الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وإذا رئي ببلد لزم حكمه البلد القريب ) قطعا ؛ لأنهما كبلد واحد ( تنبيه )

                                                                                                                              قضية قوله لزم إلخ أنه بمجرد رؤيته ببلد يلزم كل بلد قريبة منه الصوم أو الفطر لكن من الواضح أنه إذا لم يثبت بالبلد الذي أشيعت رؤيته فيها لا يثبت في القريبة منه إلا بالنسبة لمن صدق المخبر وأنه إن ثبت فيها ثبت في القريبة لكن لا بد من طريق يعلم بها أهل القريبة ذلك فإن كان ثبت بنحو حكم فلا بد من اثنين يشهدان عند حاكم القريبة بالحكم ولا يكفي واحد وإن كان المحكوم به يكفي فيه الواحد ؛ لأن المقصود إثباته الحكم بالصوم لا الصوم أو بنحو استفاضة فلا بد من اثنين أيضا [ ص: 381 ] لذلك فإن لم يكن بالبلد من يسمع الشهادة أو امتنع لم يثبت عندهم إلا بالنسبة لمن صدق المخبر بأن أهل تلك البلد ثبت عندهم ذلك فعلم أنه لو وجدت شروط الشهادة على الشهادة فشهد اثنان على شهادة الرائي ولو واحدا كفى إن كان ثم من يسمعها وإلا فكما مر .

                                                                                                                              ثم رأيت في المجموع وغيره تكفي الشهادة هنا من اثنين على شهادة واحد ا هـ وهو يؤيد ما ذكرته آخرا ( دون البعيد في الأصح ) لخبر مسلم { عن كريب استهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة فرآه الناس فصام معاوية ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فأخبرت ابن عباس بذلك فقال لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين فقلت ألا تكتفي برؤية معاوية فقال لا هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال الترمذي والعمل عليه عند أكثر أهل العلم ( والبعيد مسافة القصر ) ؛ لأن الشرع أناط بها كثيرا من الأحكام واعتبار المطالع يحوج إلى وتحكيم المنجمين وقواعد الشرع تأباه .

                                                                                                                              ( وقيل باختلاف المطالع قلت هذا أصح والله أعلم ) ؛ لأن الهلال لا تعلق له بمسافة القصر ولأن المناظر تختلف باختلاف المطالع والعروض فكان اعتبارهم أولى وتحكيم المنجمين إنما يضر في الأصول دون التوابع كما هنا والمراد باختلافها أن يتباعد المحلان بحيث لو رئي في أحدهما لم ير في الآخر غالبا [ ص: 382 ] قاله في الأنوار .

                                                                                                                              وقال التاج التبريزي وتبعوه لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين فرسخا وكان مستنده الاستقراء وبه إن صح يندفع قول الرافعي عن الإمام يتصور اختلافها في دون مسافة القصر والشك في اختلافها كتحققه ؛ لأن الأصل عدم الوجوب ومحله إن لم يبن آخرا اتفاقها وإلا وجب القضاء كما قاله الأذرعي ونبه السبكي وتبعه الإسنوي وغيره على أنه يلزم من الرؤية في البلد الشرقي رؤيته في البلد الغربي من غير عكس إذ الليل يدخل في البلاد الشرقية قبل وعلى ذلك حمل حديث كريب فإن الشام غربية بالنسبة للمدينة وقضيته أنه متى رئي في شرقي لزم كل غربي بالنسبة إليه العمل بتلك الرؤية وإن اختلفت المطالع وفيه منافاة الظاهر كلامهم ويوجه كلامهم بأن اللازم إنما هو الوجود لا الرؤية إذ قد يمنع منها مانع والمدار عليها لا على الوجود ووقع تردد لهؤلاء وغيرهم فيما لو دل الحساب على كذب الشاهد بالرؤية والذي يتجه منه أن الحساب إن اتفق أهله على أن مقدماته قطعية وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ردت الشهادة وإلا فلا وهذا أولى من إطلاق السبكي إلغاء الشهادة إذا دل الحساب القطعي على استحالة الرؤية [ ص: 383 ] وإطلاق غيره قبولها وأطال كل لما قاله بما في بعضه نظر للمتأمل ( تنبيه )

                                                                                                                              أثبت مخالف الهلال مع اختلاف المطالع لزمنا العمل بمقتضى إثباته ؛ لأنه صار من رمضان حتى على قواعدنا أخذا من قول المجموع محل الخلاف في قبول الواحد ما لم يحكم بشهادة الواحد حاكم يراه وإلا وجب الصوم ولم ينقض الحكم إجماعا ومن مقتضى إثباته أنه يجب قضاء ما أفطرناه عملا بمطلعنا وأن القضاء فوري بناء على ما قاله المتولي وأقره المصنف والإسنوي وغيرهما أنه إذا ثبت أثناء يوم الشك أي ثلاثي شعبان وإن لم يتحدث برؤيته أنه من رمضان لزمه قضاؤه فورا كما يأتي

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله شهادة عدل هنا ) أي في رمضان ( قوله بأنه رئي ببلد كذا ) ينبغي إلا في حق من اعتقد صدق تلك الرؤية وكذا يقال في قوله بأن أهل بلد كذا صيام ( قوله والمدار عليها لا على الوجود ) هذا يخالف ما تقدم أول الباب عن شيخنا الشهاب الرملي ( قوله وكان المخبرون منهم بذلك عدد التواتر ) يرد عليه [ ص: 383 ] أن إخبار عدد التواتر إنما يفيد القطع إذا كان الإخبار عن محسوس فيتوقف على حسية تلك المقدمات والكلام فيه ( قوله وأن القضاء فوري ) قد ينظر فيه بأن الفور إنما وجب في مسألة الشك لنسبتهم إلى تقصير إذا تأخر إثبات المخالف عن الأول إلا أن يفرض ذلك فيما إذا تقدم ولو يعلموا به إلا بعد ذلك فليتأمل



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( وإذا رئي ببلد لزم حكمه البلد القريب ) أي كبغداد والكوفة نهاية ومغني ( قوله قطعا إلخ ) أي لزوما قطعيا بلا خلاف ( قوله الصوم ) أي في أول الشهر أو الفطر أي في آخره ( قوله وأنه إن ثبت إلخ ) عطف على أنه إذا لم يثبت إلخ ( قوله بنحو حكم ) أي كقوله ثبت عندي أن غدا من رمضان ( قوله عند حاكم القريبة ) أي أو عند محكم فيها لكن بالنسبة لمن رضي بحكمه فقط كما مر ( قوله بالحكم ) أي أو نحوه ( قوله إثباته ) نائب فاعل المقصود و ( قوله الحكم إلخ ) خبر أن ( قوله أو بنحو استفاضة إلخ ) هذا كالصريح في أن الاستفاضة تكفي في وجوب الصوم على عموم الناس فليراجع [ ص: 381 ] قوله لذلك ) أي ؛ لأن المقصود إثباته إلخ ( قوله فعلم أنه لو وجدت إلخ ) مسألة ثبوت رمضان بالشهادة على الشهادة منصوص عليها في أصل الروضة مع خلاف وتفاريع كثيرة فليراجع ثم بصري ( قوله كفى ) أي شهادة الاثنين فكان الظاهر التأنيث ( قوله فكما مر ) أي فلا تكفي إلا بالنسبة لمن صدق المخبر ولو واحدا ( قوله يؤيد إلخ ) بل يصرح بذلك قول المتن دون البعيد أي كالحجاز والعراق نهاية ومغني ( قوله لخبر مسلم ) إلى قوله وقضيته في النهاية والمغني إلا قوله والمراد إلى وقال التاج وقوله وكان مستنده إلى والشك ( قوله فصام إلخ ) عبارة النهاية والمغني وصاموا وصام معاوية إلخ ( قوله والعمل عليه ) أي على عدم الاكتفاء قول المتن ( والبعيد مسافة القصر ) وصححه المصنف في شرح مسلم نهاية ومغني ( قوله إلى تحكيم المنجمين ) أي الأخذ بقولهم بجيرمي قول المتن ( وقيل باختلاف المطالع ) أي يحصل البعد باختلاف المطالع لا بمسافة القصر خلافا للرافعي شرح المنهج قول المتن ( قلت هذا أصح ) فرع

                                                                                                                              ما حكم تعلم اختلاف المطالع يتجه أن يكون كتعلم أدلة القبلة حتى يكون فرض عين في السفر وفرض كفاية في الحضر وفاقا لمر سم على المنهج والتعبير بالسفر والحضر جري على الغالب وإلا فالمدار على محل تكثر فيه الحاضرون أو تقل كما قدمه في استقبال القبلة ع ش وقوله الحاضرون صوابه العالمون ( قوله ؛ لأن الهلال إلخ ) ولما تقدم من خبر مسلم وقياسا على طلوع الفجر والشمس وغروبها نهاية ومغني ( قوله والعروض ) اعلم أن عرض البلد في اصطلاح أهل الهيئة عبارة عن بعد البلد عن خط الاستواء إلى جانب الجنوب أو الشمال وطول البلد عبارة عن بعده من مبدأ العمارة في الغرب إلى جانب الشرق ومنازل القمر تختلف باختلافهما فالاقتصار على العروض ليس على ما ينبغي إلا أن يقال ذكر المطالع إشارة إلى الأطوال وخط الاستواء مفروض على الأرض بين المشرق والمغرب في أقاليم الهند كردي .

                                                                                                                              ( قوله اعتبارها ) الظاهر التذكير ( قوله إنما يضر في الأصول دون التوابع ) عبارة النهاية والمغني والإيعاب في الأصول والأمور العامة دون التوابع والأمور الخاصة ا هـ قال البجيرمي والعطف للتفسير كما قاله شيخنا ثم قال والمراد بالأصول الوجوب أصالة واستقلالا وبالتوابع الوجوب تبعا وهذا هو الظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والمراد باختلافها إلخ ) عبارة الكردي على بافضل معنى اختلاف المطالع أن يكون طلوع الفجر أو الشمس أو الكواكب أو غروبها في محل متقدما على مثله في محل آخر أو متأخرا عنه [ ص: 382 ] وذلك مسبب عن اختلاف عروض البلاد أي بعدها عن خط الاستواء وأطوالها أي بعدها عن ساحل البحر المحيط الغربي فمتى ساوى طول البلدين لزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر وإن اختلف عرضهما أو كان بينهما مسافة شهور ومتى اختلف طولهما امتنع تساويهما في الرؤية ا هـ وتقدم عن الكردي بفتح الكاف الفارسي ما يوافقه .

                                                                                                                              ( قوله قاله في الأنوار ) وفيه نظر ففي المجموع بعد بسط الخلاف فحصل ستة أوجه يلزم أهل الأرض أهل إقليم بلد الرؤية وما وافقها في المطلع وهو أصحها كل بلد لا يتصور خفاؤه عنهم بلا عارض من دون مسافة القصر بلد الرؤية فقط ا هـ فما في الأنوار قريب من الرابع وكان وجه مغايرته للثالث أنه أعم فحيث لم يتصور الخفاء عنهم لزمهم الصوم وإن اختلف المطلع بخلافه على الثالث فإنه لا بد من اتفاقه المستلزم أنه يلزم من رؤيته في أحدهما رؤيته في الآخر كما يأتي عن السبكي إلا لمانع إيعاب .

                                                                                                                              ( قوله وقال التاج التبريزي ) نقل المغني كلام التبريزي وأقره بصري ( قوله التبريزي ) بكسر أوله والراء وسكون الموحدة والتحتية وزاي نسبة إلى تبريز بلد بأذربيجان ا هـ . لب للسيوطي ع ش ( قوله لا يمكن اختلافها في أقل من أربعة وعشرين إلخ ) أفتى به الوالد رحمه الله تعالى والأوجه أنها تحديدية كما أفتى به أيضا نهاية قال ع ش وقدره ثلاثة أيام لكن يبقى الكلام في مبدأ الثلاثة بأي طريق يفرض حتى لا تختلف المطالع بعده راجعه ا هـ .

                                                                                                                              وفي الكردي على بافضل وقال القليوبي في حواشي المحلي أن ما قاله التبريزي غير مستقيم بل باطل وكذا قول شيخنا الرملي في النهاية أنها تحديدية ا هـ ويمكن أن يجاب عنه بأن ما دون الثلاث المراحل يكون التفاوت فيه دون درجة فكأن الفقهاء لم يلاحظوه لقلته ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وبه إن صح ) أي بالاستقراء ( قوله ومحله ) أي عدم الوجوب مع الشك في الاختلاف ( قوله ونبه السبكي إلخ ) أقره النهاية والمغني ( قوله على أنه يلزم إلخ ) أي إذا اختلفت المطالع نهاية ومغني ( قوله يلزم من الرؤية في البلد الشرقي ) أي حيث اتحدت الجهة والعرض نهاية أي فيلزم من رؤيته في مكة رؤيته في مصر ولا عكس كردي على بافضل ( قوله إذ الليل يدخل إلخ ) أي ومن ثم لو مات متوارثان أحدهما بالمشرق والآخر بالمغرب كل وقت زوال بلده ورث الغربي الشرقي لتأخر زوال بلده نهاية زاد الإيعاب فإذا ثبت هذا في الأوقات لزم مثله في الأهلة وأيضا فالهلال إذا لم ير بالشرق لكونه في الشعاع عند الغروب أمكن أن يخرج منه قبل الغروب من المغرب لتأخره عن غروب الشرق فيخرج من الشعاع في تلك المسافة ا هـ .

                                                                                                                              قال الرشيدي قوله م ر لتأخر زوال بلده الذي ذكره أهل هذا الشأن أن الزوال إنما يختلف باختلاف الطول لا باختلاف العرض فمتى اتحد الطول اتحد وقت الزوال وإن اختلف العرض وإذا اختلف الطول اختلف الزوال وإن اتحد العرض خلافا لما يوهمه كلام الشارح م ر ا هـ وتقدم عن الكردي ما يوافقه ( قوله وقضيته ) أي ما قاله السبكي ومن تبعه ( قوله وفيه إلخ ) أي فيما اقتضاه كلام السبكي ومن تبعه ( قوله منافاة لظاهر كلامهم ) قد يقال بالتأمل في كلامهم ووجه اعتبار اتحاد المطالع يعلم أنه لا منافاة وأن الملحظ واحد فتدبر وأما قوله ويوجه إلخ فلو تم لورد على اعتبار اتحاد المطالع أيضا فليتأمل بصري .

                                                                                                                              ( قوله والمدار عليها لا على الوجود ) هذا يخالف ما تقدم أول الباب عن شيخنا الشهاب الرملي سم ومر ما فيه ( قوله إذ قد يمنع إلخ ) قد يقال الاستقراء لمشاهدة لزوم الرؤية في الغربي للرؤية في الشرقي كاف في حصول الظن بها وإن منع مانع أرضي خفي كيسير بخار بصري ( قوله لهؤلاء ) أي السبكي وتابعيه كردي ( قوله وكان المخبرون منهم بذلك إلخ ) يرد عليه أن إخبار عدد التواتر إنما يفيد القطع إذا كان الإخبار عن محسوس فيتوقف على حسية تلك المقدمات سم وقد يجاب بأن مراد الشارح أن إخبار عدد التواتر عن قطعية تلك المقدمات يفيد ظنا قويا قريبا من القطع وهذا الظن كاف في رد الشاهد بخلافه [ ص: 383 ] قوله وإطلاق غيره إلخ ) أي كالنهاية والمغني .

                                                                                                                              ( قوله أثبت مخالفة الهلال إلخ ) كأن مراده حكم بقرينة استشهاده بكلام المجموع ؛ لأن الثبوت ليس بحكم والحكم هو الذي يرفع الخلاف لكن يتردد النظر هل يكفي قوله حكمت بأن أول رمضان يوم كذا وإن لم يكن حكما حقيقيا كما تقدم في كلام الشارح أو لا بد من حكم حقيقي كأن ترتب عليه حق آدمي محل تأمل ثم محل ما ذكر حيث صدر الحكم من متأهل أو غير متأهل نصبه الإمام عالما بحاله أما إذا صدر من غير متأهل مستخلف من قبل القاضي الكبير فلا أثر لحكمه بناء على عدم صحة استخلافه الآتي في القضاء وإنما نبهت على ذلك لعموم البلوى بهذا في زماننا بصري أقول تقدم عن سم أن الشارح حرر في الإتحاف أن قول القاضي حكمت بأن غدا من رمضان حكم حقيقي وهو الوجه دون ما هنا أي في التحفة وتقدم عنه عن م ر أيضا أن الثبوت هنا بمنزلة الحكم و ( قوله ثم محل ما ذكر إلخ ) تقدم عن النهاية ما يوافقه .

                                                                                                                              ( قوله مخالف ) أي كالحنفي ( قوله ولم ينقض حكمه ) ظاهره وإن رجع الشاهد ع ش ( قوله عملا إلخ ) متعلق بأفطرناه ( قوله وأن القضاء فوري ) قد ينظر فيه بأن الفور إنما وجب في مسألة الشك لنسبتهم إلى التقصير وأي تقصير هنا إذا تأخر إثبات المخالف عن الأول إلا أن يفرض ذلك فيما إذا تقدم ولم يعلموا به إلا بعد ذلك فليتأمل سم




                                                                                                                              الخدمات العلمية