الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون

تفريع على جملة " كذلك كانوا يؤفكون " . والذين ظلموا هم المشركون الذين أقسموا ما لبثوا غير ساعة ، فالتعبير عنهم بالذين ظلموا إظهار في مقام الإضمار لغرض التسجيل عليهم بوصف الظلم وهو الإشراك بالله لأنه جامع لفنون الظلم ، ففيه الاعتداء على حق الله ، وظلم المشرك نفسه بتعريضها للعذاب ، وظلمهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكذيب ، وظلمهم المؤمنين بالاعتداء على أموالهم وأبشارهم .

والمعذرة : اسم مصدر اعتذر ، إذا أبدى علة أو حجة ليدفع عن نفسه مؤاخذة على ذنب أو تقصير . وهو مشتق من فعل عذره ، إذا لم يؤاخذه على ذنب أو تقصير لأجل ظهور سبب يدفع عنه المؤاخذة بما فعله .

وإضافة معذرة إلى ضمير ( الذين ظلموا ) تقتضي أن المعذرة واقعة منهم . ثم يجوز أن تكون الإضافة للتعريف بمعذرة معهودة فتكون هي قولهم ما لبثوا غير ساعة كما تقدم ، ويجوز أن يكون التعريف للعموم كما هو شأن المصدر المضاف ، أي لا تنفعهم معذرة يعتذرون بها مثل قولهم غلبت علينا شقوتنا وقولهم هؤلاء أضلونا .

واعلم أن هذا لا ينافي قوله تعالى ولا يؤذن لهم فيعتذرون المقتضي نفي وقوع الاعتذار منهم لأن الاعتذار المنفي هو الاعتذار المأذون فيه ، أي المقبول ، لأن الله لو [ ص: 133 ] أذن لهم في الاعتذار لكان ذلك توطئة لقبوله اعتذارهم نظير قوله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه .

والمثبت هنا معذرة من تلقاء أنفسهم لم يؤذن لهم بها فهي غير نافعة لهم كما قال تعالى قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون وقوله لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون .

وقرأ الجمهور ( تنفع ) بالمثناة الفوقية . وقرأه حمزة وعاصم والكسائي وخلف بالتحتية وهو وجه جائز لأن معذرة مجازي التأنيث ، ولوقوع الفصل بين الفعل وفاعله بالمفعول .

و " يستعتبون " مبني للمجهول والمبني منه للفاعل استعتب ، إذا سأل العتبى بضم العين وبالقصر وهي اسم للإعتاب ، أي إزالة العتب ، فهمزة الإعتاب للإزالة قال تعالى وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين فصار استعتب المبني للمجهول جاريا على استعتب المبني للمعلوم فلما قيل : استعتب بمعنى طلب العتبى صار استعتب المبني للمجهول بمعنى أعتب ، فمعنى ولا هم يستعتبون : ولا هم بمزال عنهم المؤاخذة نظير قوله فما هم من المعتبين .

وهذا استعمال عجيب جار على تصاريف متعددة في الفصيح من الكلام ، وبعض اشتقاقها غير قياسي ومن حاولوا إجراءه على القياس اضطروا إلى تكلفات في المعنى لا يرضى بها الذوق السليم ، والعجب وقوعها في الكشاف . وقال في القاموس : واستعتبه : أعطاه العتبى كأعتبه ، وطلب إليه العتبى ضد .

والمعنى : لا ينفعهم اعتذار بعذر ولا إقرار بالذنب وطلب العفو . وتقدم قوله ولا هم يستعتبون في سورة النمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية