الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                صفحة جزء
                                [ ص: 16 ] الحديث الثاني:

                                328 335 - من طريق: هشيم: أبنا سيار: ثنا يزيد الفقير: أبنا جابر بن عبد الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة .

                                التالي السابق


                                هشيم : مدلس، وقد صرح هنا بالسماع من سيار ، وهو: أبو الحكم ، وصرح سيار بالسماع من يزيد الفقير ، وصرح يزيد بالسماع من جابر ، فهذا إسناد جليل متصل.

                                وهذه الخمس اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء ، وليس في الحديث أنه لم يختص بغيرها، فإن هذه اللفظة لا تقتضي الحصر، وقد دلت النصوص الصحيحة الكثيرة على أنه صلى الله عليه وسلم خص عن الأنبياء بخصال كثيرة غير هذه الخمس، وسنشير إلى بعض ذلك - إن شاء الله تعالى.

                                فأما " الرعب ": فهو ما يقذفه الله في قلوب أعدائه المشركين من الرعب، كما قال تعالى: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله وقال في قصة يوم بدر: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب

                                وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال عام غزوة تبوك: لقد أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن أحد كان قبلي: أما أنا فأرسلت إلى الناس كلهم عامة وكان من قبلي إنما [ ص: 17 ] يرسل إلى قومه، ونصرت على العدو بالرعب، ولو كان بيني وبينهم مسيرة شهر لملئ منه رعبا - وذكر بقية الحديث.

                                وقوله: " أعطيت الليلة خمسا " لم يرد أنه لم يعطها قبل تلك الليلة، فإن عامتها كان موجودا قبل ذلك، كنصره بالرعب، وتيممه بالتراب، فإن التيمم شرع قبل غزوة تبوك بغير إشكال، ولعله أراد أنه أعلم بأن هذه الخمس الخصال اختص بها عن سائر الأنبياء في تلك الليلة. والله أعلم.

                                وروينا بإسناد فيه ضعف عن السائب بن يزيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فضلت على الناس بخمس - ذكر منها - ونصرت بالرعب شهرا من أمامي وشهرا من خلفي .

                                وأما جعل الأرض له مسجدا وطهورا: فقد ورد مفسرا في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وجعلت لي الأرض مساجد وطهورا، أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت، وكان من قبلي يعظمون ذلك ; إنما كانوا يصلون في بيعهم وكنائسهم - وذكر بقية الحديث. خرجه الإمام أحمد .

                                وفي " مسند البزار " من حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي من الأنبياء: جعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، ولم يكن نبي من الأنبياء يصلي حتى يبلغ محرابه - وذكر الحديث.

                                وقد تبين بهذا أن معنى اختصاصه عن الأنبياء بأن الأرض كلها جعلت مسجدا له ولأمته أن صلاتهم لا تختص بمساجدهم المعدة لصلاتهم كما كان من قبلهم، بل يصلون حيث أدركتهم الصلاة من الأرض وهذا لا ينافي أن ينهى عن الصلاة [ ص: 18 ] في مواضع مخصوصة من الأرض لمعنى يختص بها، كما نهي عن الصلاة في أعطان الإبل، وفي المقبرة والحمام ، وسيأتي ذلك مستوفى في مواضع أخر - إن شاء الله تعالى.

                                وفي ذكره التيمم بالأرض من خصائصه ما يشعر أن الطهارة بالماء ليست مما اختص به عن الأنبياء، وقد سبق في " كتاب: الوضوء " ذكر ذلك.

                                واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " من يقول: إن التيمم يجوز بجميع أجزاء الأرض من التراب والرمل والنورة والزرنيخ والجص وغير ذلك، كما هو قول مالك وأبي حنيفة وغيرهما.

                                واستدل من قال: لا يجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض - كما يقوله الشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه - بما في " صحيح مسلم " عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء، وذكر خصلة أخرى.

                                فخص الطهور بتربة الأرض بعد أن ذكر أن الأرض كلها مسجد، وهذا يدل على اختصاص الطهورية بتربة الأرض خاصة ; فإنه لو كانت الطهورية عامة كعموم المساجد لم يحتج إلى ذلك.

                                وقد خرج مسلم حديث جابر الذي خرجه البخاري هاهنا، وعنده: وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا.

                                وهذا يدل على اختصاص الطهورية بالأرض الطيبة ، والطيبة: هي الأرض القابلة للإنبات، كما في قوله تعالى: والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه

                                [ ص: 19 ] وروينا من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت وحميد ، عن أنس ، قال:

                                قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا.

                                ولكن قد دلت نصوص أخر على عموم كون الأرض مسجدا، فتبقى طهوريتها مختصة بالأرض المنبتة.

                                وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن محمد بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطيت أربعا لم يعطهن أحد من أنبياء الله: أعطيت مفاتيح الأرض، وسميت أحمد ، وجعل التراب لي طهورا، وجعلت أمتي خير الأمم.

                                وقد ظن بعضهم: أن هذا من باب المطلق والمقيد، وهو غلط، وإنما هو من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، وهو لا يقتضي التخصيص عند الجمهور، خلافا لما حكي عن أبي ثور ، إلا أن يكون له مفهوم فيبنى على تخصيص العموم بالمفهوم، والتراب والتربة لقب، واللقب مختلف في ثبوت المفهوم له، والأكثرون يأبون ذلك.

                                لكن أقوى ما استدل به: حديث حذيفة الذي خرجه مسلم ، فإنه جعل الأرض كلها مسجدا وخص الطهورية بالتربة، وأخرج ذلك في مقام الامتنان وبيان الاختصاص، فلولا أن الطهورية لا تعم جميع أجزاء الأرض لكان ذكر التربة لا معنى له، بل كان زيادة في اللفظ ونقصا في المعنى، وهذا لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.

                                وقد خرجه ابن خزيمة في " صحيحه "، ولفظه: وجعلت لنا الأرض كلها [ ص: 20 ] مسجدا، وجعل ترابها لنا طهورا إذا لم نجد الماء.

                                ومعنى قوله: " طهورا ": أي مطهرا، كما قال: الماء طهور لا ينجسه شيء.

                                وفيه دليل لمن قال: إن التيمم يرفع الحدث كالماء رفعا مؤقتا، ودليل على أن الطهور ليس بمعنى الطاهر كما يقوله بعض الفقهاء ; فإن طهارة الأرض مما لم تختص به هذه الأمة، بل اشتركت فيه الأمم كلها، وإنما اختصت هذه الأمة بالتطهر بالتراب، فالطهور هو المطهر.

                                والتحقيق: أن " طهورا " ليس معدولا عن طاهر، ولأن " طاهرا " لازم و" طهورا " متعد، وإنما الطهور اسم لما يتطهر به، كالفطور والسحور والوجور والسعوط ونحو ذلك.

                                وأما إحلال الغنائم له ولأمته خاصة، فقد روي أن من كان قبلنا من الأنبياء كانوا يحرقون الغنائم، وفي حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأحلت لي الغنائم أكلها، وكان من قبلي يعظمون أكلها، كانوا يحرقونها.

                                وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، قال: غزا نبي من الأنبياء ; فجمع الغنائم، فجاءت نار لتأكلها فلم تطعمها، فقال: إن فيكم غلولا، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاءوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعوها، فجاءت النار فأكلتها، ثم أحل الله لنا الغنائم، رأى [ ص: 21 ] ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا.

                                وفي الترمذي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لم تحل الغنائم لأحد سود الرءوس قبلكم، كانت تنزل نار فتأكلها.

                                وفي كتاب " السيرة " لسليمان التيمي : أن من قبلنا من الأمم كانوا إذا أصابوا شيئا من عدوهم جمعوه فأحرقوه وقتلوا كل نفس من إنسان أو دابة.

                                وفي صحة هذا نظر، والظاهر أن ذوات الأرواح لم تكن محرمة عليهم، إنما كان يحرم عليهم ما تأكله النار.

                                وقد ذهب طائفة من العلماء، منهم: الإمام أحمد إلى أن الغال من الغنيمة يحرق رحله كله إلا ما له حرمة من حيوان أو مصحف.

                                وورد في ذلك أحاديث تذكر في موضع آخر - إن شاء الله تعالى.

                                وقد قال طائفة من العلماء: إن المحرم على من كان قبلنا هو المنقولات دون ذوات الأرواح، واستدلوا بأنإبراهيم عليه السلام كانت له هاجر أمة، والإماء إنما يكتسبن من المغانم، ذكر هذا ابن عقيل وغيره.

                                وفي هذا نظر ; فإن هاجر وهبها الجبار لسارة ، فوهبتها لإبراهيم ، ويجوز أن يكون في شرع من قبلنا جواز تملك ما تملكه الكفار باختيارهم دون ما يغنم منهم.

                                وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الكافر إذا أهدى إلى آحاد المسلمين هدية فله أن يتملكها منه، ويختص بها دون غيره من المسلمين.

                                وقال القاضي إسماعيل المالكي : إنما اختصت هذه الأمة بإباحة المنقولات من الغنائم، فأما الأرض فإنها فيء، وكانت مباحة لمن قبلنا، فإن الله تعالى أورث بني إسرائيل فرعون .

                                [ ص: 22 ] وهذا بناء على أن الأرض المأخوذة من الكفار تكون فيئا، سواء أخذت بقتال أو غيره، وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد في المشهور عنه.

                                ومن الناس من يقول: إنما حرم على من كان قبلنا الغنائم المأخوذة بقتال دون الفيء المأخوذ بغير قتال. قالوا: وهاجر كانت فيئا لا غنيمة ; لأن الجبار الكافر وهبها لسارة باختياره.

                                وقد قال طائفة من العلماء: إن ما وهبه الحربي لمسلم يكون فيئا.

                                وزعم بعضهم: أن المحرم على من كان قبلنا كان من خمس الغنيمة خاصة، كانت النار تأكله، ويقسم أربعة أخماسه بين الغانمين، وهذا بعيد جدا.

                                واستدلوا: بما خرجه البزار من رواية سالم أبي حماد ، عن السدي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي - فذكر الحديث، وقال فيه: وكانت الأنبياء يعزلون الخمس فتجيء النار فتأكله، وأمرت أنا أن أقسمه في فقراء أمتي .

                                وسالم هذا: قال فيه أبو حاتم الرازي : مجهول.

                                وأما الشفاعة التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء، فليست هي الشفاعة في خروج العصاة من النار ; فإن هذه الشفاعة يشارك فيها الأنبياء والمؤمنون - أيضا - كما تواترت بذلك النصوص، وإنما الشفاعة التي يختص بها من دون الأنبياء أربعة أنواع:

                                أحدها: شفاعته للخلق في فصل القضاء بينهم.

                                والثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخول الجنة.

                                والثالث: شفاعته في أهل الكبائر من أهل النار، فقد قيل: إن هذه يختص هو بها.

                                [ ص: 23 ] والرابع: كثرة من يشفع له من أمته ; فإنه وفر شفاعته وادخرها إلى يوم القيامة.

                                وقد ورد التصريح بأن هذه الشفاعة هي المرادة في هذا الحديث، ففي الحديث الذي خرجه الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطيت الليلة خمسا ما أعطيهن نبي كان قبلي - فذكر الحديث، إلى أن قال: والخامسة هي ما هي: قيل لي سل ; فإن كل نبي قد سأل، فأخرت مسألتي إلى يوم القيامة، فهي لكم ولمن شهد أن لا إله إلا الله.

                                وخرج - أيضا - من حديث أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد كان قبلي - فذكره، وقال في آخره: وأعطيت الشفاعة، وإنه ليس من نبي إلا قد سأل شفاعته، وإني أخرت شفاعتي، جعلتها لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا.

                                وفيه - أيضا - من حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لم يكن نبي إلا له دعوة ينجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، وأنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد وآدم ومن دونه تحت لوائي.

                                وخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، ولواء الحمد بيدي يوم القيامة ولا فخر.

                                [ ص: 24 ] وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لكل نبي دعوة يدعو بها، فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة.

                                وفي " صحيح مسلم " عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: لكل نبي دعوة قد دعا بها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة.

                                وفيه - أيضا - نحوه من حديث أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

                                وفي حديث عبد الرحمن بن أبي عقيل : سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله لم يبعث نبيا إلا أعطاه دعوة، فمنهم من اتخذها دنيا فأعطاها، ومنهم من دعا بها على قومه إذ عصوه فهلكوا، وإن الله أعطاني دعوة، فاختبأتها عند ربي شفاعة لأمتي يوم القيامة.

                                خرجه البزار وغيره.

                                وفي " المسند " عن عبادة بن الصامت ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله أيقظني فقال: إني لم أبعث نبيا ولا رسولا إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه، فسل يا محمد تعط؟ فقلت: مسألتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فقال أبو بكر : يا رسول الله، وما الشفاعة التي اختبأت عندك؟ قال: أقول: يا رب، شفاعتي التي اختبأت عندك، فيقول الرب تبارك وتعالى: نعم، فيخرج ربي تبارك وتعالى بقية أمتي من النار، فينبذهم في الجنة.

                                والمراد من هذه الأحاديث - والله أعلم -: أن كل نبي أعطي دعوة عامة شاملة لأمته، فمنهم من دعا على أمته المكذبين له فهلكوا، ومنهم من سأل كثرتهم في الدنيا كما سأله سليمان عليه السلام، واختص النبي صلى الله عليه وسلم بأن ادخر [ ص: 25 ] تلك الدعوة العامة الشاملة لأمته شفاعة لهم يوم القيامة .

                                وقد ذكر بعضهم: شفاعة خامسة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي: شفاعته في تخفيف عذاب بعض المشركين، كما شفع لعمه أبي طالب ، وجعل هذا من الشفاعة المختص بها صلى الله عليه وسلم.

                                وزاد بعضهم شفاعة سادسة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهي: شفاعته في سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب.وسيأتي ما يدل عليه - إن شاء الله تعالى.

                                وأما بعثته إلى الناس عامة، فهذا مما اختص به صلى الله عليه وسلم عن الأنبياء.

                                وفي " المسند " من حديث أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي - فذكر منها -: وبعثت إلى كل أحمر وأسود.

                                وفيه - أيضا - من حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي، ولا أقولهن فخرا، بعثت إلى الناس كافة الأحمر والأسود.

                                وفي " مسند البزار " من حديث ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أعطيت خمسا لم يعطها نبي - فذكر منها -: وكان النبي يبعث إلى خاصة قومه، وبعثت إلى الجن والإنس - وذكر الحديث.

                                وقال: لفظ: " الجن والإنس " لا نعلمه إلا في هذا الحديث، بهذا الإسناد.

                                قلت: وقد سبق أن في إسناده سالما أبا حماد ، وأن أبا حاتم قال: هو مجهول.

                                [ ص: 26 ] ولكن روي ذكر الجن في حديث آخر، ذكره ابن أبي حاتم في " تفسيره " تعليقا، وفي إسناده رجل لم يسم، عن عبادة بن الصامت ، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم فقال: إن جبريل قال لي: اخرج فأخبر بنعمة الله التي أنعم بها عليك، وفضيلته التي فضلت بها، فبشرني أنه بعثني إلى الأحمر والأسود، وأمرني أن أنذر الجن، وآتاني كتابه وأنا أمي، وغفر ذنبي ما تقدم وما تأخر، وذكر اسمي في الأذان، وأمدني بالملائكة، وآتاني النصر، وجعل الرعب أمامي، وآتاني الكوثر، وجعل حوضي من أعظم الحياض يوم القيامة، ووعدني المقام المحمود والناس مهطعين مقنعي رءوسهم، وجعلني في أول زمرة تخرج من الناس، وأدخل في شفاعتي سبعين ألفا من أمتي الجنة بغير حساب، وآتاني السلطان والملك، وجعلني في أعلى غرفة في الجنة، فليس فوقي إلا الملائكة الذين يحملون العرش، وأحل لي ولأمتي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلنا .

                                وفي " صحيح مسلم "، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فضلت على الناس بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون.

                                وقوله: " إلى الخلق كافة " يدخل فيه الجن بلا ريب.

                                وفي " صحيح ابن خزيمة " عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فضلت على الناس بثلاث - فذكر الثالثة، قال: وأعطيت هذه الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش، لم يعط منه أحد قبلي ولا أحد بعدي.

                                [ ص: 27 ] وهذه الخصلة الثالثة لم تسم في " صحيح مسلم "، بل فيه: " وذكر خصلة أخرى " كما تقدم.

                                ومن تأمل هذه النصوص علم أن الخصال التي اختص بها عن الأنبياء لا تنحصر في خمس، وأنه إنما ذكر مرة ستا ومرة خمسا ومرة أربعا ومرة ثلاثا بحسب ما تدعو الحاجة إلى ذكره في كل وقت بحسبه. والله أعلم.



                                الخدمات العلمية