nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29002_33679_32412ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة
رجوع إلى تعداد دلائل الوحدانية وما صحب ذلك من منة على الخلق ، فالكلام استئناف ابتدائي عن الكلام السابق ورجوع إلى ما سلف في أول السورة
[ ص: 174 ] في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خلق السماوات بغير عمد فإنه بعد الاستدلال بخلق السماوات والأرض والحيوان والأمطار عاد هنا الاستدلال والامتنان بأن سخر لنا ما في السماوات وما في الأرض . وقد مضى الكلام على هذا التسخير في تفسير قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32الله الذي خلق السماوات والأرض الآيات من سورة إبراهيم ، وكذلك في سورة النحل .
ومعنى ( سخر لكم ) لأجلكم لأن من جملة ذلك التسخير ما هو منافع لنا من الأمطار والرياح ونور الشمس والقمر ومواقيت البروج والمنازل والاتجاه بها . والخطاب في ( ألم تروا ) يجوز أن يكون لجميع الناس مؤمنهم ومشركهم لأنه امتنان ، ويجوز أن يكون لخصوص المشركين باعتبار أنه استدلال .
والاستفهام في ( ألم تروا ) تقرير أو إنكار لعدم الرؤية بتنزيلهم منزلة من لم يروا آثار ذلك التسخير لعدم انتفاعهم بها في إثبات الوحدانية . والرؤية بصرية . ورؤية التسخير رؤية آثاره ودلائله .
ويجوز أن تكون الرؤية علمية كذلك ، والخطاب للمشركين كما في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خلق السماوات بغير عمد ترونها .
وإسباغ النعم : إكثارها . وأصل الإسباغ : جعل ما يلبس سابغا ، أي وافيا في الستر . ومنه قولهم : درع سابغة . ثم استعير للإكثار لأن الشيء السابغ كثير فيه ما يتخذ منه من سرد أو شقق أثواب ، ثم شاع ذلك حتى ساوى الحقيقي فقيل : سوابغ النعم .
والنعمة : المنفعة التي يقصد بها فاعلها الإحسان إلى غيره .
وقرأ
نافع وأبو عمرو وحفص عن
عاصم وأبو جعفر ( نعمه ) بصيغة جمع نعمة مضاف إلى ضمير الجلالة ، وفي الإضافة إلى ضمير الله تنويه بهذه النعم . وقرأ الباقون ( نعمة ) بصيغة المفرد ، ولما كان المراد الجنس استوى فيه الواحد والجمع .
والتنكير فيها للتعظيم فاستوى القراءتان في إفادة التنويه بما أسبغ الله عليهم .
[ ص: 175 ] وانتصب ( ظاهرة وباطنة ) على الحال على قراءة نافع ومن معه ، وعلى الصفة على قراءة البقية .
والظاهرة : الواضحة . والباطنة : الخفية وما لا يعلم إلا بدليل أو لا يعلم أصلا .
وأصل الباطنة المستقرة في باطن الشيء أي داخله ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13باطنه فيه الرحمة فكم في بدن الإنسان وأحواله من نعم يعلمها الناس أو لا يعلمها بعضهم ، أو لا يعلمها إلا العلماء ، أو لا يعلمها أهل عصر ثم تنكشف لمن بعدهم ، وكلا النوعين أصناف دينية ودنيوية .
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29002_33679_32412أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
رُجُوعٌ إِلَى تَعْدَادِ دَلَائِلِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَمَا صَحِبَ ذَلِكَ مِنْ مِنَّةٍ عَلَى الْخَلْقِ ، فَالْكَلَامُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ عَنِ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَرُجُوعٌ إِلَى مَا سَلَفَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ
[ ص: 174 ] فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ فَإِنَّهُ بَعْدَ الِاسْتِدْلَالِ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْحَيَوَانِ وَالْأَمْطَارِ عَادَ هُنَا الِاسْتِدْلَالُ وَالِامْتِنَانُ بِأَنْ سَخَّرَ لَنَا مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ . وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى هَذَا التَّسْخِيرِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ الْآيَاتُ مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ .
وَمَعْنَى ( سَخَّرَ لَكُمْ ) لِأَجْلِكُمْ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ التَّسْخِيرِ مَا هُوَ مَنَافِعُ لَنَا مِنَ الْأَمْطَارِ وَالرِّيَاحِ وَنُورِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَمَوَاقِيتِ الْبُرُوجِ وَالْمَنَازِلِ وَالِاتِّجَاهِ بِهَا . وَالْخِطَابُ فِي ( أَلَمْ تَرَوْا ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِجَمِيعِ النَّاسِ مُؤْمِنِهِمْ وَمُشْرِكِهِمْ لِأَنَّهُ امْتِنَانٌ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِخُصُوصِ الْمُشْرِكِينَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي ( أَلَمْ تَرَوْا ) تَقْرِيرٌ أَوْ إِنْكَارٌ لِعَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ لَمْ يَرَوْا آثَارَ ذَلِكَ التَّسْخِيرِ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا فِي إِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ . وَالرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ . وَرُؤْيَةُ التَّسْخِيرِ رُؤْيَةُ آثَارِهِ وَدَلَائِلِهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّؤْيَةُ عِلْمِيَّةً كَذَلِكَ ، وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ كَمَا فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=10خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا .
وَإِسْبَاغُ النِّعَمِ : إِكْثَارُهَا . وَأَصْلُ الْإِسْبَاغِ : جَعْلُ مَا يُلْبَسُ سَابِغًا ، أَيْ وَافِيًا فِي السِّتْرِ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : دِرْعٌ سَابِغَةٌ . ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلْإِكْثَارِ لِأَنَّ الشَّيْءَ السَّابِغَ كَثِيرٌ فِيهِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ مِنْ سَرْدٍ أَوْ شُقَقِ أَثْوَابٍ ، ثُمَّ شَاعَ ذَلِكَ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقِيَّ فَقِيلَ : سَوَابِغُ النِّعَمِ .
وَالنِّعْمَةُ : الْمَنْفَعَةُ الَّتِي يَقْصِدُ بِهَا فَاعِلُهَا الْإِحْسَانَ إِلَى غَيْرِهِ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ ( نِعَمَهُ ) بِصِيغَةِ جَمْعِ نِعْمَةٍ مُضَافٌ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ ، وَفِي الْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِ اللَّهِ تَنْوِيهٌ بِهَذِهِ النِّعَمِ . وَقَرَأَ الْبَاقُونَ ( نِعْمَةٌ ) بِصِيغَةِ الْمُفْرَدِ ، وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ اسْتَوَى فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ .
وَالتَّنْكِيرُ فِيهَا لِلتَّعْظِيمِ فَاسْتَوَى الْقِرَاءَتَانِ فِي إِفَادَةِ التَّنْوِيهِ بِمَا أَسْبَغَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .
[ ص: 175 ] وَانْتَصَبَ ( ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ) عَلَى الْحَالِ عَلَى قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَمَنْ مَعَهُ ، وَعَلَى الصِّفَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْبَقِيَّةِ .
وَالظَّاهِرَةُ : الْوَاضِحَةُ . وَالْبَاطِنَةُ : الْخَفِيَّةُ وَمَا لَا يُعْلَمُ إِلَّا بِدَلِيلٍ أَوْ لَا يُعْلَمُ أَصْلًا .
وَأَصْلُ الْبَاطِنَةِ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي بَاطِنِ الشَّيْءِ أَيْ دَاخِلِهِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=13بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ فَكَمْ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ وَأَحْوَالِهِ مِنْ نِعَمٍ يَعْلَمُهَا النَّاسُ أَوْ لَا يَعْلَمُهَا بَعْضُهُمْ ، أَوْ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا الْعُلَمَاءُ ، أَوْ لَا يَعْلَمُهَا أَهْلُ عَصْرٍ ثُمَّ تَنْكَشِفُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَكِلَا النَّوْعَيْنِ أَصْنَافٌ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ .