الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              1531 1609 - حدثنا أبو الوليد، حدثنا ليث، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه رضي الله عنهما قال: لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين.

                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 166- مسلم: 1187 - فتح: 3 \ 473]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              وقال محمد بن بكر : أنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء أنه قال: ومن يتقي شيئا من البيت؟ وكان معاوية يستلم الأركان كلها، فقال له ابن عباس: إنه لا يستلم هذان الركنان. فقال: ليس شيء من البيت مهجورا، وكان ابن الزبير رضي الله عنهما يستلمهن كلهن.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث سالم عن أبيه قال: لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              هذا التعليق أسنده الإمام أحمد من وجه آخر فقال: حدثنا عبد الرازق، ثنا معمر والثوري ح. وحدثنا روح، ثنا الثوري، عن ابن [ ص: 383 ] خثيم، عن أبي الطفيل قال: كنت مع ابن عباس ومعاوية، فكان معاوية لا يمر بركن إلا استلمه، فقال له عبد الله، الحديث ، وحدثنا روح، ثنا سعيد وعبد الوهاب، عن شعبة، عن قتادة، عن أبي الطفيل . وحدثنا مروان بن شجاع، حدثني خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس فذكره . وأخرجه مسلم من حديث عمرو بن الحارث، عن قتادة، دون قصة معاوية، بلفظ: لم أر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم غير الركنين اليمانيين . وفي "سؤالات عبد الله بن أحمد": ثنا أبي، ثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، حدثني قتادة، عن أبي الطفيل قال: حج معاوية وابن عباس، فجعل ابن عباس يستلم الأركان كلها، فقال معاوية: إنما استلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذين الركنين الأيمنين، فقال ابن عباس: ليس من أركانه شيء مهجور. وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: شعبة قلب حديث معاوية وابن عباس، قلب الفعل والكلام قال: وقال شعبة: الناس يخالفونني في هذا الحديث، ولكني سمعته من قتادة هكذا.

                                                                                                                                                                                                                              وأما أثر ابن الزبير فأخرجه ابن أبي شيبة، عن عبد الأعلى، عن ابن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه أنه رأى ابن الزبير استلم الأركان كلها، وقال: إنه ليس شيء منه مهجورا .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الشافعي في "مسنده": أخبرنا سعيد، أنا موسى الربذي، عن [ ص: 384 ] محمد بن كعب، أن ابن عباس كان يمسح على الركنين: اليماني والحجر، وكان ابن الزبير يمسح الأركان كلها ويقول: لا ينبغي لبيت الله أن يكون شيء منه مهجورا، وكان ابن عباس يقول: لقد كان لكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة .

                                                                                                                                                                                                                              وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم أيضا . ولابن أبي شيبة من حديث ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن يعلى بن أمية، ورآه عمر يستلم الأركان كلها: يا يعلى ما تفعل؟ قال: أستلمها كلها; لأنه ليس شيء من البيت يهجر. فقال عمر: أما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلم منها إلا الحجر؟ قال يعلى: بلى. قال: فما لك به أسوة؟ قال: بلى، ثم روى عن مجاهد قال: الركنان اللذان يليان الحجر لا يستلمان .

                                                                                                                                                                                                                              وعن عطاء قال: أدركت مشيختنا: ابن عباس وجابرا وأبا هريرة وعبيد بن عمير، لا يستلمون غيرهما من الأركان، يعني: الأسود واليماني، وممن كان يستلم الأركان كلها بإسناد جيد: سويد بن غفلة، وجابر بن زيد، وعروة بن الزبير ، زاد ابن المنذر: وجابر بن عبد الله والحسن والحسين وأنس. قال: وقال أكثر أهل العلم: لا يسن استلامها، يعني: الركنين الشاميين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 385 ] وقال الشافعي: إذا استلم الحجر واليماني استحب له أن يقبله بعد استلامهما، وقد سلف ما فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي البيهقي مضعفا من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلم الحجر وقبله، واستلم الركن اليماني وقبل يده. ومن حديث ابن عباس: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا استلم الركن اليماني قبله ووضع خده عليه. وقال: لا يثبت مثله. تفرد به عبد الله بن مسلم بن هرمز، وهو ضعيف .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي في "مسنده": أنا سعيد، عن ابن جريج: قلت لعطاء: هل رأيت أحدا من الصحابة إذا استلموا قبلوا أيديهم؟ فقال: نعم، رأيت جابر بن عبد الله وابن عمر وأبا سعيد وأبا هريرة إذا استلموا قبلوا أيديهم، قلت: وابن عباس؟ قال: نعم، قلت: هل تدع أنت إذا استلمت لأن تقبل يدك؟ قال: فلم أستلمه إذا ؟!

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب الشافعي عن قول معاوية فقال: لم يدع أحد استلامهما هجرا للبيت، ولكنا نستلم ما استلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونمسك عما أمسك عنه، وجمهور الصحابة على أنهما لا يستلمان ولا يقبلان، وأما اليماني الذي لا حجر فيه، فيستلم ولا يقبل .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 386 ] وروى الدارقطني من حديث ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل اليماني ويضع خده عليه . ورواه الحاكم أيضا في "مستدركه" بلفظ: أنه قبله ووضع خده عليه، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد . ورواه البخاري في "تاريخه" بلفظ: أنه كان إذا استلم الركن اليماني قبله .

                                                                                                                                                                                                                              وأما البيهقي فضعفه كما سلف، ثم قال: والأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى ابن عباس في تقبيل الحجر الأسود والسجود عليه، إلا أن يكون أراد بالركن اليماني الحجر الأسود، فإنه أيضا يسمى بذلك فيكون موافقا لغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "البدائع" من كتب الحنفية: لا خلاف أن تقبيل الركن اليماني ليس بسنة ، وقال في "الأصل": إن استلمه فحسن، وإن تركه لا يضره، هذا عند أبي حنيفة، وقال محمد: يستلمه ولا يتركه ، وفي "المحيط": يستلمه ولا يقبله، وعن محمد: يستلمه ويقبله، وعنه: يقبل يده ولا يستلم الركنين الباقيين عند أئمة الحنفية; لأن الأولين على القواعد.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخرقي: الصحيح عن أحمد أنه لا يقبل الركن اليماني. قال ابن قدامة: وهو قول أكثر أهل العلم .

                                                                                                                                                                                                                              وزعم ابن المنير أن اختصاص الركن مرجح بالسنة، ومستند التعميم الرأي والقياس، وهو قول معاوية السالف، وهذا يقال بموجبه وليس [ ص: 387 ] ترك الاستلام هجرانا، وكيف يهجرها وهو يطوف؟ فالحجة مع ابن عمر وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وفي كتاب الحميدي من حديث النخعي عن عائشة مرفوعا: "ما مررت بالركن اليماني قط إلا وجدت جبريل قائما عنده" ومن حديث الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله بزيادة: "فيقول: يا محمد، ادن فاستلم" وفي حديث أبي هريرة: "وكل الله به سبعين ألف ملك" وفي حديث ابن عمر مرفوعا: "مسحهما كفارة للخطايا". رواه الحاكم، وقال: صحيح الإسناد على ما بينته من حال عطاء بن السائب ، وكذا قال الطحاوي: إنما لم يستلم إلا اليمانيين; لأنهما مبنيان على منتهى البيت مما يليهما بخلاف الآخرين; لأن الحجر وراءهما وهو من البيت، وقام الإجماع على الأولين ، ومنهم الأربعة وإسحاق، وقد نزع ابن عمر بذلك، حيث قالت له عائشة كما سلف في باب فضل مكة.

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن أنس وجابر ومعاوية وابن الزبير وعروة: أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها كما سلف، والحجة عند الاختلاف في السنة وكذلك قال ابن عباس لمعاوية حين قال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجورا، قال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقال ابن التين: إنما كان ابن الزبير يستلمهن كلهن ; لأنه [ ص: 388 ] استوفى القواعد، والذي في "الموطإ" أنه عروة بن الزبير .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي: جعلهما عوضا من الركنين الذين بقيا في الحجر، قال: وظن معاوية أنهما هما ركنا البيت الذي وضع عليه من أول.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية