الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          1434 حدثنا قتيبة حدثنا هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عن حطان بن عبد الله عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا عني فقد جعل الله لهن سبيلا الثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم والبكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وغيرهم قالوا الثيب تجلد وترجم وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم وهو قول إسحق وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وغيرهما الثيب إنما عليه الرجم ولا يجلد وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا في غير حديث في قصة ماعز وغيره أنه أمر بالرجم ولم يأمر أن يجلد قبل أن يرجم والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( عن الحسن ) هو البصري ( عن حطان ) بكسر الحاء وتشديد الطاء المهملتين ( بن عبد الله ) الرقاشي البصري ، ثقة من الثانية ( خذوا عني ) أي : حكم حد الزنا ( فقد جعل الله لهن سبيلا ) أي : حدا واضحا وطريقا ناصحا في حق المحصن ، وغيره ، وهو بيان لقوله تعالى واللاتي يأتين الفاحشة إلى قوله أو يجعل الله لهن سبيلا ولم يقل عليه الصلاة والسلام لكم ليوافق نظم القرآن ، ومع هذا فيه تغليب للنساء ؛ لأنهن مبدأ للشهوة ومنتهى الفتنة ، قال التوربشتي : كان هذا القول حين شرع الحد في الزاني والزانية ، والسبيل هاهنا الحد ؛ لأنه لم يكن مشروعا ذلك الوقت ، وكان الحكم فيه ما ذكر في كتاب الله واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا . ( الثيب بالثيب ) أي : حد زنا الثيب بالثيب ( جلد مائة ، ثم الرجم ) استدل بهذا من قال : إن الثيب يجلد ، ثم يرجم ( والبكر بالبكر جلد مائة ) أي : حد زنا البكر بالبكر ضرب مائة جلدة لكل واحد منهما ( ونفي سنة ) أي : وإخراجه عن البلد سنة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث صحيح ) أخرجه الجماعة ، وهو قول [ ص: 587 ] داود الظاهري ، وابن المنذر ، وهو قول أحمد في رواية عنه ، واستدلوا بحديث الباب ، وغيره وبما رواه أحمد والبخاري عن الشعبي أن عليا رضي الله تعالى عنه حين رجم المرأة ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة ، وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي أثر علي هذا وكذا في حديث الباب ، وغيره دليل على أنه يجمع للمحصن من الجلد والرجم ( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم ، وهو قول سفيان الثوري وابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ) ذهب مالك ، والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى أنه لا يجلد المحصن ، بل يرجم فقط ، وهو مروي عن أحمد بن حنبل وتمسكوا بحديث سمرة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يجلد ماعزا ، بل اقتصر على رجمه . قالوا ، وهو متأخر عن أحاديث الجلد فيكون ناسخا لحديث عبادة المذكور في الباب ، قال الشوكاني : ويجاب بمنع التأخر المدعى فلا يصلح ترك جلد ماعز للنسخ ؛ لأنه فرع التأخر ، ولم يثبت ما يدل على ذلك ، ومع عدم ثبوت تأخره لا يكون ذلك الترك مقتضيا لإبطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى ، ولا ريب أنه يصدق على المحصن أنه زان ، فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين الجلد والرجم للمحصن ، كحديث عبادة المذكور ، ولا سيما ، وهو صلى الله عليه وسلم في مقام البيان والتعليم لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنه فقال : " خذوا عني " . فلا يصح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن ، أو عدم بيانه لذلك أو إهماله للأمر به ، قال ، وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي ، ولا سيما كون المكان مما يجوز فيه أن الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلوما من الكتاب والسنة ، قال : وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول بعد موته صلى الله عليه وسلم بعدة من السنين لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله . فكيف يخفى على مثله الناسخ وعلى من بحضرته من الصحابة الأكابر . انتهى كلام الشوكاني ، واستدل الجمهور أيضا بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها ، قال الشوكاني : ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدم الوقوع . لم لا يقال إن عدم الذكر لقيام [ ص: 588 ] أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد ، وأيضا عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات ، وعدم العلم ليس علما بالعدم ، ومن علم حجة على من لم يعلم . انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية