الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 4 ] باب إثبات عذاب القبر

قال الإمام النووي : مذهب أهل السنة إثبات عذاب القبر ، وقد تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة . قال تعالى : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وأما الأحاديث فلا تحصى كثرة ، ولا مانع في العقل من أن يعيد الله الحياة في جزء من الجسد ، أو في الجميع على خلاف بين الأصحاب فيثيبه ويعذبه ، ولا يمنع من ذلك كون الميت قد تفرقت أجزاؤه كما يشاهد في العادة ، أو أكلته السباع والطيور وحيتان البحر لشمول علم الله تعالى وقدرته . فإن قيل : نحن نشاهد الميت على حاله فكيف يسأل ويقعد ويضرب ولا يظهر أثر ؟ فالجواب : أنه ممكن وله نظير في الشاهد وهو النائم فإنه يجد لذة وألما يحسه ولا نحسه ، وكذا يجد اليقظان لذة وألما يسمعه ويتفكر فيه ولا يشاهد ذلك جليسه ، وكذلك كان جبريل يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فيوحي بالقرآن المجيد ولا يراه أصحابه .

الفصل الأول

125 - ( عن البراء بن عازب ) : هو وأبوه صحابيان . وهو أبو عمارة الأنصاري الحارثي ، نزل الكوفة وافتتح الري سنة أربع وعشرين ، وشهد مع علي بن أبي طالب الجمل وصفين والنهروان ، ومات بالكوفة . وروى عنه خلق كثير ، وعمارة بضم العين المهملة وتخفيف الميم ، وعازب بعين مهملة وكسر الزاي بعدها موحدة رضي الله عنهما ( عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( المسلم ) : وفي معناه المؤمن ، والمراد به الجنس ، فيشمل المذكر [ ص: 203 ] والمؤنث أو حكمها يعرف بالتبعية ( إذا سئل في القبر ) : التخصيص للعادة أو كل موضع فيه مقره فهو قبره ، والمسئول عنه محذوف أي : سئل عن ربه ودينه ونبيه لما ثبت في الأحاديث الأخر " يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " ، أي : يجيب بأن لا رب إلا الله ولا إله سواه ، وبأن نبيه محمد عليه الصلاة والسلام ، ويلزم منه أن دينه الإسلام ( فذلك : أي : فمصداق ذلك الحكم ، وقال الطيبي : إشارة إلى سرعة الجواب التي يعطيها جعل إذا ظرفا ليشهد والفاء للسببية اهـ . وفيه بحث فإن الظاهر أن الآية سبب لما في الحديث دون العكس ، فالأولى أن يقال : إن الفاء تفريعية أو تفصيلية ( قوله ) : أي : تعالى كما في نسخة يثبت الله الذين آمنوا : أي يجري لسانهم بالقول الثابت : وهو كلمة الشهادة المتمكنة في القلب بتوفيق الرب . قال الطيبي : واللام إشارة إلى كلمة طيبة اهـ . وهذا مقتبس من :

قوله تعالى : مثلا كلمة طيبة وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، كما جاء عن ابن عباس وغيره كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وهي النخلة على ما في الصحيح ، قيل : الباء للسببية متعلقة بيثبت وكذا في الحياة الدنيا : بأن لا يزالوا عنه إذا فتنوا ولم يرتابوا بالشبهات وإن ألقوا في النار وفي الآخرة أي : البرزخ وغيره وقيل : في القبر عند السؤال وهو الصحيح كما وقع به التصريح . قال الطيبي : وأعاد الجار ليدل على استقلاله في التثبيت .

( وفي رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يثبت الله مبتدأ ، أي : آية : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت : أي إلى قوله ويضل الله الظالمين أي الكافرين ويفعل الله ما يشاء ( نزلت في عذاب القبر ) : أي : في إثباته ، قال فإن قيل : ليس في الآية دليل على عذاب المؤمن فما معنى قوله : نزلت في عذاب القبر ؟ قلت : لعله سمى أحوال العبد في القبر بعذاب القبر على تغليب فتنة الكافر على فتنة المؤمن ترهيبا ؛ ولأن القبر مقام الهول والوحشة ، ولأن ملاقاة الملكين مما يهيب المؤمن أيضا اهـ .

وفيه : أن المراد إثبات عذاب القبر مجملا غايته أن عذاب المؤمن الفاسق مسكوت عنه كما هو دأب القرآن في اقتصار على حكم الفريقين ، كما ورد في إعطاء الكتاب باليمين والشمال وخفة الميزان وثقله وأمثالها ، وهذا المقدار من الدليل حجة على المخالف إذ لا قائل بالفصل . ( يقال له ) ، أي : لصاحب القبر ( من ربك ) ، فإن كان مسلما أزال الله الخوف عنه وثبت لسانه في جواب الملكين ( فيقول : ربي الله ونبيي محمد ) : زاد في الجواب تبجحا : أو من نبيك مقدر في السؤال ، أو لأن السؤال عن التوحيد يستلزمه إذ لم يعتد به دونه ، وزاد في " المصابيح " : والإسلام ديني ، فحينئذ يكون منعما في القبر ، وأما الكافر فيغلب عليه الخوف والحيرة والدهشة والوحشة ، ولا يقدر على جوابهما فيكون معذبا فيه . قيل : ولم يذكر حال الكافر لأن الضد أقرب خطورا بالبال عند ذكر ضده فاكتفى به عنه ( فإنه ) : ( متفق عليه ) .

[ ص: 204 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية