بيان
nindex.php?page=treesubj&link=20000الغلط في تسمية التمني والغرور رجاء :
فإن قلت : فأين الغلط في قول العصاة والفجار : إن الله كريم وإنا نرجو رحمته ومغفرته
[ ص: 259 ] وقد قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004641أنا عند ظن عبدي بي " . فالجواب : أن النبي صلى الله عليه وسلم كشف عن ذلك فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004642الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " وهذا هو التمني على الله تعالى غير الشيطان اسمه فسماه رجاء حتى خدع به الجهال .
وقد شرح الله الرجاء فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ) [ البقرة : 218 ] يعني أن الرجاء بهم أليق ، وهذا لأنه ذكر أن ثواب الآخرة أجر ، وجزاء على الأعمال ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17جزاء بما كانوا يعملون ) [ السجدة : 17 ، الأحقاف : 14 والواقعة : 24 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) [ آل عمران : 185 ] أترى أن من استؤجر على إصلاح أوان وشرط له أجرة عليها وكان الشارط كريما يفي بالوعد مهما وعد ، ولا يخلف ، بل يزيد ، فجاء الأجير وكسر الأواني وأفسد جميعها ثم جلس ينتظر الأجر ، ويزعم أن المستأجر كريم ، أفتراه العقلاء في انتظاره متمنيا مغرورا أو راجيا ؟ وهذا للفرق بين الرجاء والغرة .
قيل "
للحسن " : قوم يقولون : نرجو الله ويضيعون العمل فقال : هيهات هيهات ، تلك أمانيهم يترجحون فيها ، من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه .
وكما أن الذي يرجو في الدنيا ولدا ، وهو بعد لم ينكح فهو معتوه ، فكذلك من رجا رحمة الله ولم يعمل صالحا ولم يترك المعاصي فهو مغرور . فكما أنه إذا نكح بقي مترددا في الولد يخاف ويرجو فضل الله في خلق الولد ودفع الآفات عن الرحم وعن الأم إلى أن يتم فهو كيس . فكذلك إذا آمن وعمل الصالحات وترك السيئات وبقي مترددا بين الخوف والرجاء يخاف أن لا يقبل منه ، ويرجو أن يثبته حتى يموت على التوحيد ، ويحرس قلبه عن الميل إلى الشهوات بقية عمره حتى لا يميل إلى المعاصي فهو كيس ، ومن عدا هؤلاء فهم المغرورون بالله (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ) [ الفرقان : 42 ] .
بَيَانُ
nindex.php?page=treesubj&link=20000الْغَلَطِ فِي تَسْمِيَةِ التَّمَنِّي وَالْغُرُورِ رَجَاءً :
فَإِنْ قُلْتَ : فَأَيْنَ الْغَلَطُ فِي قَوْلِ الْعُصَاةِ وَالْفُجَّارِ : إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ وَإِنَّا نَرْجُو رَحْمَتَهُ وَمَغْفِرَتَهُ
[ ص: 259 ] وَقَدْ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004641أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي " . فَالْجَوَابُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَشَفَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004642الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْأَحْمَقُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَ " وَهَذَا هُوَ التَّمَنِّي عَلَى اللَّهِ تَعَالَى غَيَّرَ الشَّيْطَانُ اسْمَهُ فَسَمَّاهُ رَجَاءً حَتَّى خَدَعَ بِهِ الْجُهَّالَ .
وَقَدْ شَرَحَ اللَّهُ الرَّجَاءَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ) [ الْبَقَرَةِ : 218 ] يَعْنِي أَنَّ الرَّجَاءَ بِهِمْ أَلْيَقُ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ ثَوَابَ الْآخِرَةِ أَجْرٌ ، وَجَزَاءٌ عَلَى الْأَعْمَالِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ السَّجْدَةِ : 17 ، الْأَحْقَافِ : 14 وَالْوَاقِعَةِ : 24 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=185وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 185 ] أَتَرَى أَنَّ مَنِ اسْتُؤْجِرَ عَلَى إِصْلَاحِ أَوَانٍ وَشُرِطَ لَهُ أُجْرَةٌ عَلَيْهَا وَكَانَ الشَّارِطُ كَرِيمًا يَفِي بِالْوَعْدِ مَهْمَا وَعَدَ ، وَلَا يُخْلِفُ ، بَلْ يَزِيدُ ، فَجَاءَ الْأَجِيرُ وَكَسَرَ الْأَوَانِيَ وَأَفْسَدَ جَمِيعَهَا ثُمَّ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الْأَجْرَ ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ كَرِيمٌ ، أَفَتَرَاهُ الْعُقَلَاءُ فِي انْتِظَارِهِ مُتَمَنِّيًا مَغْرُورًا أَوْ رَاجِيًا ؟ وَهَذَا لِلْفَرْقِ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْغِرَّةِ .
قِيلَ "
للحسن " : قَوْمٌ يَقُولُونَ : نَرْجُو اللَّهَ وَيُضَيِّعُونَ الْعَمَلَ فَقَالَ : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ يَتَرَجَّحُونَ فِيهَا ، مَنْ رَجَا شَيْئًا طَلَبَهُ وَمَنْ خَافَ شَيْئًا هَرَبَ مِنْهُ .
وَكَمَا أَنَّ الَّذِي يَرْجُو فِي الدُّنْيَا وَلَدًا ، وَهُوَ بَعْدُ لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ مَعْتُوهٌ ، فَكَذَلِكَ مَنْ رَجَا رَحْمَةَ اللَّهِ وَلَمْ يَعْمَلْ صَالِحًا وَلَمْ يَتْرُكِ الْمَعَاصِيَ فَهُوَ مَغْرُورٌ . فَكَمَا أَنَّهُ إِذَا نَكَحَ بَقِيَ مُتَرَدِّدًا فِي الْوَلَدِ يَخَافُ وَيَرْجُو فَضْلَ اللَّهِ فِي خَلْقِ الْوَلَدِ وَدَفْعِ الْآفَاتِ عَنِ الرَّحِمِ وَعَنِ الْأُمِّ إِلَى أَنْ يَتِمَّ فَهُوَ كَيِّسٌ . فَكَذَلِكَ إِذَا آمَنَ وَعَمِلَ الصَّالِحَاتِ وَتَرَكَ السَّيِّئَاتِ وَبَقِيَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ يَخَافُ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ ، وَيَرْجُو أَنْ يُثَبِّتَهُ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَيَحْرُسَ قَلْبَهُ عَنِ الْمَيْلِ إِلَى الشَّهَوَاتِ بَقِيَّةَ عُمُرِهِ حَتَّى لَا يَمِيلَ إِلَى الْمَعَاصِي فَهُوَ كَيِّسٌ ، وَمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ فَهُمُ الْمَغْرُورُونَ بِاللَّهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=42وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) [ الْفُرْقَانِ : 42 ] .