الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ويستمرون في غيهم؛ فيقولون: إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ؛ " إن " ؛ مخففة من " إن " ؛ واسمها ضمير الشأن؛ محذوف؛ تقديره: " إن الحال والشأن أنه كاد... " ؛ إلى آخره؛ أي أنه بماضيه وظهور صدقه؛ وعدم الدليل على كذبه في حججه المتوالية التي كانت تجيء دليلا ردف دليل؛ قارب أن يبعدنا عن آلهتنا؛ أي: يبعدنا عن عبادة آلهتنا؛ ويجنبنا إياها؛ لولا أن صبرنا عليها ؛ أي: لولا أن حبسنا [ ص: 5285 ] أنفسنا عليها؛ فـ " صبر " ؛ هنا بمعنى: " حبس " ؛ كقوله (تعالى): واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه

                                                          وإن هذا النص الكريم الحاكي لأحوالهم النفسية يدل على أمرين؛ أولهما: أنهم كانوا في مغالطة نفسية؛ بين باطل اعتنقوه؛ وحق لاح نوره بين أيديهم؛ بحججه وأدلته الناصعة المنيرة؛ والثاني: أنهم لتقليدهم؛ وتعصبهم لما كانوا عليه؛ وما وجدوا عليه الآباء؛ كانوا يحاولون إبطال الحق وتأييد الباطل؛ فحبسوا أنفسهم على الباطل حبسا؛ وأنهم كانوا يتبعون الحق؛ لولا أنهم حبسوا أنفسهم على الباطل؛ و لولا ؛ شرطها صبرنا ؛ وجوابها محذوف؛ دل عليه ما قبلها.

                                                          وهكذا المبطل دائما؛ يكون غير مستقر على فكرة؛ بل الأوهام تسيطر؛ وتضع على الإدراك غشاء مانعا من أن يصلوا إلى الحقائق؛ ويؤمنوا بها؛ ولا تحسبن الضالين يؤمنون بشيء.

                                                          وقوله (تعالى): وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ؛ " سوف " ؛ هنا لتأكيد وقوع الفعل في المستقبل؛ أي: سيعلمون علما مؤكدا؛ في أي جانب كان الضلال؛ أكان مع الهادي المرشد الأمين؛ أم منكم؛ وأنتم تعبدون أحجارا لا تنفع ولا تضر؛ وقد حبستم أنفسكم عليها حبسا لا تخرجون من دائرة سلطانه الموهوم؛ وإنكم ستعرفون الحق الواضح الأبلج الناصع في نوره وبياضه عندما ترون العذاب؛ فالنفوس الضالة لا يهديها إلى الحق الحجة الدامغة؛ بل تزيدهم إصرارا على باطلهم؛ ويعلمون حينئذ الحق في وقته؛ إذ يعلمونه في وقت نزول العذاب؛ وهو علم ندم؛ ولات حين مندم.

                                                          وقوله (تعالى): من أضل سبيلا ؛ استفهام لإنكار حالهم وتوبيخهم على جهلهم؛ مع مجازاتهم على ما كان منهم في جنب النبي في الدنيا؛ أضل سبيلا ؛ أي: أبعد عن الطريق المستقيم؛ والله بكل شيء عليم؛ وإن هذا القول الذي حكاه - سبحانه وتعالى - عنهم؛ يدل على أنهم يختارون من الآلهة ما يتجه إليه هواهم دون عقولهم؛ ولذا قال - سبحانه -:

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية