الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      الشافعي : أخبرنا مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن بكير بن الأشج ، عن معاوية بن أبي عياش الأنصاري : أنه كان جالسا مع ابن الزبير ، فجاء محمد بن إياس بن البكير ، فسأل عن رجل طلق ثلاثا قبل الدخول . فبعثه إلى أبي هريرة ، وابن عباس - وكانا عند عائشة - فذهب ، فسألهما . فقال ابن عباس لأبي هريرة : أفته يا أبا هريرة ; فقد جاءتك معضلة . فقال : الواحدة تبينها ، والثلاث تحرمها . وقال ابن عباس مثله .

                                                                                      وقد كان أبو هريرة يجلس إلى حجرة عائشة ، فيحدث ، ثم يقول : يا صاحبة الحجرة ، أتنكرين مما أقول شيئا ؟

                                                                                      فلما قضت صلاتها ، لم تنكر ما رواه ; لكن قالت : لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يسرد الحديث سردكم . [ ص: 608 ] وكذلك قيل لابن عمر : هل تنكر مما يحدث به أبو هريرة شيئا ؟ فقال : لا ، ولكنه اجترأ وجبنا .

                                                                                      فقال أبو هريرة : فما ذنبي ، إن كنت حفظت ونسوا ! .

                                                                                      قال يزيد بن هارون : سمعت شعبة يقول : كان أبو هريرة يدلس .

                                                                                      قلت : تدليس الصحابة كثير ، ولا عيب فيه ; فإن تدليسهم عن صاحب أكبر منهم ; والصحابة كلهم عدول .

                                                                                      شريك ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : كان أصحابنا يدعون من حديث أبي هريرة .

                                                                                      وروى حسين بن عياش ، عن الأعمش ، عن إبراهيم نحوه . [ ص: 609 ] الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : ما كانوا يأخذون من حديث أبي هريرة إلا ما كان حديث جنة أو نار .

                                                                                      قلت : هذا لا شيء ، بل احتج المسلمون قديما وحديثا بحديثه; لحفظه وجلالته وإتقانه وفقهه ، وناهيك أن مثل ابن عباس يتأدب معه ، ويقول : أفت يا أبا هريرة .

                                                                                      وأصح الأحاديث ما جاء عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة .

                                                                                      وما جاء عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة .

                                                                                      وما جاء عن ابن عون ، وأيوب ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة .

                                                                                      وأين مثل أبي هريرة في حفظه وسعة علمه .

                                                                                      حماد بن زيد ، عن عباس الجريري : سمعت أبا عثمان النهدي ، قال : تضيفت أبا هريرة سبعا ; فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا : يصلي هذا ، ثم يوقظ هذا ، ويصلي هذا ، ثم يوقظ هذا .

                                                                                      قلت : يا أبا هريرة ، كيف تصوم ؟ قال : أصوم من أول الشهر ثلاثا .

                                                                                      ابن سعد : حدثنا يحيى بن عباد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام [ ص: 610 ] بن سعيد بن زيد الأنصاري ، عن شرحبيل : أن أبا هريرة كان يصوم الاثنين والخميس .

                                                                                      عبد العزيز بن المختار ، عن خالد ، عن عكرمة : أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة ، يقول : أسبح بقدر ديتي .

                                                                                      ورواه عبد الوارث ، عن خالد .

                                                                                      أخبرنا أحمد بن هبة الله : عن المؤيد الطوسي : أخبرنا هبة الله السندي : أخبرنا سعيد بن محمد : أخبرنا زاهر بن أحمد : أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي : أخبرنا أبو مصعب الزهري : حدثنا مالك ، عن محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن حميد بن مالك بن خثيم ، قال : كنت جالسا عند أبي هريرة في أرضه بالعقيق ، فأتاه قوم ، فنزلوا عنده . قال حميد : فقال : اذهب إلى أمي ، فقل : إن ابنك يقرئك السلام ، ويقول : أطعمينا شيئا . قال : فوضعت ثلاثة أقراص في الصحفة ، وشيئا من زيت وملح ووضعتها على رأسي ; فحملتها إليهم .

                                                                                      فلما وضعته بين أيديهم ; كبر أبو هريرة ، وقال : الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز ، بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين : التمر والماء .

                                                                                      فلم يصب القوم من الطعام شيئا . فلما انصرفوا ، قال : يابن أخي ، أحسن إلى غنمك ، وامسح عنها الرعام ، وأطب مراحها ، وصل في ناحيتها ; فإنها من دواب الجنة . والذي نفسي بيده ، يوشك أن يأتي على [ ص: 611 ] الناس زمان تكون الثلة من الغنم أحب إلى صاحبها من دار مروان .

                                                                                      أخرجه البخاري في كتاب " الأدب " عن ابن أبي أويس ، عن مالك . ووثق النسائي حميدا .

                                                                                      هشيم ، عن يعلى بن عطاء ، عن ميمون بن ميسرة ، قال : كانت لأبي هريرة صيحتان في كل يوم : أول النهار وآخره . يقول : ذهب الليل ، وجاء النهار ، وعرض آل فرعون على النار . فلا يسمعه أحد إلا استعاذ بالله من النار .

                                                                                      جعفر بن برقان : حدثنا الوليد بن زوران : حدثني عبد الوهاب المدني ، قال : بلغني أن رجلا دخل على معاوية ، فقال : مررت بالمدينة ، فإذا أبو هريرة جالس في المسجد ، حوله حلقة يحدثهم ، فقال : حدثني خليلي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم- ثم استعبر ، فبكى ، ثم عاد فقال : حدثني خليلي - صلى الله عليه وسلم- نبي الله أبو القاسم . ثم استعبر فبكى . ثم قام .

                                                                                      ابن لهيعة ، عن أبي يونس ، عن أبي هريرة : أنه صلى بالناس يوما ، فلما سلم ، رفع صوته ، فقال : الحمد لله الذي جعل الدين قواما ، وجعل أبا هريرة إماما ; بعد أن كان أجيرا لابنة غزوان على شبع بطنه ، وحمولة رجله . [ ص: 612 ] ابن علية ، عن الجريري ، عن مضارب بن حزن ، قال : بينا أنا أسير تحت الليل ، إذا رجل يكبر ، فألحقه بعيري . فقلت : من هذا ؟ قال : أبو هريرة . قلت : ما هذا التكبير ؟ قال : شكر . قلت : علامه ؟ قال : كنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بعقبة رجلي ، وطعام بطني ، وكانوا إذا ركبوا سقت بهم ، وإذا نزلوا خدمتهم ، فزوجنيها الله ، فهي امرأتي .

                                                                                      معمر ، عن أيوب ، عن محمد : أن عمر استعمل أبا هريرة على البحرين ، فقدم بعشرة آلاف . فقال له عمر : استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله ، وعدو كتابه ؟ .

                                                                                      فقال أبو هريرة : فقلت : لست بعدو الله وعدو كتابه ; ولكني عدو من عاداهما .

                                                                                      قال : فمن أين هي لك ؟ قلت : خيل نتجت ، وغلة رقيق لي ، وأعطية تتابعت .

                                                                                      فنظروا ، فوجدوه كما قال .

                                                                                      فلما كان بعد ذلك ، دعاه عمر ليوليه ، فأبى . فقال : تكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرا منك : يوسف عليه السلام! فقال : يوسف نبي ابن نبي ابن نبي وأنا أبو هريرة بن أميمة . وأخشى ثلاثا واثنتين . قال : فهلا قلت خمسا ؟ قال : أخشى أن أقول بغير علم ، وأقضي بغير حلم ، وأن يضرب ظهري ، وينتزع مالي ، ويشتم عرضي . [ ص: 613 ]

                                                                                      رواه سعد بن الصلت ، عن يحيى بن العلاء ، عن أيوب ، متصلا بأبي هريرة .

                                                                                      أخبرني إبراهيم بن يوسف : أخبرنا ابن رواحة : أخبرنا السلفي : أخبرنا ابن البسري أخبرنا عبد الله بن يحيى : أخبرنا إسماعيل الصفار : حدثنا الرمادي : حدثنا عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن محمد بن زياد ، قال : كان معاوية يبعث أبا هريرة على المدينة ; فإذا غضب عليه ، بعث مروان ، وعزله ، قال : فلم يلبث أن نزع مروان ، وبعث أبا هريرة ، فقال لغلام أسود : قف على الباب ، فلا تمنع إلا مروان ، ففعل الغلام ، ودخل الناس ، ومنع مروان . ثم جاء نوبة فدخل ، وقال : حجبنا عنك ، فقال : إن أحق من لا أنكر هذا لأنت . [ ص: 614 ]

                                                                                      رواه الحافظ أبو القاسم في " تاريخه " عن السلفي إجازة .

                                                                                      قلت : كان أبو هريرة طيب الأخلاق . ربما ناب في المدينة عن مروان أيضا .

                                                                                      حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، قال : كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة ، فيركب حمارا ببرذعة ، وفي رأسه خلبة من ليف ، فيسير ، فيلقى الرجل ، فيقول : الطريق ! قد جاء الأمير .

                                                                                      وربما أتى الصبيان ، وهم يلعبون بالليل لعبة الأعراب . فلا يشعرون ، حتى يلقي نفسه بينهم ، ويضرب برجليه ، فيفزع الصبيان ، فيفرون . وربما دعاني إلى عشائه ، فيقول : دع العراق للأمير . فأنظر ، فإذا هو ثريدة بزيت .

                                                                                      عمرو بن الحارث ، عن يزيد بن زياد القرظي : حدثني ثعلبة بن أبي مالك القرظي ، قال : أقبل أبو هريرة في السوق يحمل حزمة حطب ، وهو يومئذ خليفة لمروان ، فقال : أوسع الطريق للأمير . [ ص: 615 ] يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال : كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت ، فإذا أمسك عنه ، تكلم .

                                                                                      هشام بن عروة ، عن رجل ، عن أبي هريرة ، قال : درهم يكون من هذا - وكأنه يمسح العرق عن جبينه- أتصدق به ، أحب إلي من مائة ألف ، ومائة ألف ، ومائة ألف ، من مال فلان .

                                                                                      وقال حزم القطعي : سمعت الحسن يقول : كان أبو هريرة إذا مرت به جنازة ، قال : اغدوا فإنا رائحون ; وروحوا فإنا غادون .

                                                                                      يونس ، عن ابن شهاب ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة - فذكر حديث بسط ثوبه- قال : فما نسيت بعد ذلك اليوم شيئا حدثت به .

                                                                                      أبو هلال ، عن الحسن : قال أبو هريرة : لو حدثتكم بكل ما في كيسي ، لرميتموني بالبعر ، ثم قال الحسن : صدق ، والله ، لو حدثهم أن [ ص: 616 ] بيت الله يهدم ، أو يحرق ، ما صدقوه .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية