الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : في تفسير ألفاظ الآية وفيها مباحث :

                                                                                                                                                                                                                                            البحث الأول : قوله :( هو الذي خلقكم من نفس واحدة ) المشهور أنها نفس آدم وقوله :( وخلق منها زوجها ) المراد حواء ، قالوا : ومعنى كونها مخلوقة من نفس آدم ، أنه تعالى خلقها من ضلع من أضلاع آدم ، قالوا : والحكمة فيه أن الجنس إلى الجنس أميل ، والجنسية علة الضم ، وأقول هذا الكلام مشكل لأنه تعالى لما كان قادرا على أن يخلق آدم ابتداء فما الذي حملنا على أن نقول إنه تعالى خلق حواء من جزء من أجزاء آدم ؟ ولم لا نقول : إنه تعالى خلق حواء أيضا ابتداء ؟ وأيضا الذي يقدر على خلق إنسان من عظم واحد فلم لا يقدر على خلقه ابتداء ؟ وأيضا الذي يقال : إن عدد أضلاع الجانب الأيسر أنقص من عدد أضلاع الجانب الأيمن فيه مؤاخذة تنبي عن خلاف الحس والتشريح ، بقي أن يقال : إذا لم نقل بذلك ، فما المراد من كلمة [ ص: 73 ] " من " في قوله :( وخلق منها زوجها ) فنقول : قد ذكرنا أن الإشارة إلى الشيء تارة بحسب شخصه ، وأخرى بحسب نوعه ، قال عليه الصلاة والسلام : "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " وليس المراد ذلك الفرد المعين بل المراد ذلك النوع . وقال عليه الصلاة والسلام في يوم عاشوراء : " هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون " والمراد خلق من النوع الإنساني زوجة آدم ، والمقصود التنبيه على أنه تعالى جعل زوج آدم إنسانا مثله . قوله :( فلما تغشاها ) أي جامعها ، والغشيان إتيان الرجل المرأة وقد غشاها وتغشاها إذا علاها ، وذلك لأنه إذا علاها فقد صار كالغاشية لها ، ومثله يجللها ، وهو يشبه التغطي واللبس ، قال تعالى :( هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ) [البقرة : 187] وقوله :( حملت حملا خفيفا ) قالوا يريد النطفة والمني ، والحمل بالفتح ما كان في البطن أو على رأس الشجر ، والحمل بكسر الحاء ما حمل على ظهر أو على الدابة . وقوله :( فمرت به ) أي استمرت بالماء والحمل على سبيل الخفة ، والمراد أنها كانت تقوم وتقعد وتمشي من غير ثقل . قال صاحب الكشاف : وقرأ يحيى بن يعمر ( فمرت به ) بالتخفيف ، وقرأ غيره ( فمارت به ) من المرية ، كقوله :( أفتمارونه ) [النجم : 12] معناه وقع في نفسها ظن الحمل وارتابت فيه( فلما أثقلت ) أي صارت إلى حال الثقل ودنت ولادتها( دعوا الله ربهما ) يعني آدم وحواء ( لئن آتيتنا صالحا ) أي ولدا سويا مثلنا( لنكونن من الشاكرين ) لآلائك ونعمائك( فلما آتاهما ) الله( صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما ) والكلام في تفسيره قد مر بالاستقصاء . قرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وعاصم ، في رواية حفص عنه ( شركاء ) بصيغة الجمع ، وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر عنه ( شركا ) بكسر الشين وتنوين الكاف ، ومعناه جعلا له نظراء ذوي شرك وهم الشركاء ، أو يقال معناه أحدثا لله إشراكا في الولد ، ومن قرأ ( شركاء ) فحجته قوله :( أم جعلوا لله شركاء خلقوا ) [الرعد : 16] وأراد بالشركاء في هذه الآية إبليس ؛ لأن من أطاع إبليس فقد أطاع جميع الشياطين ، هذا إذا حملنا هذه الآية على القصة المشهورة ، أما إذا لم نقل به فلا حاجة إلى التأويل والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية