الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين ؛ [ ص: 5097 ]

                                                          " أم " ؛ تتضمن معنى " بل " ؛ وهمزة الاستفهام؛ والإضراب إضراب انتقالي؛ فنقلهم - سبحانه - من الحكم بأنهم يتبعون أهواءهم؛ إلى مكانة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وأنه لا يطلب منهم مالا؛ ولا سلطانا؛ والاستفهام هنا لإنكار الوقوع؛ أي: لا يسألكم خرجا؛ و " الخرج " : المال الذي يأخذه السلطان من الرعية؛ و " الخراج " : العطاء الكثير؛ ما سألتهم خرجا حتى يدعوا أنك تريد سلطانا عليهم؛ وجاها؛ فما أعطاه الله (تعالى) خير؛ وهو كثير؛ وهو ربك؛ وكافلك؛ ومديم العطاء عليك؛ وهو مغنيك دائما عن الناس؛ وهو خير الرازقين؛ فرزقه خير الأرزاق؛ وافر؛ يتفضل على من وقف على بابه؛ والمعنى: خراجه - أي: عطاؤه - أغلى رزق وعطاء؛ وليس فوقه رزق لطالب رزق؛ ويصح أن نقول: إن المراد من خراج الله (تعالى) نعمه على محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ وهي نعم معنوية؛ فما كان محمد - صلى الله عليه وسلم - معروفا بالمال؛ إنما كان معروفا بالسمو الإنساني الكامل الذي لم يناصبه أحد فيه; ولذا اجتباه رب العالمين خاتما للنبيين؛ وكان آخر لبنة في صرح الرسالات الإلهية.

                                                          ولقد قال الزمخشري كلمة بليغة في معنى هذه الآية: قد ألزمهم الحجة في هذه الآيات؛ وقطع معاذيرهم؛ وعللهم بأن الذي أرسل إليهم رجل معروف أمره وحاله؛ مخبور سره وعلنه؛ خليق بأن يجتبى مثله للرسالة من بين ظهرانيهم؛ وأنه لم يعرض له؛ حتى يدعى بمثل هذه الدعوى العظيمة بباطل؛ ولم يجعل ذلك سلما للنيل من دنياهم؛ واستعطاء أموالهم؛ ولم يدعهم إلا إلى الإسلام؛ الذي هو الصراط المستقيم؛ مع إبراز المكنون من أدوائهم؛ وهو إضلالهم بالتدبر والتأمل؛ وتعللهم بأنه مجنون؛ بعد ظهور الحق وثبات التصديق من الله بالمعجزات والآيات المنزلة؛ وكراهيتهم للحق؛ وإعراضهم عما فيه حظهم من الذكر. أهـ ملخصا.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية