه السلام : التراب كافيك ما لم تجد الماء } . فاشترط أن لا يجد الماء ; ولأن التيمم طهارة ضرورة ، لا يرفع الحدث ، فلا يجوز إلا عند الضرورة ، ومع وجود الماء لا ضرورة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية