الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        [ ص: 381 ] ( قوله ( ودخول اللام على البيع والشراء والإجارة والصياغة والخياطة والبناء كإن بعت لك ثوبا لاختصاص الفعل بالمحلوف عليه بأن كان بأمره كان ملكه أو لا وعلى الدخول والضرب والأكل والشرب والعين كإن بعت ثوبا لك لاختصاصها به بأن كان ملكه أمره أو لا ) يعني أن اللام إذا تعلقت بفعل قبلها فلا يخلو إما أن يكون ذلك الفعل تجري فيه النيابة أو لا فإن كان الأول فلا يخلو إما أن تلي اللام الفعل متوسطة بينه وبين المفعول أو تلي المفعول فإن كان الأول كقوله إن بعت لك ثوبا إن اشتريت لك ثوبا إن آجرت لك بيتا إن صنعت لك خاتما إن خطت لك ثوبا إن بنيت لك بيتا فإن اللام للاختصاص والوجه الظاهر فيها التعليل ، ووجه إفادتها الاختصاص أنها تضيف متعلقها ، وهو الفعل لمدخولها ، وهو كاف الخطاب فيفيد أن المخاطب مختص بالفعل ، وكونه مختصا به يفيد أن لا يستفاد إطلاق فعله إلا من جهته وذلك يكون بأمره ، وإذا باع بأمره كأن يبيعه إياه من أجله ، وهي لام التعليل فصار المعقود عليه أن لا يبيعه من أجله فإذا دس المخاطب ثوبه بلا علمه فباعه لم يكن باعه من أجله ; لأن ذلك لا يتصور إلا بالعلم بأمره ويلزم من هذا كون هذا لا يكون إلا في الأفعال التي تجري فيها النيابة ، وإن كان الثاني أعني ما إذا وقعت عقب المفعول كإن بعت ثوبا لك فهي للاختصاص أيضا ، وهو اختصاص العين بالمخاطب ، وهو كون العين مملوكة للمخاطب فيحنث إذا باع ثوبا مملوكا للمخاطب سواء كان بإذنه أو بغير إذنه ; لأن المحلوف عليه يوجد مع أمره ، وعدم أمره ، وهو بيع ثوب مختص بالمخاطب ; لأن اللام هنا أقرب إلى الاسم الذي هو الثوب منه للفعل والقرب من أسباب الترجيح .

                                                                                        وأما الثاني أعني ما إذا كان الفعل لا تجري فيه النيابة مثل الأكل والشرب وضرب الغلام لأنه لا يحتمل النيابة فلا فرق بين أن تكون اللام عقب الفعل أو عقب العين فإنها تكون لاختصاص العين بالمخاطب نحو إن أكلت لك طعاما أو طعاما لك أو شربت لك شرابا أو شرابا لك أو ضربت لك غلاما أو غلاما لك أو دخلت لك دارا لك فيحنث بدخول دار تنسب إلى المخاطب وبأكل طعام يملكه سواء كان بعلمه أو بأمره أو دونهما .

                                                                                        وفي فتاوى قاضي خان في فصل الأكل رجل قال والله لا أبيع لفلان ثوبا فباع الحالف ثوبا للمحلوف عليه ليجيز صاحب الثوب حنث الحالف أجاز المحلوف عليه أو لم يجز ، ولو باعه الحالف ، وهو لا يريد بذلك أن يكون البيع للمحلوف عليه ، وإنما يريد بيعه لنفسه لا يكون حانثا . ا هـ .

                                                                                        فهذا يفيد أن المحلوف عليه بيعه لأجله سواء كان بأمره أو لا ، وهو يتحقق بدون الأمر بأن يقصد الحالف بيعه لأجل فلان ، وهذا مما يجب حفظه فإن ظاهر كلامهم هنا يخالفه مع أنه هو الحكم فلو حذف المصنف قوله بأن كان بأمره لكان أولى إلا أن يراد أن كلامهم هنا في تعليق العتق [ ص: 382 ] والطلاق ، وكلام قاضي خان في اليمين بالله تعالى بدليل ما ذكره قاضي خان في الفتاوى أيضا رجل قال إن بعت لك ثوبا فعبدي حر فهذا على أن يبيع ثوبا بأمر المحلوف عليه كان الثوب ملكا للمحلوف عليه أو لم يكن ، ولو قال إن بعت ثوبا لك فهو على أن يبيع ثوبا ملكا للمحلوف عليه . ا هـ .

                                                                                        والفرق بين اليمين بالله تعالى وبين غيرها بعيد كما لا يخفى لكن ذكر في المحيط ما في المختصر عن الجامع وذكر الفرع المذكور في الخانية من فصل الأكل عن ابن سماعة عن محمد فظاهره أنه ضعيف ، وفي المحيط أيضا حلف لا يشتري لفلان فأمر غيره بالشراء ، والآمر ينوي الشراء للمحلوف عليه لا يحنث ; لأنه لم يشتر له ; لأن الشراء يقع للآمر ; لأنه قد وجد نفاذا عليه فينفذ عليه فلا يقع للمحلوف عليه . ا هـ .

                                                                                        وبهذا علم أنه لا فرق في المسألة الأولى بين أن يذكر المفعول به أو لا ، وفي الظهيرية ، وإن حلف لا يشتري لفلان ثوبا فأمره فلان أن يشتري لابنه الصغير ثوبا فاشتراه لا يحنث ، وكذا لو أمره أن يشتري لعبده ثوبا فاشتراه لا يحنث . ا هـ .

                                                                                        وبه علم أن في المسألة الأولى لا بد أن يكون قد أمره المحلوف عليه بأن يفعله لنفسه لا مطلق الأمر كما في المختصر وغيره ، وأطلق المصنف الضرب فشمل ضرب الغلام وضرب الولد ووقع في الهداية التعبير بضرب الغلام فاختلفوا في الغلام فذكر ظهير الدين أن المراد بالغلام الولد دون العبد ; لأن ضرب العبد يحتمل النيابة والوكالة فصار نظير الإجارة لا نظير الأكل والشرب والغلام يطلق على الولد قال الله تعالى { فبشرناه بغلام حليم } وذكر قاضي خان أن المراد به العبد للعرف ; ولأن الضرب مما لا يملك بالعقد ، ولا يلزم به فانصرف إلى المحل المملوك بالتقديم والتأخير على ما بينا .

                                                                                        قوله ( فإن نوى غيره صدق فيما عليه ) أي فإن نوى غير ما هو ظاهر كلامه صدق فيما فيه تشديد على نفسه ديانة ، وقضاء بأن باع ثوبا مملوكا للمخاطب بغير أمره في المسألة الأولى ونوى بالاختصاص الملك فإنه يحنث ، ولولا نيته لما حنث أو باع ثوبا لغير المخاطب بأمر المخاطب في المسألة الثانية ونوى الاختصاص بالأمر فإنه يحنث ، ولولا نيته لما حنث ; لأنه نوى ما يحتمله كلامه بالتقديم والتأخير ، وليس فيه تخفيف فيصدقه القاضي أيضا قيد بما عليه ; لأنه لو نوى ما فيه تخفيف كعكس هاتين المسألتين فإنه يصدق ديانة ; لأنه محتمل كلامه ، ولا يصدق قضاء ; لأنه خلاف الظاهر ، وهو متهم ، وقدمنا أن هذا الفرق بين الديانة والقضاء لا يتأتى في اليمين بالله تعالى ; لأن الكفارة لا مطالب لها ( قوله : إن بعته أو ابتعته فهو حر فعقد بالخيار ) ( حنث ) لوجود الشرط في المسألة الأولى ، وهو البيع والملك فيه قائم فينزل الجزاء ، وكذا في المسألة الثانية قد وجد الشرط ، وهو الشراء والملك قائم فيه ، وقوله عقد بالخيار أي باع في الأولى وشرط الخيار لنفسه واشترى في الثانية وشرط الخيار لنفسه ، وكون الملك موجودا في المسألة الأولى ظاهر ; لأنهم اتفقوا أن البائع إذا شرط الخيار لنفسه لا يخرج المبيع عن ملكه ، وأما في الثانية فكذلك عندهما ; لأن المبيع مملوك [ ص: 383 ] للمشتري عندهما .

                                                                                        وأما عند الإمام فلأن هذا العتق بتعليقه والمعلق كالمنجز ، ولو نجز المشتري بالخيار العتق يثبت الملك سابقا عليه فكذا هذا ، قيد بالخيار ; لأنه لو حلف لا يبيعه بأن قال إن بعته فهو حر فباعه بيعا صحيحا بلا خيار لا يعتق ; لأنه خرج عن ملكه وسيأتي حكم الفاسد والباطل ، ولا يخفى أنه إذا باعه بشرط الخيار للمشتري أنه لا يعتق أيضا ; لأنه بات من جهته ، وكذا إذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه بالخيار للبائع لا يعتق أيضا ; لأنه باق على ملك بائعه كما صرح به في الذخيرة وسواء أجاز البائع بعد ذلك أو لم يجز وذكر الطحاوي أنه إذا أجاز البائع البيع يعتق ; لأن الملك يثبت عند الإجازة مستند إلى وقت العقد بدليل أن الزيادة الحادثة بعد العقد قبل الإجازة تدخل في العقد كذا في البدائع ، وقيد بقوله إن ابتعته ; لأنه لو قال إن ملكته فهو حر فاشتراه بشرط الخيار لا يعتق عند الإمام ; لأن الشرط ، وهو الملك لم يوجد عنده لعدم الملك عنده كما عرف في بابه ، وقيد بالتعليق ; لأن المشتري بالخيار لو كان ذا رحم محرم من المبيع فإنه لا يعتق عليه إلا بمضي المدة عند الإمام لعدم الملك فإنه لم يوجد منه تكلمه بالإعتاق بعد الشراء بشرط الخيار حتى سقط خياره ، وإنما يعتق على القريب بحكم الملك ، ولا ملك للمشتري بالخيار ، والشارع إنما علق عتقه بالملك لا بالشراء أما هنا فالإيجاب المعلق صار منجزا عند الشرط وصار قائلا أنت حر فينفسخ الخيار ضرورة كذا في فتح القدير .

                                                                                        وفي الذخيرة إذا قال إن اشتريت فلانا فهو حر فاشتراه لغيره هل تنحل يمينه لم يذكر محمد هذه المسألة في شيء من الكتب وحكي عن الفقيه أبي بكر البلخي أنه قال لقائل أن يقول تنحل يمينه ، ولقائل أن يقول لا تنحل وهو الأشبه ; لأنه إنما يراد بمثل هذه اليمين عرفا الشراء لنفسه لا الشراء لغيره ; لأن العتق من جهة الحالف لا يقع إلا بالشراء لنفسه وصار تقدير المسألة كأنه قال إن اشتريتك لنفسي فأنت حر ، ولو صرح بذلك واشتراه لغيره لا تنحل يمينه فكذا هذا وبهذا الحرف يقع الفرق بين هذا وبين ما إذا قال لامرأته إن اشتريت غلاما فأنت طالق فاشتراه لغيره أن اليمين تنحل ; لأن هناك لم يوجد ما يدل على إرادته الشراء لنفسه فإن الطلاق من قبله يقع على امرأته اشتراه لنفسه أو لغيره أما هنا بخلافه . ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية رجل قال لأمته إن بعت منك شيئا فأنت حرة ثم باعها نصفها من الزوج الذي ولدت منه أو باع نصفها من أبيها لا يقع عتق المولى عليها باليمين ، ولو كان البيع من الأجنبي وقع عتق المولى عليها والفرق أن الولادة من الزوج والنسب من الأم مقدم فيقع ما تقدم سببه أولا ، وهذا المعنى لا يمكن اعتباره في حق الأجنبي وكذا لو قال إن اشتريت من هذه الجارية شيئا فهي مدبرة ثم اشتراها هو وزوجها الذي ولدت منه فهي أم ولد لزوجها ، ولا يقع عليها تدبير المشتري للمعنى الذي أشرنا إليه . ا هـ .

                                                                                        وقيد بكونه حلف بعتق العبد المبيع ; لأنه لو حلف لا يبيع أو علق طلاق زوجته على البيع أو عتق عبده على البيع فباع بيعا فيه خيار للبائع أو للمشتري لم يحنث في قول أبي يوسف وحنث في قول محمد قال محمد سمعت أبا يوسف قال فيمن قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر فاشتراه على أن البائع بالخيار ثلاثة أيام فمضت مدة الثلاث ووجب البيع يعتق ، وهو على أصله صحيح لأن اسم البيع عنده لا يتناول البيع المشروط فيه الخيار فلا يصير مشتريا بنفس القبول بل عند سقوط الخيار والعبد في ملكه عند ذلك فيعتق وذكر القاضي الإسبيجابي في البيع بشرط خيار البائع أو المشتري أنه يحنث ولم يذكر الخلاف ، وأصل فيه أصلا وهو أن كل بيع يوجب الملك أو تلحقه الإجازة يحنث به ، وما لا فلا كذا في البدائع .

                                                                                        قوله ( وكذا بالفاسد والموقوف لا بالباطل ) أي يحنث إذا عقد فاسدا أو موقوفا في المسألتين ، وهو مجمل لا بد من بيانه أما في المسألة الأولى ، وهو ما إذا قال إن بعتك فأنت حر [ ص: 384 ] فباعه بيعا فاسدا فإن كان في يد البائع أو في يد المشتري غائبا عنه بأمانة أو رهن يعتق عليه ; لأنه لم يزل ملكه عنه ، وإن كان في يد المشتري حاضرا أو غائبا مضمونا بنفسه لا يعتق ; لأنه بالعقد زال ملكه عنه ، وأما في الثانية ، وهي ما إذا قال إن اشتريته فهو حر فاشتراه شراء فاسدا فإن كان في يد البائع لا يعتق ; لأنه على ملك البائع بعد ، وإن كان في يد المشتري وكان حاضرا عنده ، وقت العقد يعتق ; لأنه صار قابضا له عقب العقد فملكه ، وإن كان غائبا في بيته أو نحوه فإن كان مضمونا بنفسه كالمغصوب يعتق ; لأنه ملكه بنفس الشراء ، وإن كان أمانة أو كان مضمونا بغيره كالرهن لا يعتق ; لأنه لا يصير قابضا عقب العتق كذا في البدائع ، وفي المحيط عن أبي يوسف لو قال إن اشتريت عبدا فهو حر فاشترى عبدا شراء فاسدا ثم تتاركا البيع ثم اشتراه شراء صحيحا قال لا يعتق ; لأنه حنث في الشراء الفاسد ; لأنه شراء حقيقة فانحلت اليمين وارتفعت بخلاف النكاح .

                                                                                        لو حلف ، وقال إن تزوجتك فأنت طالق فتزوجها فاسدا ثم تزوجها صحيحا طلقت ; لأن اليمين لم تنحل بالنكاح الفاسد لأنه ليس بنكاح مطلق . ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا يحنث في يمينه ، وهو الصحيح ; لأنه بيع تام ليس في المحل ما ينافي انعقاده إلا أنه تراخى حكمه ، وهو الملك ، وأنه لا يدل على نقصان فيه ، وكذا إذا عقد يمينه على الماضي بأن قال إن كنت اشتريت اليوم أو قال إن كنت بعت اليوم . ا هـ .

                                                                                        وأما في الموقوف فصورته فيما إذا كان الحالف البائع أن يبيعه لشخص غائب قبل عنه فضولي فيعتق العبد على البائع لوجود الشرط ، وإذا كان الحالف المشتري فإنه إذا اشتراه ببيع الفضولي له فإنه يحنث عند إجازة البائع فيعتق العبد ، وفي التبيين ما يخالفه ، وأما إذا حلف لا يشتري أو لا يبيع فاشترى أو باع موقوفا فإنه يحنث في يمينه قبل الإجازة ، وأما بالعقد الباطل فإنه لا يحنث به ; لأنه ليس ببيع لانعدام معناه ، وهو ما ذكر ، ولانعدام حصول المقصود منه ، وهو الملك ; لأنه لا يفيد الملك . وفي المحيط حلف لا يشتري اليوم شيئا فاشترى عبدا بخمر أو خنزير قبض أو لم يقبض أو اشترى عينا لم يأمره صاحبه بالبيع حنث قبل إجازة صاحبه ; لأن هذا بيع فاسد والبيع الفاسد بيع حقيقة لما بينا ، وكذا لو اشترى بالدين لأنه مال ، ولو اشتراه بدم أو ميتة لا يحنث ; لأنه ليس ببيع لعدم المال بخلاف الخمر والخنزير ; لأنهما مال ، ولو اشترى مكاتبا أو مدبرا أو أم ولد لم يحنث ; لأن في المحل ما ينافي التمليك والتملك ، وهو حق الحرية فلا ينعقد العقد فيه تمليكا فلا يتحقق بيعا إلا أن في المكاتب والمدبر يحنث إن أجاز القاضي أو المكاتب ; لأن المنافي زال بالقضاء ; لأنه فصل مجتهد فيه وبإجازة المكاتب انفسخت الكتابة فارتفع المنافي فتم العقد . ا هـ .

                                                                                        وهذا إذا اشترى هذه الأشياء فلو اشترى بهذه الأشياء لم يذكر محمد هذا الفصل واختلف المشايخ فيه قال بعضهم يحنث ، وقال بعضهم لا يحنث كذا في الذخيرة ، وفي الظهيرية إذا حلف ليبيعن هذه ، وهي أم ولد له أو هذه المرأة الحرة أو هذا الحر المسلم فباعهم بر في يمينه [ ص: 385 ] عند أبي حنيفة ، وقال أبو يوسف في الحر المسلم كذلك فأما في أم الولد والحرة فاليمين على الحقيقة . ا هـ .

                                                                                        وقيد بالبيع والشراء ; لأنه لو حلف لا يتزوج هذه المرأة فهو على الصحيح دون الفاسد حتى لو تزوجها نكاحا فاسدا لا يحنث ; لأن المقصود من النكاح الحل ، ولا يثبت بالفاسد بخلاف البيع المقصود منه الملك فإنه يحصل بالفاسد ، وكذا لو حلف لا يصلي ولا يصوم هو على الصحيح حتى لو صلى بغير طهارة أو صام بغير نية لا يحنث ، ولو كان ذلك كله في الماضي بأن قال إن كنت تزوجت أو صليت أو صمت فهو على الصحيح والفاسد ; لأن الماضي لا يقصد به الحل والتقرب ، وإنما يقصد به الإخبار عن المسمى بذلك فإن عنى به الصحيح دين في القضاء ; لأنه النكاح المعنوي كذا في البدائع ، وقدمنا أنه لو حلف لا يهب فوهب هبة غير مقسومة حنث كما في الظهيرية فعلم أن فاسد الهبة كصحيحها ، ولا يخفى أن الإجارة كذلك ; لأنها بيع .

                                                                                        [ ص: 379 - 381 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 379 - 381 ] ( قوله : فصار المعقود عليه أن لا يبيعه من أجله ) زاد في النهر سواء كان مملوكا أو لا . ا هـ .

                                                                                        وهو مصرح به في المتن ( قوله : فهذا يفيد أن المحلوف عليه بيعه لأجله إلخ ) أقول : يؤيده ما في تلخيص الجامع وشرحه للفارسي رجل قال لزيد إن بعت لك ثوبا فعبدي حر ، ولا نية له فدفع زيد ثوبا إلى رجل ، وأمره أن يدفعه إلى الحالف ليبيعه فدفعه المأمور إلى الحالف ، وقال له بعه لي أو قال بعه ، ولم يقل لزيد ، ولم يعلم الحالف أنه ثوب زيد فباعه جاهلا بكونه ثوب زيد لم يحنث في يمينه لأن اللام في بعت لك دخلت على فعل قابل للملك ، وهو البيع ، ولهذا يجوز الاستئجار عليه فكانت لاختصاص الفعل بالمحلوف عليه ، وهو زيد ووجود الاختصاص بزيد إنما يكون بأمر الحالف أو بعلم الحالف أنه باع له سواء كان الثوب لزيد أو لغيره ، وإذا باع لغير زيد لا يكون قاصدا تمليك فعل البيع من زيد سواء كان الثوب مملوكا لزيد أم لغيره ولهذا لو استأجر رجلا ليبيع مال رجل آخر تكون الأجرة على المستأجر لا على المالك ، وهذا لأن الحالف منع نفسه باليمين عن التزام الحقوق بينه وبين زيد ، ولم يلتزم حيث باع بأمر غيره من غير الإضافة إليه ، ولهذا يرجع بالحقوق على الرسول دون المرسل . ا هـ .

                                                                                        فقوله ووجود الاختصاص يزيد إلخ صريح في أن المراد بيعه لأجله سواء كان بأمره أم لا ويؤيده ما مر في التعليل من أنه صار المعقود عليه أن لا يبيعه من أجله وحينئذ فتصريحهم هنا باشتراط الأمر للاحتراز عما لو دس المخاطب ثوبه بلا علم الحالف فباعه كما مر فلا ينافي أنه لو باعه مع العلم بلا أمر أنه يحنث لوجود البيع لأجله الذي دل عليه التعليل وبهذا تتفق عباراتهم ويندفع عنها التنافي ، والله تعالى أعلم . ( قوله : إلا أن يراد إلخ ) ينافي هذه الإرادة تصوير المسألة في كلام شرح التلخيص بتعليق العتق مع التصريح بأن الأمر غير شرط [ ص: 382 ] كما علمت ( قوله : وذكر الفرع المذكور في الخانية ) الجار والمجرور متعلق بالمذكور ، وفاعل ذكر صاحب المحيط وذكر في النهر أن ما ذكره في المحيط عن ابن سماعة خلاف ما في الخانية ; لأن المذكور فيه لو باع الحالف ثوبا للمحلوف عليه بغير أمره لكنه أجاز البيع فروى ابن سماعة عن محمد أنه يحنث ، وعلله في المحيط بأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة ، وما في الخانية جزم به في البزازية والذي ينبغي حمله على ما إذا نوى بالاختصاص الملك على ما سيأتي . ا هـ .

                                                                                        قد علمت مما نقلناه عن شرح تلخيص الجامع التصريح بما يؤيد الفرع المذكور في الخانية مع التصريح بقوله ، ولا نية له فلا يصح الحمل على نية الاختصاص بالملك .

                                                                                        ( قوله : وبهذا علم أنه لا فرق في المسألة الأولى بين أن يذكر المفعول به أو لا ) قال في النهر ، وأنت خبير بأن تمايز الأقسام أعني تارة تدخل على الفعل أو على العين إنما يظهر بالتصريح بالمفعول فلا جرم صرح به . ا هـ .

                                                                                        أقول : أنت خبير بأن المدعى عدم اشتراط بالتصريح به في المسألة الأولى أعني إذا دخلت على الفعل لا مطلقا ، وادعاء أن تمايز الأقسام متوقف على التصريح به إن أريد به مطلقا فممنوع ، وإن أريد به فيما إذا دخلت على العين فمسلم ، ولكن الكلام ليس فيه ( قوله : وبه علم أن في المسألة لا بد أن يكون قد أمره المحلوف عليه بأن يفعله لنفسه ) قال في النهر مقتضى التوجيه السابق يعني توجيه كونها للتعليل حنثه حيث كان الشراء لأجله ألا ترى أن أمره ببيع مال غيره موجب لحنثه غير مقيد بكونه له ( قوله : أن المراد بالغلام الولد ) قال في النهر هذا هو الصواب في تغير الغلام الواقع في كلامهم خلافا لما في الجامع الصغير لقاضي خان ; لأنه يحتمل النيابة والكلام فيما لا يحملها كذا في العناية ( قوله : ونوى بالاختصاص الملك ) ، وعليه يحمل ما مر عن الخانية كما أشرنا إليه [ ص: 383 - 384 ] ( قوله : وفي التبيين ما يخالفه ) المخالفة في المسألة الثانية حيث صرح فيها بأنه يحنث بالشراء ثم قال ، وعن أبي يوسف أنه يصير مشتريا عند الإجازة كالنكاح ونقول الفرق بينهما أن المقصود من النكاح الحل ، ولم ينعقد الموقوف لإفادته بخلاف البيع ; لأن المقصود منه الملك دون الحل ، ولهذا تجامعه الحرمة فيحنث فيه وقت العقد ، وفي النكاح من وقت الإجازة . ا هـ .

                                                                                        وظاهره أن ما في التبيين قول الثلاثة حيث جعل مقابله رواية عن الثاني قال بعض الفضلاء ، ومعنى قوله يحنث بالشراء أنه إذا أجاز صاحب العبد البيع ظهر أن العبد عتق من وقت الشراء . ا هـ .

                                                                                        قلت : الظاهر خلافه بل الظاهر حنثه بنفس الشراء قبل الإجازة ، وفي تلخيص الجامع ويحنث بالشراء من فضولي أو بخمر أو بشرط الخيار إذ الذات لا تختل لخلل في الصفة قال شارحه الفارسي حنث لوجود شرط الحنث ، وهو ذات البيع بوجود ركنه من أهله في محله ، وإن لم يفد الملك في الحال لمانع ، وهو دفع الضرر عن المالك في الأول واتصال المفسد به في الثاني والخيار في الثالث وإفادة الملك في الحال صفة البيع لا ذاته فإن العرب وضعت لفظ البيع لمبادلة المال بالمال مع أنهم لا يعرفون الأحكام ، ولا الصحيح والفاسد ، ومتى وجدت الذات لا تختل لخلل وجد في الصفات ، وعن أبي يوسف أنه لا يحنث بالفاسد ( قوله : وأما إذا حلف لا يشتري أو لا يبيع ) قال بعض الفضلاء يعني إذا كانت يمينه بالله تعالى أو بالطلاق بأن قال والله لا أبيع أو لا أشتري أو قال امرأتي طالق إن بعت أو اشتريت فإنه يحنث بمجرد البيع أو الشراء . ا هـ .

                                                                                        ويحتمل أن يكون بدلا من ما في قوله وفي التبيين ما يخالفه فهو نقل لما في التبيين بالمعنى لا باللفظ تأمل . ( قوله : وكذا لو اشترى بالدين ; لأنه مال ) كذا وجد في بعض النسخ ، وفي بعضها ، وكذا لو اشترى بالدم ; لأنه قال : ولو اشتراه إلخ والظاهر أنه من تحريف النساخ .




                                                                                        الخدمات العلمية